على مدار الساعة

هل تتحول موريتانيا إلى مركز لإستقبال اللاجئين المرحلين من أوربا؟

7 مارس, 2024 - 17:09
ناجي الشيخ أحمد / صحفي مهتم بقضايا الهجرة - مقيم بإيطاليا

موريتانيا بوجودها في الزاوية الشمالية الغربية للقارة الإفريقية وإطلالها على المحيط الأطلسي: هذا الموقع الاستراتيجي مهم للغاية بالنسبة للمهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى القارة الأوروبية وأرخبيل الكناري الإسباني. في السنوات الأخيرة، شهدت الدولة زيادة ملحوظة في عدد المهاجرين الذين يعبرونها في محاولة للوصول إلى الحدود الإسبانية ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي. تشير التقديرات إلى أن هذه الزيادة قد تكون نتيجة لتعزيز إجراءات مكافحة الهجرة في الدول المجاورة، مما يؤدي إلى تحويل المسارات نحو مسارات جديدة، مما يجعل موريتانيا نقطة عبور "جذابة" أكثر للوصول إلى أوروبا.

 

في هذا السياق، تتقدم إسبانيا والدولة الأفريقية في بناء شراكة قوية لمكافحة الهجرة غير النظامية وتعزيز أمن الحدود من خلال سلسلة من التدابير والإجراءات. تشمل هذه الجهود التعاون في تبادل معلومات الاستخبارات، وتدريب قوات الأمن والحرس البحري، بالإضافة إلى تعزيز الرقابة على الحدود ودعم تشغيلي لتطوير القدرات في مواجهة هذه الظاهرة. وفقًا للبيانات الإسبانية، 83% من المهاجرين الذين يصلون حاليًا إلى جزر الكناري مروا عبر موريتانيا.

 

المهاجرون كأداة للضغط والابتزاز

أمام التوترات المتزايدة حول قضايا الهجرة، تسعى الدول الأوروبية إلى إيجاد "حلول" تضمن تقليل تدفق المهاجرين نحو حدودها. هذا ما يُعرف بسياسة توسيع الحدود، أي سياسة "تمديد" الحدود لمنع المهاجرين من الوصول أو الاقتراب من أراضيها، من خلال اتفاقيات مع دول إفريقية مختلفة تعتبر نقاط عبور محتملة للمهاجرين الأفارقة. الاتفاق ضد الهجرة بين إسبانيا الاتحاد الأوربي وموريتانيا هو مثال آخر واضح على كيفية استغلال الدول الأوروبية للحاجات المالية للدول الفقيرة. هذا الاتفاق الذي يقوم على جهود مشتركة لمكافحة الهجرة، يعكس بوضوح الديناميكيات بين حاجة أوروبا للأمن والحاجة المالية للدول الإفريقية، مما يثير جدلاً حول التكلفة الإنسانية التي يتم دفعها في هذه العملية.

 

في السياسة الدولية المعاصرة، تظهر الهجرة كواحدة من القضايا الأكثر إثارة للجدل والتعقيد، خاصة عندما تُستخدم كأداة للضغط في المفاوضات السياسية والاقتصادية. تركيا، بموقعها الجغرافي الفريد بين أوروبا والشرق الأوسط، استخدمت الهجرة بمهارة في مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي. كان اتفاق 2016 نقطة تحول، حيث وافق الاتحاد الأوروبي على دفع مليارات اليوروهات لأنقرة مقابل السيطرة على تدفق اللاجئين نحو أوروبا. أظهر هذا الاتفاق كيف يمكن للدول استغلال الأزمات الهجرية. كما تركيا، استغل المغرب موقعه كبوابة رئيسية للوصول إلى أوروبا للحصول على تنازلات مالية وتجارية من إسبانيا والاتحاد الأوروبي، وحتى مواقف سياسية في صراعه مع جبهة البوليساريو. من خلال التحكم في تدفقات الهجرة، عزز المغرب موقعه كشريك رئيسي للاتحاد الأوروبي في مكافحة الهجرة غير النظامية، محسنًا بذلك علاقاته الاقتصادية والسياسية مع أوروبا.

