على مدار الساعة

استقال جميل.. فذكرت شيماء..!

11 أغسطس, 2023 - 16:15
أمينة عمار

استقال جميل بعد مقدمة، وتمهيد، وفصول.. وخاتمة لا تشبه محتوى رجل آمن بقضية ونافح من أجلها.. وسلك طرائقها الوعرة.. وجرد فكره وعقله.. مدافعا عنها ومنظرا لها، فجذب حضوره الطاغي بخطاباته ومقالاته.. العديد من المنتسبين.

 

قدم جميل أعذاره ورحل يحمل تاريخا مترعا بالطموح، والنضال، والنجاح، والإخفاق.. وطيف أحلام شاهقة..!

 

لو تمهل "الرمز" – قليلا - حتى عودة الرئيس وقدم استقالته لكان ذلك مناسبًا لطبعه الهادئ والرزين.. ولكن تعجل صرم الوصل بينه وبين حزبه القديم!

 

ظل جميل - وحتى وقت قريب - أيقونة خالدة في ذاكرة مناصريه، مرموقا مبجلًا.. لدى الرعيل الأول من جيله، مثقفا محترمًا من طرف خصومه.

 

مهد الرجل حسب متابعيه لقرار الاستقالة منذ إرهاصات "الهجرة " الأولى، وعكف على تحديث بياناته تمهيدًا للانسلاخ من ماضيه الحزبي التليد، فما عادت النغمة التواصلية تداعب وجدانه.. فأعار "القبعة" تاركا ظل نخلته الوفير… فبدت نبرة الانتقاد طافحة في كتاباته المتعلقة بالحزب وقراراته.. مع غزل صريح بغزواني وتعهداته..!

 

ورغم ذلك فسر البعض أقوال جميل بأنها مجرد مناورة سياسية لمد جسر التواصل لسيد القصر في خطوة استباقية كي لا يحل بإخوان موريتانيا ما حل بأتراب لهم في دول أخرى، فالرجل نظرا لماضيه وثقله النضالي في حزبه سيظل حصنا منيعا ضد اقتفاء أثر "راشدون " من وجهة نظر هؤلاء، وقد كنت منهم.

 

كان جميل لامعا طيلة مكثه في "تواصل " وذات خريف - أقلعت سماؤه - قدم استقالته مع مسوغات بدت باهتة وغير مقنعة في نظر الكثيرين.

 

لن أمارس دور الوصاية على جميل، ولست تواصلية ملتاعة لفراق قائدها الجسور.. إلا أن الباعث لكتابة هذا المقال: حديث مستقر في إرشيف الذاكرة دار بيني وبين الغالية شيماء بنت بونه غداة الانتخابات قبل الماضية، إذ أقسمت لي غير حانثة أنها تفضل فوز جميل منصور في الانتخابات الجهوية أكثر بكثير من فوز والدتها النائبة السابقة عن حزب تواصل والرئيسة الحالية لنسائه، الأخت الفاضلة عيشة بنت بونه، ما زلت أذكر نبرتها العفوية الصادقة.. وحماسها الزائد وهي تحث الناخبين للتصويت للائحة الجهوية: "المهم ألا يطلع جميل إلين ينجح جميل كافينا ذاك".

 

فجميل بالنسبة لها رمز حفر اسمه وتاريخه ونضاله.. في وجدانها الفتي.. لم يخطر ببال شيماء المتحمسة لرمزها الحزبي أن ورقة بيضاء وحبرا أزرق وآثار ندم.. ستنهي عهودا ومواثيق ومحطات وآمال.. جنح بها خيال شيماء وغيرها من منتسبي ومنتسبات الحزب الذي ظل محافظًا على قوة كيانه رغم قوة التقلبات.

 

لو لم يكن الرجل قائدا يتكلم عن المبادئ ويلهب حماس أنصاره لقضي أمره بدون تعقيب، لو لم يكن الرجل ينتمي لجمع لا تلين قناته للخصوم لاختفى الخبر بين الزحام، لو لم يكن الرجل "قدوة " و"رمزا " و"مرجعا "... عند أغلب المنتمين لحزبه لكتب خبر استقالته على الهامش ولما تصدر محركات الحديث.

 

يفجر موضوع استقالة جميل منصور مسألة أخطر بكثير من الحدث وتداعياته.. فهو يكرس واقعا جديدًا شعاره: أصبحنا على كلمة المعارضة، وأمسينا على فطرة الموالاة!! فالترحال عرف سياسي متبع دائر مع المصلحة أين ما وجدت، فالبحث عن المنفعة، والحظوة.. ثقافة غالبة يصعب تجاوزها في المدى القريب، وإذا كانت المعارضة في الوجدان الجمعي للشعوب ترجمان آمالهم وتطلعاتهم.. فإن عيون الموريتانيين باتت ترمقها بارتياب كبير.

 

فالانكسارات العميقة في صفوف المعارضة ونزيف الاستقالات.. صدعت هذا الكيان وجعلته في موت سريري برهنت عليه الانتخابات الأخيرة.

 

فالطوابير التي حملت صور قادتها وانتشت بخطبهم، وجثت برد الشتاء وسخونة الصيف أمام المكاتب لإعلاء كلمة المعسكر المعارض قد ذهبت سدى، فبدل "القادة " جلدهم "الخشن "بآخر ناعم الملمس، متكئين على سرر "الموالاة" ولسان حالهم يقول: فإن عدنا فإنا "شمامون"…!.

 

لتتشكل بعدها ثقافة ناشئة جيل المستقبل مادية صرفة تسخر من المبادئ والنضال.. وتنظر للعالم من زاوية "المصلحة الشخصية" والولاء المطلق "للمادة"..!

 

ورغم قتامة المشهد فإن نور الفجر لآت… وماجدات "شنقيط" سينجبن أبطالًا لم يخلقوا  للمزاد…

 

شيماء: قد يحزنك ما حدث فغردي شجنا عن "الرحيل" واكتبي ما شئت فنبعك الزلال… لم تلوثه أدران السياسة.

 

كي لا تحزني شيماء على رمزك "المبجل" فهو مازال يحمل بقية باقية من فكرك الطافح إيمانا وتضحية.. في انتظار قراره الأخير الذي سيسدل الستار على قصة كان اسمها "جميل"…