على مدار الساعة

للإصلاح كلمة: تعليق على صدور "الميثاق الجمهوري"

27 سبتمبر, 2023 - 17:25
الأستاذ محمدو بن البار

أولا: الشعب الموريتاني الشنقيطي يشتكي إلى الله من وضع دولتنا في ثلاجة أحكام لا تراعي في أصالتنا وما يستحقه شعبنا بسبب تاريخه المتأصل الأبي إلا ولا ذمة من تكريم وإشادة بتشبثه بالنيرين في الحياة الإسلام والعروبة، وكلاهما وحدهما هما الرفيقان في الحياة الأخيرة الطويلة كما يعلم الجميع.

 

فهذا الشعب ابتلاه الله من يوم اغتيال استقلاله بعدما وضع أول قدم له تحت ضوء هذين النيرين العروبة والإسلام (وسأظل أكررهما باسميهما الظاهر لاختطافهما من شعبهما الذي كرس حياتهما ليوصف بهما).

 

فهذا الشعب يعلم الجميع أنه من يوم استقلاله إلى يوم اغتيال طريق عروبته واسلامه كانت الرياح النحسة تهب وتعصف فوق ارضه لتحول بينه وبين ميراثه الطريف التليد العروبة والإسلام، وهو يقاومها، وهذه الرياح النحسة النكدة هي رياح الاشتراكية والشيوعية وجميع أدواتهما المدمرة للإسلام والعروبة، ولكن حكام موريتانيا آنذاك الطاهرين الأعفاء دكاترة العقول والمبادئ حافظو على الحياة تحت ضوء هذين النيرين، فقارعوا تلك الأرياح النحسة التي من المعروف أن أصول مفكريها غير المسلمين لا يرجون لقاء الله ودعاية من ذا وصفه يعرف الجميع أن حملها إلى موريتانيا كمن يروج لسلعة النجاسة أمام المساجد.

 

وعندما قضى الله بإرادته أن يخلفهم ذلك الخلف فبالرغم من خلوه من حمل النيات السيئة الآن مقابل ذلك لم يلتفت إلى موريتانيا الأصالة قلبا وقالبا ليجمع جميع ألوانها (وهنا أذكركم بزعماء الألوان) لتتذكروا ولو فكرا الطيبوبة والوطنية وعلاقتهم بزملائهم الطيبين الطاهرين بالوطنية والاخوة والتضامن..

 

ونعود إلى الخلف لأكرر طيبوبة النية التي معهم، ولكن طيبوبة تفكيرهم كالأعمى لا ينظر ولا يحس إلا بما تلمسه يده أو تصل إليه عصاه أو كان متمرنا عليه، فلم يتصرف إلى الأمام طبقا للنيرين العروبة والإسلام.

 

والآن، أصل إلى الحجة الملموسة في قضية تعامل هذا الخلف مع دوام وجود النيرين في سماء شعبهما الشنقيطي الموريتاني.

 

وأبدأ أولا بالإسلام لنبين أسسه وما مآل العمل به.

 

فمن المعلوم أن الإسلام تعبدات شخصية فردية، وأحكام عادلة للحكم بين أفراده. فالعبادة الفردية سيسأل عنها كل فرد بعينه إن أحسن فله الإحسان، وإن أساء فهو في مشيئة الله إن كان مسلما مهما كان تصرفه إن مات على عقيدة صحيحة.

 

وأما الأحكام بين عباد الله فقد أناطها الله بمن مكن له في الأرض فجعله خليفته في الحكم بما أنزله الله، وبلغه نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب المحكم {يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب}.

 

فهذا الوعد الشديد - من يمن المختار بن داداه أن صباح ليلة الانقلاب عليه أذاع وزيره للسيادة عبد الله بن بي عزمه على تحكيم شرع الله على عباد الله - وهذه النية إذا صاحبها مجرد صدق العزم تكفي كما في حديث القاتل 99 نفسا المكمل لها مائة بقتله العالم الذي أفتاه بأن لا توبة له. والنتيجة حسمها الله لصالح صاحب النية الحسنة.

