على مدار الساعة

تراجيديا المشاع والمراعي الموريتانية

2 يناير, 2018 - 02:16
المهندس: الهيبة سيد الخير

تراجيديا المشاع Tragedy of the commons مصطلح أطلقه الباحث الانكليزي غاريتهاردن سنة 1968، يلقي فيه الضوء لأول مرة على مأساة إدارة الموارد المشتركة كالمراعي والموارد البحرية والمياه الجوفية.. الخ، وقد بيّن في بحثه خطورة الاستغلال غير المستدام لتلك الموارد ،حيث يلجأ المستغلون إلى محاولة الاستفادة القصوى من الموارد، مع إدراكهم أن استغلالهم المفرط سيسبب فناء تلك الموارد، لكنهم مع ذلك لا يأبهون باعتبار أن الاستفادة لهم، بينما سيتحمل كامل المجتمع أعباء تلك المشكلة، وقد جسّد ذلك في مثاله المشهور، حيث ضرب مثالا بمرعى مفتوح ومتاح لكل المنميين حيث تسابق البعض لجلب القطعان لاستغلاله فكل واحد يريد أكبر استفادة ممكنة، وفي النهاية تدهور المرعي ولم يعد صالحا للاستغلال لكن الخسارة تحملها الجميع بعكس الاستفادة.

 

شكلت ورقة غاريتهاردن فرصة للتأمل، نتج عنها ظهور بحوث ودراسات عديدة، ونظم إدارة واستغلال للموارد المشاعة، كما تمخضت عنها اتفاقيات دولية، وساهمت في تطوير مفهوم التنمية المستدامة وزيادة الوعي البيئي، ولعل الاحتباس الحراري اليوم أفضل مثال يضرب لها، فكل دول العالم تعرف خطورة انبعاث ثاني اوكسيد الكربون، لكن العديد من الدول لا تحرك ساكنا باعتبار أن الضرر يقع على الجميع، بينما يحقق اقتصادها النمو.

 

قرية من الريف الموريتاني كمثال لنظرية غاريتهاردن

سنأخذ قرية من الريف الموريتاني يسكنها بعض صغار ملاك القطعان، ولا يتجاوز متوسط الملكية خمس وحدات ماشية مدارية UBT5، وتملك القرية مراعي مساحتها 250 هكتارا، تكفي عادة لستة أشهر من السنة، لكن أحد الرجالات المنحدرين من القرية وبعد أن تقاعد من إدارة مؤسسة كبري، قرر شراء ضعف قطعان القرية، مما تسبب في تراجع فظيع للمراعي، وهزال للحيوانات، وكثرة أمراضها، ناهيك عن انتشار الغبار وأمراض الجهاز التنفسي بين الساكنة، أصابت تلك الأضرار الجميع، باستثناء المستثمر الجديد فقد نقل قطعانه بالشاحنات إلى ولاية أخرى، بعد أن التهمت قطعانه مراعي القرية، بينما اضطر بقية المنمين لشراء المكملات الغذائية، مع العلم أنه لا يزور القرية إلا في الخريف، وهو لا يدفع الضرائب وسيكون أول المستفيدين من برامج التدخل الحكومي في سنوات الجفاف!.

 

ماذا لو طبقنا المثال بشكل أشمل؟

تشير المدونة الرعوية الوطنية إلى أن المراعي ملك للأمة، في حين أن مواد المدونة تتغافل عن التمييز بين المرعى والغطاء النباتي الضروري لتوازن النظام البيئي، فتعتبر ضمنا أن المراعي هي كل ما تستطيع الحيوانات التهامه وهي حق للمنمي بينما لا تضع قيودا ولا ضوابط للتسيير العقلاني والعادل فهي تغمط حق المجتمع في بيئة سليمة وصحية ومستدامة، كما تغمط حق صغار الملاك ولسان حالها يقول: المرعى مشاع ومن يملك أكثر القطعان والأقدر على الحركية هو المستفيد بينما سيتحمل كامل المجتمع الأضرار وأولها أمراض الجهاز التنفسي نتيجة انتشار الغبار.

 

من خلال المثالين نجد أن نظرية غاريتهاردن تلخص حجم مأساة ادارة الثروة الحيوانية في بلادنا، ففي الماضي كانت الأوبئة تحد من تكاثر القطعان، أما الآن فالقطعان تتكاثر في حين تتراجع المراعي، بينما يتحمل المجتمع التبعات الكارثية، فهو اليوم يدفع ثمن تلك الاختلالات وسيدفع مستقبلا المزيد، اللهم إذا ما تمت مراجعة السياسات المتبعة.

 

حلول ممكنة

- وضع مخططات لإدارة المراعي مع احترام الحمولة الرعوية؛

- إعادة صياغة المدونة الرعوية بما يحقق احترام الأبعاد البيئة؛

- تحديد عدد الرؤوس المسموح لها بالولوج الحر للمراعي، وبيع رخص حق الاستغلال لكبار الملاك؛

- الاستفادة من تجربة استغلال المصائد البحرية في إدارة المراعي؛

- إنشاء صندوق تأمين ضد مخاطر الجفاف.

 

من غير المقبول ولا المنطقي الاستمرار في إدارة الموارد الحيوانية بهذا الشكل، فقد أصبحت عبئا على اقتصادنا الوطني، ناهيك عن أضرارها البيئية، ولم تعد حملات وبرامج التدخل تكفي لرتق الخرق فقد اتسع على الراقعين، لذلك لا بد من إستراتيجية وطنية شاملة لإدارة هذا القطاع الحيوي، والابتعاد عن الحلول المجتزأة والقصيرة النظر من قبيل شراء الأعلاف والخطط الاستعجالية.