على مدار الساعة

جرعة شرعية في علاج كورونا

23 مايو, 2020 - 02:26
المحامي/ محمد سيدي عبد الرحمن إبراهيم - mohsiab66@gmail.com

تعاني البشرية حاليا محنة قاسية وغير مسبوقة تقرب للأذهان أهوال يوم القيامة فكل شخص يكرر بلسان الحال وحتى المقال: "نفسي نفسي".. أعلنت جل بلدان العالم قوانين الطوارئ وأغلقت موانئها الجوية والبحرية أمام حركة الأشخاص ووصلت الإجراءات الاحترازية حد حظر السفر بين مدن الدولة الواحدة وحتى بين دور الحي وأغلقت الأسواق والمطاعم والمدارس ودور العبادة ولزم الناس المساكن ليسلموا من عدوى مرض تمدد المصابون به في ممرات العيادات بعد أن تكاثرت أعدادهم وضاقت غرف عناية المستشفيات عن استيعابهم.. ووصل الهلع إلى حد اعتراض بعض المسلمين على دفن ضحايا المرض في مقابرهم أما في البلاد الأخرى فقد تجنب ذوو الضحايا إلقاء النظرة الأخيرة التي ألفوها وتركت نعوش الأعزاء لعناية مصالح الجنائز التي غصت بالجثث فتأخرت تهيئة بعضها حتى تعفن.. وبعد أن عطلت الدروس وألغيت المؤتمرات وتأجلت اللقاءات لم تجد البشرية مندوحة عن استخدام وسائط التواصل الإلكترونية للعمل من البيوت والتبادل عن بعـد.

 

والملفت أن الوافد المتسبب في كل هذا الهلع، الذي يدعي البعض أنه من كيد ذوي نوايا خبيثة، انضم للمعسكر المتربص بالبشرية مع نهاية عام 2019، وتمكن رغم صعوبة حجز التذاكر المعهودة في فترة الأعياد من التسلل إلى مختلف القارات حتى طوق الكرة الأرضية في مدة لا تعدو أربعة أشهر استقر خلالها ممثلوه في أنسجة أكثر من خمسة ملايين شخص وتسبب في فناء أكثر من ثلث مليون نسمة في مختلف القارات. ومن اللافت أن الفيروس كان أكثر فتكا في بلدان الشمال الغنية حيث أودى في بعض الدول بحياة نسبة ناهزت عشر المصابين بينما آنس البعض فيه وسم خير عندما بدا وكأنه يحنو على سكان جنوب الكرة الأرضية المقلين والذين لا يتوفرون على مشافي كافية كما لا يتوفر الموجود منها على أجهزة التنفس الاصطناعية اللازمة للإسعاف.. وبينما تتفاقم الآثار الصحية والتدابير الناجمة عنها يجمع خبراء الاقتصاد على أن الفيروس سبب خسائر اقتصادية ضخمة تعد باتريليونات الدولارات (1 اتريليون = 1000 مليار) من الثروة البشرية التي تقدر في مجملها بثلاثمائة وستين اتريليون دولار (360 Trillion USD) بحسب تقديرات النشرة الأخيرة من التقرير العالمي للثروة Global Wealth Report ، الصادرة في أكتوبر 2019، عن معهد أبحاث Crédit Suisse المعتمد دوليا فيما يتعلق بمعلومات الثروة.

 

وعلى الرغم مما بدا من رحمة كوفيد 19 بالمساكين وتدشينه لموسم هجرة معاكسة (إلى الجنوب) إلا أن آثاره الاقتصادية تبدو أشد وطئا على الفقراء الذين سيكونون، بحسب الخبراء، أكبر المتضررين من الجائحة مما يحتم على المجتمع الدولي أن يهب للنجدة.

 

وأقدم في هذه المعالجة تقريرا وصفيا عن أزمة فيروس كورونا (1) وأتناول بالأرقام خلل تكدس الإمكانات المادية لدى أقلية من سكان المعمورة (2) قبل وصف الخلاص المتمثل في جرعة مال مستحقة يجب أن يبرئ منها أثرياء المسلمين ذممهم (3).