 

وهذه المسؤولية التي أبت السماوات والأرض والجبال عن تحملها لم يخف من مآل وعيد عدم الحكم بها من رؤساء ما بعد الانقلاب إلا الرئيس الشجاع وحده أمام أي انسان الذليل المتواضع أمام الله هيدالة أطال الله عمره وبارك له فيه.

 

فبالرغم من رؤيتنا حتى لعلمائنا الآن ساكتين غبر مطالبين بتحكيم شرع الله فنتج عن ذلك أن غزانا من لا يؤمن برسالة نبينا صلى الله عليه وسلم أصلا ومعه ديمقراطيته الحارقة بأسلوبها الدنيوي كل قلب يؤمن بالآخرة.

 

والآن، ها هي ترسل حطب وقودها لنسف أحكام الله في الأسرة المسلمة ليحل محلها فوضى حكم الإنسان غير المسلم في مكان حكم الله بين الأسرة الإسلامية؛ أي ليفرقوا بها بين المرء وزوجه قاتلهم الله أنى يؤفكون.

 

فهل نجد الآن شاعرا شنقيطيا يقول لهذا الوفد ما قاله الشاعر لوفد (بورقيبة) في السبعينات عند ما جاء يريد نشر تساوي إرث الرجل مع المرأة، يقول الشاعر آنذاك:

ألا قبح الله ذا الوفد من وفد *** لقد جاء للإسلام بالحادث الإدي

غدا سائرا في الأرض شرقا ومغربا *** ليطفئ نور الله فسقا على عمد

 

إلى آخر الأبيات الإسلامية الهجومية على أعداء الله.

 

والآن، أعود إلى الركن الثاني من حق الشعب الموريتاني الذي دفنه هؤلاء الحكام بالتوارث منذ 62 سنة في المقبرة المعدة من طرف العالم للغة الفرنسية لتكون مثواها الأخير وليكون آخر من يتشبث بنعشها رافعا صوته بالويل والثبور إثر شيخوختها هو السلطات الموريتانية التنفيذية والتشريعية الممثلتين في قمتهما رئيس الدولة في الأمم المتحدة يمثل جسمه موريتانيا ويمثل لسانه فرنسا، وكذلك نائب الجمعية الوطنية في الصين، ورئيس المجلس الدستوري عند تنصيب رئيس الحزب الذي خلع على نفسه ثوب الديمقراطية مكان الكلمة التي قتلتها وحشة الوحدة وهي (ذو المرجعية الإسلامية).

 

فطبعا يناسب تدشين تركها إعلانه باللغة الفرنسية لتحل محلها ذو المرجعية الديمقراطية.

 

ونتيجة لهذه الصورة المنكسة عقليا، أضع على هذه الحكومة التي أرجو أن يكون لها عقل تفقه به وبصر تبصر به وآذان تسمع بها. إنه من المعروف أن كل لغة يتركب أصلها من الموضوعات التالية:

  • أدبها وتاريخ أهلها، وعلومهم الإنسانية والتقنية وثقافته العامة، كيفية النطق بمفردات كلماتها للتخاطب ليفهم المعنى المقصود. وهذا الأخير وحده هو الذي يهم موريتانيا – السلطة.

فماذا يعنى للشعب الموريتاني أدب وتاريخ وعلم اللسانيات وثقافة فرنسا العامة؟

 

أيشك أي بليد أنه لو كانت جميع مدارسنا من الاستقلال إلى الآن لا يدرس فيها إلا العربية هل كنا ما زلنا نحتاج إلى مترجم بين مثقفي شعبنا؟

 

كما أن هذا السؤال مطروح على قادة السلطة التنفبذية والتشريعية والدستورية، هل ساعة إلقاء خطاباتهم لو سئلوا هل في دستوركم لغة هي الرسمية لدولتكم؟

 

فإذا كان الجواب نعم ولا بد فينتج سؤالا آخر، وهو لماذا خترتم لغة مستعمركم فيتعين الجواب لجهلنا للغة دستورنا ولو بعد 63 من الاستقلال، وتكون النتيجة أنه يحكمنا رجال ونساء جهال لجميع موضوعات لغاتنا أدبا وتاريخا وعلوما وثقافة عامة ويسوسنا بتمثيلنا بغير لغتنا سياسة ترضى العدو وتحزن الصديق.

