على مدار الساعة

يوم في البرلمان

1 أكتوبر, 2020 - 10:11
أمينة عمار

على ذكر إيثار أبناء "الأغنياء" بالمنح الدراسية الجزيلة، سبق لي أن تمنيت الجلوس على المقعد التشريعي "الوثير"، للمطالبة بمعاملة تفضيلية للطلاب من ذوي الدخل المحدود، ومنحهم أولوية الدراسة بالخارج، دون أن يضايقهم ذوو الثراء الفاحش.

 

لم تكن أمنيتي "ترفا"، بل رغبة في إثارة أحقية أبناء أصحاب الرواتب الزهيدة بالمنح الدراسية، فالأغنياء لا يحتاجونها حتى لو كانوا مستحقين لها بحكم التفوق، وحصد المعدلات المرتفعة في المسابقات الوطنية.

 

 كنت سأمارس ضغوطا "مشروعة" لمناشدة "الأغنياء" التنازل عن منح أبنائهم مواساة للفقراء.. كانت مداخلتي (أو أمنيتي) المرتقبة تتركز على ثلاثة نقاط:

 

أولا / توجيه طلب ورجاء - في آن - لرئيس الجمهورية بتشكيل لجنة عالية "الشفافية" لدراسة ملفات "الطلاب" في ضوء ظروفهم المادية، فمن كان غنيا منهم فليستعفف، حتى لا تكون المنح - هي الأخرى - دولة بين "الأغنياء"!.. الذين تتوفر لديهم ظروف وإمكانات تسمح بالتميز الدراسي، وإحراز التفوق أكثر من إخوانهم الفقراء.. ولن تجد اللجنة (الحلم) كبير عناء في معرفة ذوي الحاجة من الطلاب، ففي بلادنا يمكنك معرفة دخل جارك الألف دون كبير عناء.

 

ثانيا/ وقبل أن يبدأ "ولد بايه" بدق جرسه معلنا نهاية المداخلة، أبدأ أنا باستعطاف المستأثرين بثروات الوطن!.. في البداية صدمت لشحوب "ضمائرهم"!.. لأكتشف – لاحقا - أنها جثة هامدة.. لم تكن مائة عام تكفي لبعثها من جديد.. تحسست "ضميري".. فلم يعد استعطاف "الضمائر" الميتة "مجديا".. عدلت من جلستي وملت إلى الأمام – قليلا - أثناء ترتيب أفكاري "المستفزة" لطبقة "النبلاء".. رفعت مستوى الصوت، وبدت نبرتي واثقة وأنا أخاطب الرأي العام محاولة إضفاء شرعية جماهرية على مطلبي الكبير.

 

 سأحرج "النبلاء" بمناشدتهم التنازل عن منح أبنائهم لصالح أبناء الفقراء، فما يملكون من الأموال يغطي النفقات الدراسية بسخاء لحفدة الحفدة وفي أعرق الجامعات.. بسطة المال لهذه الطبقة تمكنها من الإنفاق الباذخ على دراسة أبنائها، بل والتبرع سنويا بمبالغ مالية للتكفل بالمصاريف الدراسية لعدد من الطلاب المحرومين.

 

ثالثا/ أما النقطة الثالثة من مداخلتي فقد كانت موجهة للطلاب، فهم حديثو عهد بالنقاء الطفولي القابل للتأثير.. سأخاطب مشاعرهم لتلين .. وتحنو لرفقائهم الذين لا يملكون سوى جرعة "أمل" وحقيبة "أحلام" ومبلغا "زهيدا" لا يكفي لسد ضرورات الحياة .. خطوة التنازل هذه ستكون عظيمة - لو حدثت - وستؤسس لعهد قيمي يدوس الجشع بقدميه، ويرفع شأن قيم نفيسة (الإيثار، البذل، العطاء...).. قيم تكاد تندثر في عصر "تسليع الإنسان" وجشعه غير المحدود.

 

خطوة تحد من أنانية الإنسان وتحيي لديه مروءات عظيمة ..

 

سيستجيب أغلب الطلاب ويتنازلون بطيب خاطر عن منحهم الدراسية لزملائهم فهم لا يحتاجونها.. وسيدرك الآباء أن التخلي عن "المنح" طوعا أوكرها لا يعني نهاية العالم، فسعر قطعة أرضية "مهملة" على طريق "صكوك" لأحدهم تكفي لدراسة ونفقة بضعة طلاب في الخارج.

 

"يوم في البرلمان" لا أراه قريبا، وأمنيتي خرجت من السرداب ولن أجبرها على العودة، فالفضاء الافتراضي أوسع تأثيرا وأزكى مصداقية من مجلس لا تعترض أغلبيته إلا على زيادة زهيدة "للمعلم".

 

سيكون أول من يتنازل عن منحته: أرستقراطي نبيل، وسيترك أثرا في نفوس الشعب وسيكون له أجر من سن سنة حسنة إلى يوم الدين.

 

ويسدل ستار المشهد "التخيلي" وولد باية يصرخ بغضب برجوازي، عنيد.. يرقبني بنظرات حادة.. :أنت لقد انتهى وقتك،.

 

أجبت بنبرة متفائلة: عفوا سيدي، انتهى الوقت ولكن فكرتي وصلت.