 

إلى جانب تركيا والمغرب، يبرز سلوك روسيا وبيلاروسيا كمثال واضح على استغلال قضايا الهجرة للابتزاز السياسي ضد الاتحاد الأوروبي. سهّلت هاتان الدولتان وصول المهاجرين إلى الحدود الشرقية الأوروبية، مما أدى إلى إحداث أزمة هجرة مصطنعة بهدف ممارسة الضغط السياسي والاقتصادي. بيلاروسيا، تحت قيادة الكسندر لوكاشينكو، استخدمت الهجرة كوسيلة للرد على العقوبات الأوروبية المفروضة ضدها. من خلال تسهيل عبور المهاجرين نحو ليتوانيا ولاتفيا وبولندا، سعت بيلاروسيا إلى خلق مشاكل أمنية وإنسانية للاتحاد الأوروبي، مما اضطره إلى إعادة التفاوض حول شروط العقوبات والعلاقات الدبلوماسية.

 

موريتانيا أيضًا تريد المشاركة..

نظرًا للعديد من الاتفاقيات الثنائية التي وقعت في السنوات الأخيرة، تسعى الحكومة الموريتانية أيضًا إلى الاستفادة من هذا الوضع للحصول على مكاسب سياسية ومالية. وبالتالي، يعكس استخدام المهاجرين كأداة للابتزاز استراتيجية تمكن موريتانيا من طلب المزيد من الدعم والمساعدة من الاتحاد الأوروبي مقابل تعاونها في مكافحة الهجرة غير النظامية ووقف تدفق المهاجرين. موريتانيا، التي تواجه صعوبات في السيطرة على حدودها الشاسعة، قد تتسامح مع دخول المهاجرين إلى أراضيها، بهدف تجميع عدد كبير منهم لإظهار حاجتها أمام أوروبا وبالتالي الحصول على دعم مالي ومساعدة أكبر، متجاهلة جميع المخاطر التي قد تنطوي عليها مثل هذه السياسات بالنسبة لدولة هشة بالفعل مع بنية تحتية ضعيفة، متجاهلة حقوق آلاف المهاجرين. هذه السياسة التي تريد موريتنيا تنفيذها قد تكون لها عواقب وخيمة ليس فقط على المهاجرين، وإنما على السلم الأهلي، فمع زيادة عدد المهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في موريتانيا، قد يعمل اليمين السياسي، على استغلال وجودهم من أجل تحريف إنتباه الرأي العام عن سبب المشاكل الحقيقة للفقر والبطالة في موريتانيا، وإرجاع كل تلك المشاكل إلى زيادة عدد المهاجرين "السود" مما يعزز من حضور خطاب الكراهية والتحريض العنصري الذي بدأت ملامحه للأسف الشديد.

 

الحكومة تنفي، لكن الوثائق تؤكد

أثار الاتفاق المبرم بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي لمكافحة ظاهرة الهجرة غير النظامية جدلاً على المستوى المحلي، ويقضي الاتفاق بين الطرفين لتوطين المهاجرين على الأراضي الموريتانية مقابل حزمة من المساعدات المالية، وهو ما تنفيه السلطات الموريتانية. ولكن أفادت بعض وسائل الإعلام المستقلة بأن الاتحاد الأوروبي يعتزم تقديم مساعدة فورية قدرها 220 مليون يورو لموريتانيا: ظهر هذا الاقتراح خلال اجتماع عقد يوم الخميس 8 فبراير في العاصمة نواكشوط، بين رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، والرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني.

 

