على مدار الساعة

أين أنتَ من معركة الأمة؟

28 أبريل, 2024 - 13:45
عبد الرحمن الحنفي

ما من شك أن السابع من أكتوبر قد فتح أعين أمة الإسلام على حقبة جديدة، وبَثَّ الأمل في قلوبها باقتراب تحرير الأقصى المبارك وطردِ اليهود من أرض فلسطين السليبة، وكتبَ فصلا جديدا في سِفْرِ معركة الأمة الكبرى مع العدو الصهيوني، تلكم المعركة التي على كل مسلم أن يُسائل نفسه: أين هو منها؟

 

وما من شكٍّ أن المسلم الحقَّ لا يحتاج مزيدَ تذكير بوجوب تبني قضية فلسطينَ والوقوف مع إخوته الذين يتلقون سهام القتل ومعاولَ الهدم وصنوف العذاب كل حين على يدِ أقذر استعمار شهدته البشرية، وما من شكٍّ أن عدالة القضية الفلسطينية وشراسة وبطش أعدائها جعلها مثار تعاطف من كل ذي ضمير حيٍّ حتى من غير المسلمين، فما بالك بالمسلم الذي ينظر إليها - لا كقضية عادلة فحسب - وإنما كعقيدة يجب الدفاع عنها وإخوة في الدين تجب مناصرتهم ومؤازرتهم.

 

كما مما لا شك فيه أن ما فتح الله به على أهل اليوم من وسائلَ ووسائطَ جعل الحجة القائمة عليهم أكبر من الحجة القائمة على من سبقهم ممن لم يعايشوا هذا التقدم التكنولوجي المذهل.

 

فإذا كان المسلم أمسِ قد تدثر برداء العجز في عدم المشاركة المادية لصعوبة إيصالها، فإن ذلك العذر قد زال اليوم مع هذه الطفرة السريعة في وسائل الإيصال، فالشخص العادي اليوم بإمكانه أن ينال سهما ويحجز مكانا في ذروة سنام الإسلام بخطوتين أو ثلاث على تطبيق بنكي: (بنكيلي) على سبيل المثال، ويمكن أن يشارك في جهاد الكلمة بكبسة إعجاب أو كتابة منشور دعمٍ أو حتى مشاركته على صفحته في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي.

 

ومن مظاهر دعم قضية فلسطين المشاركة الدائمة في مظاهرات الدعم التي تُقام يوميا أو أسبوعيا وهذه المظاهرات - كغيرها من وسائل الدعم - تكتسي أهمية كبرى، والذين يشككون فيها مخطئون من جهتين:

 

أولاهما: أنها متاحة لغالبية المسلمين فهي بذلك داخلة في حيز الوِسْع {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}.

 

والثانية: أنها لو لم يكن لها من القيمة إلا إدخال السرور على إخواننا في غزةَ وتسليتهم عن ما هم فيه من هَم وغَم وإشعارهم أن لهم إخوانا يقاسمونهم الهموم والأحزان لكفاها ذلك، ضِف إلى ذلك أنها لو كانت بلا فائدة لما دعا لها قادة المقاومة وهم من أرجح الناس عقولا وأكثرهم استيعابا وإلماما بعوامل التأثير على العدو الصهيوني، وقد دعوا جموعَ الأمة واستنصروها مرارا واستنفروها، وقد قال تعالى: {...وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ...}، وقال صلى الله عليه وسلم: {...وإذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا}.

 

ومن وسائل الدعم التصدي بكل حزم وعزم لمرضى القلوب والمتربصين والمتصهينين ممن يروجون للباطل بإثارة الشبهات ومحاولة إلقاء اللوم على المقاومة والتلبيس على عوام المسلمين بمقولات أضعف بناءً من بيت العنكبوت من قبيل القول إن المقاومة هي سبب هذا الحال الذي يعيشه الغزيون، أو أن قادتها يعيشون خارج غزة ويتركون شعبها نهْبا لكلاب اليهود وغيرها من الأباطيل التي يلوكونها كما لاكها أسلافهم من المنافقين الذين وصف القرآن حالهم في سورة الأحزاب: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ۚ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا}.

 

ومن مظاهر الدعم فضحُ التحيز الغربي الأعمى لإسرائيل، فمن حسنات طوفان الأقصى المجيد تعريتُه الحكوماتِ الغربيةَ وكشفه خدعة حقوق الإنسان والقوانين الدولية التي بدت في تعاملها مع الحرب على غزة شعارات زائفة وقوالبَ جوفاء، ومن يرقب القمعَ والاعتقالات التي يتعرض لها طلاب الجامعات الغربية اليوم يدرك حجم السقوط والتردي الذي وصلت إليه حكوماتهم في ظل اصطفافها السافر مع الكيان الصهيوني الغاصب.

 

أخيرا، يمكننا القول بكل يقين وثقة إن طوفان الأقصى قد جرف تلالَ اليأس التي راكمتها السنين في أذهان المغترين ببهرجة قوة الكيان الصهيوني، وآذنَ باقتراب لحظة تحرير الأسرى والمسرى، فاحرصْ أن يكون لك سهم في هذا الشرف ولا تحقرنَّ في سبيل ذلك شيئا، فقد علمنا شرعنا أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، ولكنَّ الوصول إلى هذا السنام قد يكون بأكثر من طريق قال تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَطَـُٔونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ ٱلْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّۢ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلٌ صَٰلِحٌ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ}.