بعد أن عاثت الشركات المعدنية فسادا بالبيئة الموريتانية بعدما راكمت آلاف الأطنان من النفايات شديدة السمية في البيئة خاصة شركة First Quantum Minerals- MCM التي خلف مصنعها 52.000 طن من النفايات شديدة السمية، وشركة KINROSS-Tasiast التي خلفت هي الأخرى 7000 طن من النفايات بمختلف أنواعها (كما ورد في تقرير محكمة الحسابات)، وهي أرقام بعيدة كل البعد من حجم النفايات الحقيقي الموجود على أرض الواقع.
فحجم أحواض نفايات السيانيد الموجود في هذه الشركات تتجاوز هذه الأحجام، رغم التسرب الخطير الحاصل فيها على مستوى التربة، ورغم نسبة التبخر الكبير في الجو نتيجة ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة، ورغم الدعوات المتعددة من مختلف القطاعات المعنية بالموضوع إلى هذه الشركات بضرورة معالجة هذه الاختلالات؛ ظلت هذه الشركات تضرب عرض الحائط بكل هذه الدعوات وتواصل استهتارها بكل المواثيق، التي تتشدق بالالتزام بها في ظل عدم المساءلة والإفلات من العقاب.
وفي الأسابيع الماضية شاهدنا اجتماعات لهذه الشركات مع بعض القطاعات الحكومية الغائبة أو المغيبة حيث يجب أن تكون، فعندما نرى قطاع البيئة الغائب الذي لا ينتظر، والحاضر الذي لا يستشار، يتحدث عن ضرورة رسم استراتيجية لتخفيف الأضرار البيئية الناجمة عن أنشطة هذه الشركات في ولاية إنشيري التي تجاوزت مرحلة الضرر إلى مرحلة الجرم البيئي دون أن يقوم بمحاسبة هذه الشركات على هذه الممارسات المجرمة محليا ودوليا.
لا يحتاج القطاع ولا الشركات إلى رسم استراتيجيات جديدة بل نحتاج إلى احترام الالتزامات البيئية التي هي العقد بيننا وبين هذه الشركات، كما نحتاج إلى التقييم والتدقيق في مخططات التسيير البيئي التي تعتمدها هذه الشركات إن وجدت بعد عشرات السنين من الممارسة الميدانية على أرض الواقع، والتي أظهرت اختلالات كبيرة، كما أظهرت وهن هذه المخططات التي لم تستطع تجنيب هذه الكوارث، مما يعني أن هذه الدراسات البيئية بنيت على فرضيات غير دقيقة، وأصبح من اللازم تحديثها لتفادي مزيد من الكوارث البيئية.
كذلك يجب أن يستعيد القطاع مسؤولية الرقابة البيئية على هذه الشركات من خلال تعزيز قدراتها وإلزامها بتمويل مختبرات للبحوث العلمية في المجال البيئي لتمكين القطاع من الاطلاع بمسؤولياته، فلا يمكن أن تظل أرواح المواطنين مؤتمنة لدى مستثمرين همهم الوحيد هو مراكمة الثروة ولو على حساب الصحة وجودة حياة المواطن.
كذلك من الضروري اكتتاب مكتب دولي مستقل للقيام بعملية تدقيق بيئي شامل لمحيط هذه الشركات للوقوف على الوضعية الحقيقية للبيئة، وحجم النفايات، حينها يمكن الحديث عن رسم استراتيجيات ووضع الحلول.
إن تحركات هذه الشركات هي محاولة امتصاص تأثير ما ورد من تقارير بهذا الخصوص محليا حتى لا تتضرر مراكزها في البرص الدولية، أما فيما يخص الرأي العام المحلي فلا تولي أي اهتمام بردات فعله. فلن تتجاوز مجرد اجتماعات مع قطاعات عاجزة عن اتخاذ أي إجراء في حق هذه التجاوزات لتظل البيئة في هذه الولاية مؤتمنة لدى هذه الشركات التي تراقب نفسها بنفسها، وليس متوقعا منها أن تشهد على نفسها، والمواطن المتضرر الأول من هذه التجاوزات التي وصلت إلى درجة الجرم البيئي لا يستشعر حجم الخطر المحيط به رغم أنه أصبح يعيش تأثيراته في بيئته وصحته، ومنظمات المجتمع المدني غائبة هي الأخرى أو مستغله من قبل هذه الشركات، كما أن الرأي العام الوطني يتجاهل هذه المخاطر التي سيطال تأثيرها الجميع.
وإذا كانت حكومتنا الموقرة جادة في تنفيذ تعليمات فخامة رئيس الجمهورية بشأن محاربة الفساد، فإن الفساد في مجال البيئة من أخطر أنواع الفساد.
الفساد المالي يمكن جبر ضرره باستئصال مسبباته، أما الفساد البيئي فلا يمكن جبر، خاصة إذا كان ناجما عن تسرب مواد شديدة السمية إلى باطن الأرض وفي الهواء، وسيظل يدفع ثمنه أجيال من المواطنين ربما لم يعاصروا هذه الاستثمارات. والمتسبب فيه قد لا يكون موجدا حينها خاصة أننا أمام إغلاق محتمل لأول رخصة استغلال ( MCM) في ظرف سنوات قليله.
فهل أعدت قطاعاتنا الحكومية العدة لذلك من أجل معرفة كيف يمكننا أن نتعامل مع هذا الكم الهائل من النفايات السامة التي ستغادرها هذه شركات تاركة آثارها لتكتوي بها أجيال من هذا الشعب؟
الجميع، من نخب وأحزاب ومنظمات مجتمع مدني وإعلام مطالبون بالاضطلاع بمسؤولياتهم وتسليط الضوء على هذه الممارسات التي تهدد الصحة العامة وتضر بالتوازن البيئي.
النائب: سيد أحمد محمد الحسن

.gif)
.gif)













.png)