 

1. عـاصفة كورونا

سيذكر التاريخ أن البشرية ابتليت بوباء ظهر في شهر دجنبر من سنة 2019 واستهل في بلدة ووهان عاصمة إقليم خوبي الصيني بالقارة الآسيوية وأنه خلال الفصل الأول من سنة 2020 تحول المرض إلى جائحة دولية Pandémie اجتاحت مختلف القارات وكانت آمريكا وأوروبا أكبر المتضررين منها وبحلول السابع والعشرين من رمضان 1441 الموافق للعشرين مايو 2020 (تاريخ نشر هذا المقال) كانت الولايات المتحدة الآمريكية تتصدر دول العالم من حيث عدد الإصابات تليها فيدرالية روسيا.. وبينما يرتعد السالمون خوفا أفاد العلماء بأن مصدر الفزع خلق متناهي الصغر لا يعتبر كائنا حيا وإنما مجرد مضغة ابروتين ذات غشاء يظهر المجهر على أديمها أشواكا متفرقة ذات رؤوس مكورة كالفطر وبناء على شبه عصياته بتاج الملوك صنف الوافد في فصيلة الفيروسات التاجية قبل أن تطلق عليه منطمة الصحة العالمية، في شهر فبراير 2020، تسمية تتضمن تاريخ ميلاده: فيروس كورونا المستجد COVID 19 واسمه الكامل باللغة الإنجليزية COrona VIrus Diseases 2019. وستذكر الأجيال القادمة أن هذه الجائحة وضعت حدا للتقارب وفرقت البشرية شماطيط بعد أن أغلقت المطارات ومحطات النقل لأن العزل والتباعد عد من أنجع سبل الوقاية من المرض الذي أصاب، حتى نشر هذا المقال، أكثر من خمسة ملايين شخص وأودى بحياة قرابة ثلث مليون مريض.

 

ولم تسلم الشعائر من آثار كوفيد 19 التي طالت المسلمين المتبتلين في الأعماق الذين صدرت إليهم الأوامر الحكومية بتعطيل الصلوات في المساجد اتقاء للتقارب المفضي للعدوى.. ولا مراء في أن مشهد خلو البيت الحرام من الطائفين وإغلاق المسجد النبوي وتعطل صلوات الجماعة والجمعة في جل جوامع المعمورة وما أعقبه منذ بداية شهر رمضان المبارك (سنة 1441) من قرارات بـ"تبييت" صلاة التراويح وتقييد الصلاة في المساجد وتعليق العمرة واحتمال إلغاء موسم الحج المقبل.. كلها عوامل هزت وجدان المؤمنين الذين لم يعيشوا ظرفا شبيها ولذلك يرفعون أكف الضراعة إلى الخالق: اللهم سلم سلم.

 

في هذا الجو المعتم والأفق القاتم يجدر بالأغنياء استحضار امتياز حياة الإنسان بالمقارنة مع المال واتخاذ السبل الكفيلة بالمساهمة الملموسة في تخفيف معاناة البشرية التي ألفت أن تترجم إنسانيتها في ظروف المحن والخطوب بالتضامن ومؤازرة المتضررين.. ونظرا لإمكانية التخفيف عن بعض المحتاجين، الذين لا يعبؤون بالفيروس لأنهم كانوا منشغلين عنه بالسعي لتوفير لقمة العيش والمأوى والدواء فكيف حالهم بعد تقييد الحركة؟ إن الفرصة مواتية لإشراك المعدمين في مال الله ولأن كل شخص ينفق مما عنده، فإنني أسهم بهذا الرأي الذي آمل أن يصل إلى المتصرفين في الأموال قبل أن تلغى التوقيعات أو تحمر الحسابات أو تحل آجال لا جدال في أنها تقترب كل يوم أكثر فأكثر.

