على مدار الساعة

الأعلام..

30 نوفمبر, 2017 - 12:29
أحمد يعقوب أحمد بزيد - أستاذ جامعي

في الوقت التي يسير فيه العالم بسرعة نحو ضبط المعارف العلمية، وتحديد المفاهيم ووضع القواعد لكل شيء، والتقليل من الجدل العقيم في المسلمات، وحسم تعصبات الخلافات السياسية، والتقليل من شطحات الأهواء الشخصية ونزعات الآراء الأيديولوجية، لدرجة جعلت من كل شيء علما ولكل شيء ضوابط في هذا العصر، ابتداء من الطبخ مرورا بسياسات الدول، ووصولا إلى نشأة الكون. في هذا الوقت وعلى هذا الحال أجدنا – للأسف - بارعين في تسييس كل الظواهر، وصنع الخلاف حول كل شيء لدرجة أننا نتصارع كل يوم حول الليل والنهار والأرقام والألوان وحقائق وصفات الأشياء الظاهرة.

 

وفي الوقت الذي ينتقل فيه العالم بأجمعه والاتحادات الدولية والدول الوطنية من التعدد إلى التوحيد في الأعلام والرموز والشارات، أجدنا نحن سائرين بسرعة مخيفة في الاتجاه المعاكس؛ ففي القديم كان لكل قبيلة ولكل قرية ولكل مدينة ولكل ولاية علم، لكن تم تجاوزها ليرفرف فوقها العلم الموحد الجامع لجميع أركان الوطن كما صار مع الولايات المتحدة، بل لجميع الأوطان كما صار مع الاتحاد الأوربي، وأما نحن فقد أصبح لنا - والحمد لله - علمان لكل منهما أنصاره المتمسكون به دون حجة واضحة.

 

وفي الآونة الأخيرة قرأت وسمعت الكثير عن أهمية وعدم أهمية العلمين القديم الجديد، وضرورة وعدم ضرورة العلم الجديد، وقرأنا وسمعنا كثيرا من الضجيج والجدل حول طريقة إقرار وإمرار العلم، ورمزية ودلالات الأعلام القديمة والمستحدثة، لكني لم أسمع رأيا علميا واحدا يناقش قواعد وآليات وتصميم العلم وفق قواعد علم الأعلام الذي أصبح علما مستقلا باسمه ووسمه وأساتذته المختصين، وله هيئات دولية متعددة تجمع بينها الرابطة الدولية لعلم الأعلام.

 

وبغض النظر عن الآراء والتقديرات الشخصية التي لا يمكن أن تحسم علميا أرى أن هناك قواعد علمية ينصح بها علماء الأعلام، لعل الجامع بينها هو الرجوع إلى أهل الاختصاص من مؤرخين ومصممين وفنانين محترفين بدل أن تصبح قضية العلم مجرد رأي من شخص لا يدرك مفاصل التاريخ ولا يميز حقائق الألوان. وهذا المعيار – للأسف - لم أر له تطبيقا في ضجة العلم الأخيرة.

 

ولكي يوصف العلم بأنه جيد أو سيء في حد ذاته لا بد من اعتماد مقاييس علمية محددة لا مجال فيها للخلاف ولا للنزاع، وأهمها شكل العلم ونسبة طوله إلى عرضه، وهذا الشكل حدده قانون العلم الجديد بأنه مستطيل، وحدد الأبعاد بالثلثين من القياس الأكبر للعلم.

 

كما ينصح هؤلاء الخبراء بأن يكون العلم مكونا من ألوان قليلة، وهذا متحقق بالفعل في العلم القديم والعلم الجديد على العموم. وأن تكون هذه الألوان أو جلها من الألوان الأساسية طلبا للوضوح واتقاء للتنافر الذي لا يخلو منه العلم الجديد.

 

أما معيار البساطة والبعد عن الرموز الدقيقة والكلمات والحروف ليفهمه الجميع ويسهل رسمه وإيصاله للجميع، فهو متحقق في العلمين على حد سواء. غير أن العلم الجديد أكثر نجاحا في معيار التميز وأمن اللبس مع أعلام أخرى مشابهة للعلم القديم مثل علم باكستان الذي يبدو أنه كان حاضرا في الأذهان عند تصميم علم الاستقلال.

 

وأما معيار التعبير والدلالة فيحتاج إلى رجوع إلى المختصين في علم الأعلام وفي علم النفس وإلى الناس العاديين لأن العلم في النهاية ليس قطعة قماش ولا ألوانا محايدة بل هو اختصار لكل آلام وآمال وأحاسيس كل فرد من أفراد الشعب على مر التاريخ لتشكل في مجموعها مجموع شعور ولا شعور الوطن بشكل عام. وأهم شيء أن العلم يفترض أن يكون رمزا موحدا للاتفاق والإجماع لا رموزا متنافرة للتشرذم والاختلاف.