كلمة الإصلاح ترى أن هذا النوع من التجسس والتبليغ يقال له التجسس والتبليغ الحلال على غرار السحر الحلال التي تطلق على كل قول أو فعل ينتج عنه ما ينفع الناس ويصل أثره إلى أعماق القلوب كما يطلق على عيون القصائد الشعرية التي تهتز القلوب لحسنها وخرقها لشغاف القلوب: السحر الحلال.
فكذلك فإن في موريتانيا ظاهرتين الكلام فيهما لوضوحهما يمس قلوب المواطنين المتضررين وتهز قلوبهم هزا لا يماثله إلا شدة تمسك الحكومة بتفعيلهما ألا وهما ظاهرة عدم الإنتاج الذي ينفع المواطنين وظاهرة وصد الأبواب دونهم:
الظاهرة الأولي: أنه من المعروف أن الإدارة الموريتانية عجزت تماما برجالها ونسائها من يوم الانقلاب الأول على الحكومة المدنية أن تحيي أرض هذه الدولة المعطاء في كل الاتجاهات حياة استثمار ينتفع منه المواطن العام الذي لا يأكل من صلب ميزانيتها المحصلة من سطح الدولة – الضرائب – والفضلات التي ترميها إليها الشرائك التي تنهب بحق وجدية خيرات البلد برا وبحرا وترمي في آخر المحصلة بفضلات يتسابق إليها المعنيون من الوزراء لأخذها بنهم لتحويلها بكاملها وبكل الحيل إلى الجيوب الخاصة وما شابهها، ولا يفتحون أبواب مكاتبهم إلا لمن يحمل تلك الفضلات لإدخالها إلى حضانتهم الحنونة عليها كما سنبين إن شاء الله عندما نصل إلى الكلام على فتح الأبواب.
فالدولة من التاريخ أعلاه في أكثر السنوات يصب المولى عز وجل عليها من سمائه كثيرا من الماء حتى تكاد تغرق وتستدعي جيشها لا للانتفاع من هذا الماء واستثماره فيما ينفع الجيش نفسه ومواطنيه ولكن لحماية الناس من الغرق في هذا الماء.
ومع ذلك نحن دولة مسلمة 100% ودولة قرآنية كذلك تقرأ دائما قوله تعالى: {فلينظر الإنسان إلى طعامه إنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم}، ولكن إدارتنا رجالا ونساء لا يعرف الجميع من البحث عن أصول الرزق إلا داخل مكاتبهم ولا يعرفون من هذا الرزق إلا الرزق السطحي كما ذكرت آنفا الموصدة الأبواب على صاحبه إلى حين يفتح جهاز الرشاد في أول مارس فتفتح لذلك الرزق أبوابا جهنمية لنهبه بكل الاحتيالات ودون أن توسع تلك الاحتيالات الفتحة إلى لقاء المواطنين لقضاء حاجة من حوائجهم المظلمية خارج الانتفاع من ما عند الدولة.
ونعود إلى قرآننا الذي نحفظه ولله الحمد وكلماته لها معنى حاضرا ولكن لا يبحث فيها إلا من ليس له من الأمر شيء وموصدة الأبواب دونه فيقول الله تعالى في شأن توفير أسباب الرزق: {وهو الذي سخر البحر لتاكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون}.
كل المخاطب هنا هو الإنسان إلا أن الإنسان الموريتاني كأنه يرى نفسه مستثنى من طلب تحصيل الرزق الذي لا يأتيه عبر "مصلحة الرشاد" أي الرزق السطحي، أما رزق الله الذي ساقه له من سمائه وفي بحره الواسع الكبير فينتظر فقط منه الفضلات التي تقدمها له الدول الأجنبية من بره وبحره، أما الرزق السطحي الأرضي الذي جعله الله له أيضا فوق أرضه من أنواع المعادن الذهب والنحاس والحديد إلى آخره، وأرشده الله على الانتفاع منه في قوله تعالى: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور}، هذا الخطاب أيضا موجه للإنسانية، وكأنها ليست إنسانية موريتانيا فتلك لا إنسانية ترجى منها في هذا الصدد، فرجالها ونساؤها لا تعرف البحث عن الرزق المعطى من الله مباشرة، بل لا تعرفه إلا فضلات ولا تعرفها إلا واصلة لها من أيد أجنبي.
هذه المعلومات أعلاه يستوي في معرفة حقيقتها كل واحد منا، وتستوي معرفتها كذلك عند رئيس الدولة والفلاح المتشققة يده من فلاحته البدوية التي لا تعرف أنه أصبحت في الدول فلاحة لا تمس الأرض فيها إلا بالآلات، ولكن الآلات لا تأتي بنفسها بل لا بد لاستيرادها من تحرك الرجال ولا رجال ولا نساء في موريتانيا هداهم الله لهذا النوع من الإنتاج اللهم إلا إذا كان الإنتاج بالآلات العملاقة فتنتج مصانع السياسة والتخصص في مشاربها والسباحة في أعماق بحورها والصعود إلى قمة جبالها حتى انقادت السياسة وقال رجالها ونساؤها هي ونفاقها أتينا طائعين، فإذا تجاوزنا عن العمل في الانتفاع من رزق الله مباشرة وعدنا إلى أنفسنا نجد أنفسنا جميعا متلبسين بالجريمة منذ 60 سنة في القضية الثقافية، فمن زمن المرابطين إلى اليوم ولغتنا هنا عربية ودخلنا الجامعة العربية تحت اسم هذه اللغة والمغرب العربي كذلك، وأخذنا السلفات من البنوك العربية باسم دولتنا العربية وفي أثناء ذلك ألبسنا أنفسنا ثوب التلبس بالجريمة بالمادة: 6 التي سجلناها في دستورنا، فلو جاءنا مفتش عن الجرائم المميزين بالحكم عليهم بالإعدام ببذلتهم الحمراء ودخل مكاتبنا وبدأ برئيس الدولة والوزراء والمدراء واللواءات العسكريين في قيادات الأركان إلى آخره لوجد الجميع متلبسا بالجريمة ويتميز ببذلة هذه الجريمة الحمراء وهو استعمال الفرنسية.