 

إن الفرصة مواتية لاسترخاص المال بعد أن هز الفيروس كبرياء الأثرياء الذين عاينوا أنه لا يغني عنهم من الله شيئا حيث نقلت الشاشات الموسرين وهم يختنقون ويحاولون الشهيق فلا تسعفهم جرعة أكسجين.. وإن لم يتعظ الناس لرؤية كبار الأغنياء وهم يشيعون ويوارون الثرى في ذات المقابر التي يدفن فيها الفقراء فلا بد أن يخامرهم الشعور بعدم جدوى المدخرات عندما عاينوا جثامين الأغنياء تسلم بالجملة لتشكيلات من الجنود لحرقها أو دفنها الجماعي بعيدا حتى لا تؤذى الأحياء بعد أن أصدرت بعض الدول تشريعات تحرم غسل جنازات ضحايا الفيروس وتحظر الدنو منها.

 

وبينما يداوم أطباء العالم في المشافي وتؤثر في وجوه من سلم من العدوى منهم الأغطية ويعتكف البيولوجيون في المخابر ويسابقون الزمن في إجراء التجارب للتوصل للقاح واق أو ترياق شاف من الفيروس المشكل وفي ظرف تتعطل فيه جل أنشطة السعي لكسب الرزق بعد أن لزم الناس مساكنهم اتقاء للعدوى انتبهت الأمم المتحدة لحاجة الفقراء فأطلقت نداء عاجلا لتوفير 8,2 مليار دولار لإسعافهم وللتنبيه على الجدية نزع السيد آنطونبو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، كمامته الدبلوماسية ليقول إن التبرع في هذا الظرف لا يعد مكرمة تمليها الاعتبارات الأخلاقية وإنما ضرورة لأنه "لا أحد في أمان حتى يكون الجميع في أمان".. وتتالت مساعي أجهزة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي الهادفة إلى تخفيف الآثار الاقتصادية على الفقراء الذين تضرروا أكثر من غيرهم إثر انتكاس برامج مكافحة الفقر بنزول نسبة ستين بالمائة (60 %) من البشرية إلى مستوى الفقر المدقع مع ما يحمله ذلك من مخاطر أدت لارتفاع نبرة التحذيرات بضرورة اتخاذ إجراءات عملية لتخفف التفاوت الفاحش في الثروة بين أقلية تزداد ثراء وأغلبية لا تجد ما تنفق وتقود تلك المساعي مجموعة البنك الدولي ومنظمة الأغذية والزراعة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين وغيرها.

 

ولئن كانت أصوات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا MENA خافتة في المحافل الدولية بسبب الخلافات والأزمات الداخلية والتعاسة التي نالت منها جل الأقطار العربية نصيبا بعد أن شبت الحرائق في الوطن وتصاعد الدخان من العراق وسوريا واليمن وليبيا واستهدفت الصواريخ البلد الآمن وأضرمت الحرائق في آبار النفط قبل أن يضرب COVID 19 ويتسبب في تراجع أسعار المورد الذي "يبتسم به العـرب" والذي كان ريعه يتيح لبعض أبناء عدنان توفير احتياجاتهم ويمنحهم أسباب رخاء يحسدهم البعض عليه بينما يشفق عليهم آخرون.. على الرغم من ذلك الانكسار تتوفر للعـرب والمسلمين ورقة لاستعادة مكانتهم بأداء فروضهم وتحمل مسؤوليتهم التاريخية أمام البشرية التي تستجدي وقد بادرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR بفتح صندوق للزكاة تتلقى فيه الزكوات وتتكفل بتوزيعها على مستحقيها.

 

وكما أفاد السيد/ أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة فإن "جائحة كوفيد 19 ليست حالة من حالات الطوارئ في مجال الصحة العامة فحسب.. إنها أزمة اقتصادية وأزمة اجتماعية وأزمة إنسانية أخذت تتحول بسرعة إلى أزمة حقوق الإنسان".

 