نفت وزارة الداخلية الموريتانية ذلك، مؤكدة أن موريتانيا "لن تكون وطنًا بديلًا للمهاجرين غير النظاميين"، مؤكدة في الوقت نفسه أنها بدأت مفاوضات تمهيدية مع الاتحاد الأوروبي "حول مسودة إعلان مشترك بشأن الهجرة، تماشيًا مع خارطة الطريق التي تمت مناقشتها بين الطرفين في بروكسل 11 ديسمبر 2023". أضافت الوزارة في بيان أن "المفاوضات بين الطرفين ستظل مفتوحة، بهدف الوصول إلى تفاهم مشترك يخدم مصالح الطرفين في مجال الهجرة الشرعية ومكافحة الهجرة غير النظامية، مع مراعاة التحديات التي تواجهها موريتانيا في هذا المجال، بعيدًا عما يروجه البعض بشأن فرضية توطين المهاجرين غير النظاميين في موريتانيا". نفت الوزارة بشدة أي فرضية لاتفاق يهدف إلى جعل موريتانيا مكانًا لاستقبال أو استضافة مؤقتة للمهاجرين الأجانب غير النظاميين، مؤكدة أن هذه الشائعات لا أساس لها من الصحة وأن هذا الموضوع لم يُناقش على الإطلاق، وليس على جدول الأعمال وليس موضوعًا للنظر فيه على الإطلاق. صرحت الوزارة أن الاجتماعات بين الطرفين ناقشت مسودة الوثيقة، بهدف "تقريب وجهات النظر بشأن ما يحدد اتفاقًا متوازنًا وعادلًا يضمن احترام السيادة والمصالح المشتركة لكلا الطرفين، ويتماشى مع الاتفاقيات والقوانين الدولية في مجال الهجرة" . وأكدت الوزارة أن الاجتماعات ستستمر في فحص وتحليل شروط الوثيقة، بما في ذلك ما سيتم مناقشته خلال الاجتماع المقرر بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي الذي سيعقد مرة أخرى في نواكشوط يوم الخميس 7 مارس. ومع ذلك، فإن الوثيقة التي حصلت عليها وسائل الإعلام، المتعلقة بمحضر المناقشة بين وفد موريتانيا والاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم 9 فبراير 2024، تظهر في بنودها قبول موريتانيا استقبال اللاجئين والمهاجرين المطرودين من أوروبا، والعمل على مساعدتهم على الاندماج و"تسهيل" حياتهم داخل موريتانيا.

 

لا تنص الوثيقة بوضوح على قبول موريتانيا لإعادة توطين المهاجرين المطرودين من دول الاتحاد الأوروبي على أراضيها بشكل دائم، لكن هناك نقطة تكشف بلا لبس عن استعدادها لقبول المهاجرين المطرودين من أوروبا، في غياب تام لأي آلية محددة لإعادة ترحيلهم لاحقًا إلى بلدانهم الأصلية. هذا الغموض الشديد يثير العديد من الشكوك حول جدية الإجراءات المتخذة، خاصة عندما نأخذ بعين الاعتبار الصعوبات الهائلة التي تواجهها حتى الدول الأوروبية، مع مواردها الواسعة، في تحديد هويات المهاجرين، وبالتالي بلدانهم الأصلية، لأن المهاجرين غالبًا ما يكونون بدون وثائق. يبدو أن الحل الأوروبي يقتصر على التخلص من المشكلة، بإعادة المهاجرين إلى موريتانيا دون النظر في مصيرهم بعد ذلك، مما يعني أنهم في النهاية سيبقون في موريتانيا لأجل غير مسمى.

 

يتجاهل هذا النهج بشكل متعمد الأسباب العميقة للهجرة، مثل التغيرات المناخية، والنزاعات، وانتهاكات حقوق الإنسان، التي تدفع الناس إلى المخاطرة بحياتهم بحثًا عن الأمان وفرصة لحياة كريمة. بالتركيز حصريًا على الترحيل، يظهر الاتحاد الأوروبي نوعًا من اللامبالاة تجاه معاناة الأشخاص الأكثر ضعفًا، متجاهلا بذلك الالتزامات الدولية المتعلقة بحماية اللاجئين وحقوق الإنسان، التي تضمن حق الأشخاص في تقديم طلبات الحماية الدولية استنادًا إلى قصصهم الشخصية وإعطائهم وقتًا كافيًا لمعالجة طلبات الحماية واللجوء. من ناحية أخرى، يثير توقيع مثل هذه الاتفاقيات مع موريتانيا تساؤلات جدية حول وضع الأمن وحقوق الإنسان في البلاد. استعداد موريتانيا لقبول هؤلاء المهاجرين دون إجراءات واضحة لحمايتهم أو احترام حقوقهم، مع غياب حماية الحقوق المدنية والاجتماعية، بسبب سجل موريتانيا السيء في مجال حقوق الإنسان. تسلط التقارير الدولية الضوء على انتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان في موريتانيا تشمل العبودية، والتمييز، والاعتقال التعسفي، وقمع حرية التعبير..