ومن المضحك المبكي أن رئيسنا السابق امتنع من إجابة الشرطة القضائية لعدم صلاحيتهم لاستجوابه نظرا للمادة: 93 من الدستور وهو نفسه بالرجوع إلى أرشيفه متلبس بجريمة مخالفة الدستور من كتابة وتوقيع المراسيم بالفرنسية مع وجود المادة 6، ولكنه فعل المادة 93 من الدستور وألغى فعل المادة 6 مع أن هذه الجريمة يكفي لمحوها اجتماع مدة ساعة واحدة بخبراء دستوريين وقانونيين يحددون ما توجب هذه المادة على الدولة من تطبيقها وما لا توجبه، فيطبق الأول ويتحرر الثاني.
والآن نعود إلى العنوان: التجسس بالحلال، فهذه الحكومة المقعدة عن كل إنتاج وكل تنمية وكل تفعيل ثقافي للدستور التي لم تنتج للمواطن العادي منذ 60 سنة استثمارا يعيش فيه دون الرجوع إلى مكاتبها، فإن كل اجتماع للحكومة – تقريبا – نسمع فيه من الرئيس الأمر بتقريب الإدارة من المواطنين ولكن داخل هذه الإدارة سواء كان وزيرا أو أمينا عاما أو مديرا أو واليا أو حاكما يستحيل أن يدخل عليه مواطن عادي بدون وساطة، فالمواطنون لا يعرفونها إلا صفة للنواب فقط أو الوجهاء البالغين في السياسة مرتبة العمداء بإخلاص الولاء للمترشح ، أما غير ذلك من المواطنين فأقرب له أن يلقى ربه بعد موته من لقاء أحدهم لحاجة هو المسؤول إداريا عن حلها، فأكثر عمال الدولة هم البوابون فلا يوجد رئيس مصلحة فما فوق إلا عنده اثنين أو ثلاثة منهم والوصية الثابتة لا علم لي بصاحب الحاجة وأحسن معاملة من البواب إذا قال "تلفن عليه أو عندك معه موعد وما دلالة ذلك"، وقوله "تلفن عليه" كلام سخرية فهو لا يستطيع الدخول عليه في مكان عمومي فكيف يعرف رقمه أو يستقبل مكالمته.
ومن المعلوم أن الحراسة نوعين: جنود من الحرس ومواطنون آخرون تارة يكونون غير متدربين علي أخلاق الحراسة، فالمواطن إن لم تسعه بعطائك فسعه بأخلاقك، فجنود الحرس مع الولاة والحكام وبعض الوزراء، ومن العجب أن يأتي مواطن لباب وال أو حاكم أو زير الداخلية أو التجارة أو المياه أو الطاقة إلي آخره، فيقال له ما ذا تريد؟ فالوالي والحاكم وظيفتهم ليست إنتاجية فوجودهم في مكاتبهم لحل مشاكل المواطنين وتأمينهم، فإذا لم يتركوا ليبلغوها للمعني فلا جلوس لهم بأمر الحكومة حينئذ، وأيضا فلا وزير ولا مدير ولا وال ولا حاكم إلا وعنده ما تصلى به الجمعة من المستشارين والمكلفين بمهام، فكان على المسؤول أن يعين واحدا منهم في مكتب لا بواب عنده ليسجل أسماء أصحاب الحاجات إلى آخره لبلغها للمعني بحلها.
وملخص هذا المقال أن رجال ونساء موريتانيا تحت نظام العسكريين لم يستطيعوا أن يخلقوا أي إنتاج يزيد في دخل الفرد من أي نوع كان اللهم إلا إنتاج مصانع السياسة التي مادتها الخام هي الحوار وطلب الحوار إلى آخره، والحوار في ماذا؟ ولماذا؟ ومقابل ذلك فإن أبواب الحكومة والتابع لها موصدة دائما أمام المواطنين مع سماعهم من الرئيس دائما طلب تقريب الإدارة من المواطنين، ولكن المسؤولين عن الإدارة أهون عندهم تقريب حيطانها من فتح أبوابها للقاء المواطنين، فالمطلوب إذا من الرئيس أن يتقمص شخصية الملك الذي أمره الله أن يصيح بالقرى التي قتلت الأنبياء الرسل يقول تعالى: {إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون} فيصيح عليهم فطبعا سيحصل لكل بحسب ما أعطاه الله من قوة الصيحة فهم يستحقون الصيحة الكبرى لعلهم ينتهون ويتقون.