2. الأزمة الاقتصادية

أدى الوابل المرضي الذي أمطر الكرة الأرضية إلى أزمة اقتصادية حادة من أكبر تجلياتها ما شهده العالم من تراجع سعـر النفط إلى العدم، المفارقة التي أثارت العجب لأنها آذنت بقران البيع والهبة بعرض المنتجين للذهب الأسود هبة بلا عوض وازداد العجب عندما عرض البائعون، خلال شهر إبريل المنصرم، أن يدفعوا للمشترين مما يعني، بالمنطق الرياضي، أن عقد البيع قد انعكسInversé وسيغـرم منتجو البترول جزءا من مدخراتهم للتخلص من ذهبهم الأسود المحبوب وحتى إن نفد رصيدهم من البترو_دولار فلا مناص من الاستدانة في انتظار تأتي إحكام إغلاق فوهات الآبار ووقف التدفق النفطي.. ولولا رشد وحكمة المجتمع الدولي واحتياطاته المسبقة التي تجسدت في المصادقة على اتفاقيات حماية البيئة البحرية، لتخلص سفهاء المنتجين من عبء خامهم بتفريغه في أعالي البحار كما فعل منتجو الغذاء عندما فاض المنتوج إبان الكساد العالمي ولما ردعهم الشعور بفظاعة الضرر البيئي الذي ينجم عن البترول كما عكسته حوادث التسرب من حاملات النفط إثر الحوادث التي تعرضت لها على مدى العقود الأخيرة.

 

وإذا كان تذبذب أسعار النفط أصبح مألوفا فإن الأرقام القياسية التي وصلها تنبئ عن تطرف يتعين أن يضعه المنتجون في الحسبان، فقد تابع العالم كيف بلغ سعره الأعلى سبعة أضعاف ثمنه الأدنى إذ وصل سعر البرميل (الذي يساوي 159 لترا) حده الأغلى سنة 2008 عندما بلغ 143 دولارا مما رفع معنويات المنتجين وأنساهم كساد سنة 1979 التي تراجع خلالها سعر البرميل إلى عشرين دولارا (20).. وخلال سنة 2020، وتحت تأثير كوفيد 19، حن النفط مجددا إلى الربع الذي خيم فيه منذ أربعين عاما ولم يستقر إلا بالتمرغ مجددا في منحدر العشرين.. ولإنعاش الأسعار لا مناص من أن يشد المنتجون أحزمتهم ويتجرعوا مرارة تخفيض الإنتاج عل الندرة تسهم في ارتفاع سعر النفط الذي يمني أصحابه أنفسهم بأن يعاود الصعود مجددا عندما تتراجع صولة كوفيد 19 وتفتح الطرق والموانئ وتستأنف المراكب رحلاتها وتعود المصانع للدوران بوتيرتها المعتادة.

 

ومن الطبيعي أن تعيد الأزمة الاقتصادية الحادة الناجمة عن الفيروس، وما نجم عنها من تقويض الجهود الدولية لتخفيف الفقر، إلى واجهة الاهتمام موضوع خطورة التفاوت الكبير في تقسيم الثروة وسبل التخفيف منه للوقاية من الأزمات، الموضوع الذي حظي باهتمام بحثي كبير تناوله ابرانكو ميلانوفيتش Branko Milanovic أحد كبار خبراء البنك الدولي في كتاب أصدره سنة 2016 تحت عنوان: عدم المساواة الدولية Global Inequality ضمنه منحنى الفيل الشهير الذي جسد التفاوت الكبير في الدخل بين مختلف الفئات والذي مثل خرطومه المرتفع التصاعد الفاحش في نمو ثروة الأقلية التي تحوز أغلب الموارد والتي يجبى إليها نصيب الأسد من ثمرات النمو العالمي.

 

وخلصت مجموعة عمل "قاعدة بيانات حول الثروة والدخل" World Wealth and Income Database WID إلى أن هوة التفاوت في الثروة ازدادت اتساعا في جل بلاد العالم على مدى الأربعين سنة الأخيرة، فمنذ سنة 1980 تستفيد أقلية أغنياء البشرية من نصيب مادي فاحش على حساب الأغلبية الساحقة التي يطحنها الفقر وبلغة الأرقام خلصت المجموعة إلى أن نسبة واحد في المائة (1 %) من بني آدم تستفيد بنسبة سبعة وعشرين بالمائة (27 %) من نمو الدخل العالمي الإجمالي.