 

بالإضافة إلى ذلك، يعقد غياب التشريعات المحددة لتنظيم وضع اللاجئين والمهاجرين في موريتانيا من إمكانية ضمان حقوق هذه الفئات بشكل فعال. بدون إطار قانوني واضح ينظم إجراءات اللجوء والهجرة، ويضمن الحماية اللازمة، يبقى اللاجئون والمهاجرون في وضع قانوني هش، معرضين للمخاطر وبدون حقوق ملموسة. حقيقة أن أوروبا بتوقيعها مثل هذه الاتفاقيات - متجاهلة الواقع في موريتانيا-  تشكل انتهاكًا واضحًا للمعاهدات الدولية التي تحظر نقل المهاجرين إلى دول قد يواجهون فيها خطر السجن أو التمييز، أوتعرضهم لمعاملة قاسية ومهينة. هذا الاتفاق، بالنسبة لخبراء القانون، يتناقض صراحة حتى مع نهج الأمن الذي اعتمدته أوروبا في سبتمبر 2015، عندما اقترحت المفوضية الأوروبية مشروعًا لإنشاء قائمة مشتركة للـ "الدول الآمنة للمنشأ والعبور"، حيث يمكن إعادة المتقدمين بطلبات اللجوء الذين يمرون عبر الدولة المشار إليها.

 

تعتبر البلدان "آمنة" لأن الإجراءات المتعلقة بطلبات اللجوء الخاصة بهم يجب أن تكون متوافقة مع معايير القانون الدولي والأوروبي للاجئين. ومع ذلك، لم يضم الاتحاد الأوروبي موريتانيا لقائمة الدول الآمنة. فكيف يمكن لأوروبا أن توقع مثل هذه الاتفاقيات مع دولة لا تعتبرها آمنة؟

 

نحو أفق جديد

يجب اعتبار الاجتماع المشترك يوم الخميس 7 مارس في العاصمة نواكشوط كلحظة حاسمة تتطلب تأملًا عميقًا ومراجعة للأسس والمبادئ التي تقوم عليها مثل هذه الاتفاقيات. يجب على كلا الطرفين أن ينظرا بعين ناقدة إلى التجارب الماضية، مقيمين النتائج والآثار الفعلية للسياسات المتبعة على حقوق الإنسان وكرامة المهاجرين واللاجئين. هناك حاجة ملحة لتبني نهج أكثر شمولية وإنسانية في التعامل مع قضايا الهجرة، نهج يتجاوز التدابير الأمنية والتقييدية ليشمل الأبعاد الاجتماعية والإنسانية. يجب أن يركز هذا النهج على حق وحرية الفرد في التنقل والهجرة، بدلاً من الاقتصار على مجرد إدارة تدفقات الهجرة أو في أحسن الأحوال تحويل المسارات من دولة إلى أخرى. من الضروري أيضًا تعزيز آليات الشفافية والمساءلة في تنفيذ ومراقبة الاتفاقيات. يجب على الاتحاد الأوروبي وموريتانيا ضمان أن تكون السياسات المتعلقة بالهجرة متوافقة مع الالتزامات الدولية وتحترم حقوق الإنسان وكرامة جميع الأشخاص. لا ينبغي أن يؤدي التعاون الدولي في مجال الهجرة إلى تقويض هذه الحقوق أو تجاهل الظروف الإنسانية الصعبة التي يواجهها المهاجرون واللاجئون. من المطلوب أيضًا أن تعمل موريتانيا على تحسين نهجها في مجال حقوق الإنسان وتعزيز الحماية للمهاجرين واللاجئين على أراضيها. يجب أن يشمل ذلك إصلاح القوانين والممارسات التي تسمح بالاعتقال التعسفي والتمييز، وتوفير آليات فعالة للطعن والحماية القانونية للأفراد. من ناحية أخرى، يقع على عاتق الاتحاد الأوروبي ليس فقط تقديم الدعم المالي والتقني، ولكن أيضًا العمل مع موريتانيا وغيرها من الدول الشريكة لتطوير سياسات هجرة عادلة ومنصفة، تحترم حقوق وكرامة جميع الأشخاص، بغض النظر عن وضعهم الهجري.

 

التحدي الذي يواجهه الاتحاد الأوروبي وموريتانيا ليس فقط تجديد هذه الاتفاقيات، ولكن إعادة صياغتها بطريقة تحقق الأمن والاستقرار وفي الوقت نفسه تحترم حقوق الإنسان وتعزز التنمية المستدامة والشاملة. يجب أن يكون هذا الاجتماع المشترك في نواكشوط فرصة لتقديم رؤية جديدة للتعاون في مجال الهجرة، رؤية تقوم على المسؤولية المشتركة والتضامن والاحترام المتبادل. في النهاية، يجب أن يكون الهدف هو بناء مستقبل يمكن للناس فيه العيش بكرامة وأمان في بلدانهم، أو اختيار الهجرة كحق وليس كضرورة مفروضة بسبب اليأس.