على مدار الساعة

موريتانيا بين هجرتين

22 فبراير, 2024 - 01:47
عبد الله محمد الفلالي

بين شباب هاجروا بحثا عن حياة كريمة وفرص عمل أفضل في بلدان غربية وإفريقية وعربية، واستقبال مهاجرين تعطلت بهم السبل أو أعيدوا من بلدان أخرى تعيش بلادنا أكبر أزماتها الداخلية؛ أزمة الهجرة وما قد ينتج عنها من تأثير على النسيج الاجتماعي والخريطة الديموغرافية التي قد تعيد تعريف الهوية الوطنية الجامعة.

 

يعترف الدستور الموريتاني بأربع لغات أساسية: العربية - البولارية - السوننكية - الوولفية، يتحدث بها المكونات الأساسية للمجتمع الموريتاني، مع إهماله اللغة الأمازيغية والبمبارية اللتين يبلغ عدد الناطقين بهما الآلاف من السكان الأصليين وحاملي الجنسية في العقود الأخيرة.

 

أزمة الهجرة باتت تشكل تحديا كبيرا للحكومة، خاصة أن هؤلاء المهاجرين يمكنهم الاندماج في المجتمع بسهولة وخلق بلابل واضطرابات أمنية كبيرة، كالتي شهدتها بلادنا في النصف الأول من العام الماضي، وبعد انتهاء الانتخابات الرئاسية سنة 2019 م تضررت على إثرهما محلات تجارية كبيرة وانقطعت بسببهما خدمة الانترنت، وبدا أنهما تستهدفان مكونا اجتماعيا بعينه، وهو أمر مثير للريبة والقلق ومهدد للسلم الاجتماعي، ويشي بقدرة هؤلاء على التأثير في مجريات الأحداث الداخلية وترشيح كفة فريق على حساب آخر في النزاعات البينية.

 

في الجانب الآخر يتدفق عشرات المهاجرين يوميا إلى بلدان غربية بحثا عن ظروف عمل أفضل، في مشهد بات يشكل تهديدا كبيرا لأمن الدولة، ويفقدها طاقات شبابية وكوادر بشرية هي في أمس الحاجة إليها، هذه الهجرة لا تطال مكونا بعينه بل تشمل كل المكونات الوطنية، حيث باتت بعض القرى في الضفة تعاني من خطر وجودي بسبب الهجرة الكبيرة للشباب، واشتكاء الفتيات من العنوسة أو الغياب الطويل للأزواج الذي قد يستغرق أعواما عديدة، ومعلوم من الفقه الإسلامي أن أمد صبر الزوجة على غياب الزوج لا يتعدى أربعة أشهر مدة "الإيلاء" المحدد في الآية الكريمة رقم: 226 من سورة البقرة.

 

هذا الأمر ألقى بظلاله الثقيلة على المجتمع وشمل كل المكونات الاجتماعية، وأدى بمن لم تطلب الطلاق من بعلها لكبت رغباتها الجنسية أو اتخاذ الأخدان، وكلاهما يؤدي لأضرار نفسية واجتماعية بالغة أدناها تشتت الأسرة والخضوع لجلسات علاج نفسي أو طلب المدد من المعالجين الروحانيين.

 

لم يفوت المهاجرون الوافدون الفرصة، وارتبطوا بزيجات مريبة مع فتيات من الشرائح الأكثر فقرا ودون وثائق ثبوت رسمية، الشيء الذي أدى لوجود أطفال تائهين محرومين من ولوج المدرسة الجمهورية التي يتطلب دخولها وجود أوراق ثبوت هوية مسجلة عند الحالة المدنية لدى الأطفال، في فترة عمرية محددة 6 - 15 سنة، وهو ما دفع بعضهم للعمل مبكرا لكسب قوته، وصير الآخرين لصوصا محترفين ناقمين على الدولة والمجتمع، ما يعني أن الهجرة باتت لها أبعاد أمنية عديدة، فما الحل إذن؟ وكيف نوقف هذا النزيف الحاد الذي تتعرض له بلادنا؟ الحل يكمن في سرعة الوفاء بمشروع رئيس الجمهورية "تعهداتي" ولاسيما ما يتعلق منه بخلق وظائف جديدة وإيجاد فرص عمل للشباب العاطلين، فالهجرة تعود في المقام الأول لأسباب اقتصادية أو اجتماعية بدوافع اقتصادية، كغلاء المهور والبذخ الذي تشهده المناسبات الاجتماعية، والعادات المجحفة التي تحمل الفرد فوق طاقته ومتطلبات الحياة  اليومية الكثيرة، يضاف إلى ذلك ضعف الأجور والمرتبات التي بالكاد تفي بالمتطلبات الأساسية، وضعف الخبرات الوطنية ما أدى لخلل كبير في سوق العمل، واستحواذ المهاجرين على مجالات اقتصادية مهمة، كالصيد والجزارة وجل الحرف اليدوية، ساهم في الإقبال عليهم جودة الخدمة والمنتجات ورخص أيديهم العاملة.

 

قد لا تؤدي الهجرة إلى تغيير قريب في البنية الاجتماعية، لكن استمرارها لفترة طويلة سيخل بالتركيبة السكانية، وقد يودي بالبلاد لحالة من الفوضى والاحتقان، فمصائر الدول معلقة بالمهاجرين، فقد خضعت الدولة العباسية للأتراك الذين أتى بهم المعتصم، وخضعت مصر للمماليك الذين أتى بهم السلطان الصالح، وأدت هجرة بني حسان في الفترة بين القرن 14 -17م لتشكيل الهوية الوطنية الحالية، فاعتبروا يا أولي الأبصار.