 

وهناك سؤال آخر، هل يعقل أن توجد دولة سلطة قضائها لا ينطق أمامها بلغة أجنبية إلا ترجمة، وسلطة تنفيذية لا يسير مرافق الدولة فيها من يفكر في أصالة هذا الشعب "الإسلام والعروبة، ولغتهما".

 

وهنا نصل إلى عنوان المقال (الملاحظات على الميثاق الجمهوري):

أولا: نؤكد أنه لم يرد في جميع بنوده تتابع ستة حروف، وهي الألف والام والسين واللام والألف والميم، بمعنى أن مصدره لم ينطلق نيابة عن الشعب الشنقيطي الموريتاني، شعب الإسلام والعروبة، بل منطلق بمحاولة أن إصلاح كل حياة في موريتانيا ستنوب فيه الديمقراطية عن إصلاح الإسلام للحياة.

 

وهذا يعني أن الميثاق الجمهوري هو كلام صادر من فكر ديمقراطي مصدره لغة اللسان فقط، وهو محاولة لبذره في أرض لا تقبل نبات نوع هذا المبذور فيها إلا بقوة القانون غير المتبع إلا بأدب المتمنيات اللفظية للشعب الموريتاني، مع تمسك الشعب الشنقبطي الموريتاني بإسلامه وعروبته بالرغم من حرمانه من التوظيف بها فوق وطنه، وفى كثير من المؤسسات تصل وقاحتها إلى إبعاد الشهادات العربية من مسابقتها مع وجود أربع جامعات عربية مقابل واحدة فرنسية.

 

ومرد ذلك هو الانفصال النهائي بين بعد ثقافة المسؤولين وتسييرهم للحياة، وأصالة هذا الشعب وتمسكه بعروبته وإسلامه دون سلطة تديره بذلك.

 

وكمثال؛ انظروا ما هي سعة الفرق بين الثقافة العامة العربية الإسلامية في الشارع الموريتاني وثقافة أهل الدنيا من موريتانيا وأساسا من السلطة التنفيذية والمؤسسات والشرائك والبنوك.

 

ومع هذا أصبح من المعلوم أن كل من مات وهو معروف للجميع أن يذهب إليه وفد رئاسي للتعزية ويبالغ له في طلب الفردوس من الجنة والنبي صلى الله عليه وسلم عند ما طلبه عامل له مرافقته في الجنة أجابه بقوله أعني على نفسك بكثرة السجود، فعلى وفد التعزية أن يوصى أهل الميت بالتمسك بالديمقراطية لعلها تنفعه – وهيهات - فهذا هو الذي يدعو له الميثاق الجمهوري، فأساسه طلب شدة التمسك بالديمقراطية ومعالجة الوحدة الوطنية فالتفرق الوطني جاءت به الديمقراطية والمظالم، وإدخال مكافحة الرق في المظالم جاءت به الديمقراطية.

 

فتبيين حرمة أي ظلم رق أو إرث إنساني يوجب التوبة منه فقط وإذا وجد من عليه التعويض شرعا فهو السيد وفاعل الظلم وحدهما بعد تحقيق الضرر، والظالم لغيره يجب علبه شخصيا التعويض {فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}.

 

وفى الأخير، فإن الميثاق الجمهوري تجب مراجعة إصداره ليكون ملحقه لإصلاح آخرة الموريتاني الذي أفسدت عليه دنياه ديمقراطية الغرب التي ها نحن نتبعها رجالا ونساء شبرا بشبر وباعا بباع كما أخبر به الرسول صل الله عليه وسلم.