على مدار الساعة

الجفاف في زمن التغيرات المناخية... الحلول الجذرية

25 أكتوبر, 2017 - 01:57
المهندس: الهيبة سيد الخير

يشهد العالم اليوم ارتفاعا غير مسبوق في درجات الحرارة، ويترافق هذا الارتفاع بتقلبات مناخية غير معهودة، كموجات الجفاف، والحرّ والفيضانات والاعاصير، تقلبات لم يسلم منها أي بلد عبر العالم، وتشير معظم دراسات استشراف المستقبل إلى أن بلادنا ستكون من أكثر البقاع على الأرض عرضة لمخاطر هذه التقلبات حيث يعتقد أنها ستتعرض لموجات جفاف بوتيرة أكبر من المعهود.

 

إن اعتماد قطاع التنمية الحيوانية على أنظمة الإنتاج التقليدية وإدمانه على برامج التدخل السريع، يفرض علينا اليوم، إجراء جرد حساب ومكاشفة حقيقية، فمن غير المعقول أن تُحول موارد الفقراء لتغذية قطعان الأغنياء، خصوصا أن تلك البرامج قد تتكرر بوتيرة متسارعة في السنوات القليلة القادمة.

 

قطاع التنمية الحيوانيةالبدايات السليمة

لقد كانت نسبة امتلاك الفرد الموريتاني للماشية الأعلى عالميا، قبل عقد السبعينات، حيث كان القطاع هو العمود الفقري للاقتصاد الوطني، فمنتجاته كانت تثمن بشكل كبير، حيث كان يلعب أدوارا اجتماعية هامة ،جسدت أعلى صور للتكافل الاجتماعي، فأغلب رؤوس الماشية يمتلكها الملاك الصغار والمتوسطون، كما أن أعدادها تضبط طبيعيا بفعل الأوبئة ،لذلك لم تُسبب ضغطا كبيرا على المراعي، وظلت حالة التوازن تلك سائدة لفترة طويلة، واستطاع القطاع أن يحافظ على ديناميكيته وتنافسيته بالرغم من إجبار المنمين على دفع الضرائب إبان الاستعمار الفرنسي.

 

شكل إلغاء الضرائب على الثروة الحيوانية أحد أهم تجليات الاستقلال في أعين الكثيرين في بلادنا، حيث يمكن الحديث عن عقد اجتماعي، يتم بموجبه إعفاء المنمين من دفع الضرائب، مقابل التنازل عن كثير من المطالبات الاجتماعية، وقد ظل هذا العقد يحقق نوعا من التوازن لفترة طويلة.

 

بداية تغلغل الفساد في القطاع

شكلت فترة التسعينات وما بعدها مرحلة مفصلية في تاريخ القطاع، فقد تحسنت الصحة الحيوانية، ولم تعد الأوبئة تضبط أعداد القطعان، كما نجم عن سنوات الفساد والخوصصة في تلك الفترة، ظهور طبقة جديدة من المستثمرين أعادت تدوير الأموال المنهوبة من خزائن الدولة، مما سبب تغيرا جذريا في مستويات التملك، فصارت أغلب القطعان مملوكة لقلة من الموظفين السامين، والمتقاعدين من بعض القطاعات المعروفة بفسادها، وآخرين من متصيدي الفرص، حيث أصبح القطاع يعج بالمتنفذين ومبيضي الأموال، مما سمح بتشكيل مجموعة ضغط، تمكنت من تغيير بنود العقد الاجتماعي لأول مرة وأجبرت صناع القرار على الالتزام بتوفير الأعلاف بأسعار مخفضة في السنوات العجاف، هذا فضلا عن عدم إمكانية الحديث عن دفع الضرائب، ونجحت تلك المجموعة في أخذ صغار الملاكـ كأداة لاستدرار العطف في سنوات القحط، بينما اكتفت هي بجني المكاسب في سنوات الخصب.

 

إجراءات ضرورية لتصحيح اعتلالات القطاع

بالرغم من اعتماد البلاد في السنوات الماضية على الإطار الإستراتيجي لمحاربة الفقر، فإن قطاع التنمية الحيوانية لم يشكل رافعة للنمو، بل تحول إلى معوق تنموي، فالقطاع صار ملاذا للتهرب الضريبي وتبييض الأموال، ناهيك عن غياب الاستثمارات واقتصار جهود التطوير على برامج التدخل السريع العبثية.

 

تعد إستراتيجية النمو المتسارع والرفاه فرصة لتحويل القطاع إلى رافعة حقيقية وذلك عن طريق الإصلاحات التالية:

- فرض ضريبة التدهور البيئي على قطعان كبار المُلاك، مما سيسمح بتقليل الحمولة الرعوية وتحسين جودة المراعي، وعودة الغطاء النباتي، الأمر الذي سينعكس إيجابا على بيئتنا، كما ستنتفي الحاجة إلى برامج التدخل وهدر المال العام؛

- اقتصار حق استخدام المراعي الطبيعية على قطعان صغار ومتوسطي الملاك، مما سيعيد للقطاع توازنه بحيث يلعب الأدوار الاجتماعية المعهودة؛

- توفير الحوافز لكبار الملاك للتحول لنظام التربية التكثيفي والمعتمد على زراعة الأعلاف، مما سيشجع إدخال السلالات الحديثة وزيادة فرصة تثمين الألبان، وغربلة القطاع وضبطه ليتحول من قطاع للتهرب الضريبي وغسيل الأموال إلى قطاع منتج ورافعة حقيقية للنمو.

 

ستحتاج هذه الإصلاحات إلى إرادة سياسية حازمة، نظرا لقوة مجموعة الضغط، وعلى العموم فلن تقدر السلطات العمومية على الاستمرار في توفير الأعلاف لعشرات ملايين الرؤوس في زمن التغيرات المناخية، وفي انتظار إجراءات إصلاح القطاع، سيبقي شعار المتنفذين هو السائد: أعباء سنوات القحط من نصيبكم وجني مكاسب الخصب حق لنا!.