 

وبحسب تقديرات سنة 2019 يناهز عدد الأشخاص الذين يملك الواحد منهم ثروة تربو على مليون دولار ستة وأربعين مليونا وثمانمائة ألف شخص (46,8 مليون).. ولتشكيل فكرة عن تركز الثروة الخصوصية في العالم نستطلع الأرقام المتعلقة بالمليارديرات الذين يملك الواحد منهم ألف مليون دولار (1000 مليون دولار): ففي يوم 18 مارس 2020 قدمت مجلة Forbes حسابها السنوي لأكبر ملاك الثروة الخصوصيين على الصعيد العالمي وبينت أن عدد الأشخاص الطبيعيين الذين يبلغ رصيد الواحد منهم مليار دولار كحد أدنى قد تراجع إلى ألفين وخمسة وتسعين شخصا (2.095) بعد أن كان عددهم في سنة 2019 يبلغ ألفين ومائة وثلاثة وخمسين مليارديرا (2.153) مبرزة أن مائتين وسبعة وستين (267) فردا قد شطب عليهم من القائمة بسبب وفاة واحد وعشرين (21) وتراجع ثروة كل واحد من الباقين إلى ما دون المليار بينما ازدادت القائمة بوافدين جدد يبلغ عددهم مائة وثمانية وسبعين مليارديرا (178).. وخلصت المجلة إلى تراجع إجمالي ثروة المدرجين على القائمة إلى ثمان اتريليونات دولار (8.000 مليار دولار) منخفضا بسبعمائة مليار (700 مليار دولار) عن مستواه في السنة المنقضية.

 

وبعكس انطباع الكثيرين فإن نصيب الخواص العـرب من الثروة العالمية ضئيل إذا ما قورن بحصة الآمريكان والصينيين والأوروبيين فمن أصل ألفين وخمسة وتسعين 2.095 شخصا طبيعيا مدرجا على قائمة مليارديرات العالم الصادرة عن مجلة Forbes  لسنة 2020 لا تمثل نسبة حاملي الجنسيات العربية إلا واجدا بالمائة (1%) أي واحدا وعشرين شخصا (21) بعد أن أدت حملة المحاسبة التي باشرتها سلطات المملكة العربية السعودية إلى خروج عشرة مليارديرات عرب من قائمة أكبر أثرياء العالم التي تضم حاليا ستة مصريين وستة لبنانيين وأربعة إماراتيين ومليونيرا واحد عن كل من الجزائر والمغرب والكويت وقطر وعمان.. وتتأكد ضآلة نصيب الخصوصيين العرب في قائمة المليارديرات باعتبار أن نسبة الدول العـربية تزيد على عشر دول العالم وإلى أن أرضهم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا MENA تكتنز ثروات طبيعية طائلة.. ويمكن أن نضرب مثلا لضآلة نصيب العرب بمركز أغنى أثرياء العـرب: ناصف ساويريس الذي يحتل الرتبة 319 على القائمة بثروة تناهــز5,7 مليار دولار آمريكي بينما يمتلك الأمريكي  Jeff BEZOS، مالك شركة AMAZON المتربع على قائمة أثرياء العالم، ثروة تناهز مائة وثلاثة عشر (113) مليار دولار آمريكي.

 

ومن حسن الحظ أن الموارد العربية العامة معتبرة فقد اغتنمت بعض الدول العربية فرصة ارتفاع أسعار البترول ووفرة عائداته ورصدت أموالا عامة للاستثمار والادخار تديرها صناديق الثروة السيادية. وباعتبار حجم الأصول توجد ستة صناديق عربية على قائمة الصناديق العشرين الأوفر أصولا على الصعيد العالمي وهي، بحسب ترتيب معهد صناديق الثروة السيادية Sovereign Wealth Fund Institute SWFI:

1. صندوق أبو ظبي للاستثمار ADIA الذي يحتل الرتبة الثالثة عالميا، بأصول تبلغ خمسمائة وتسعة وسبعين مليار دولار أمريكي ( USD579.621.120)،

 2. الهيئة العامة الكويتية للاستثمار KIA التي تحتل الرتبة الرابعة، بأصول تبلغ خمسمائة وثلاثة وثلاثين مليار دولار آمريكي (USD 533.650.000)،

3. صندوق الاستثمارات العامة السعودي PIF الذي يحتل الرتبة العاشرة وتبلغ أصوله ثلاثمائة وعشرين مليار دولار آمريكي (USD 320.000.000).

4. صندوق الاستثمار القطري QIA، الذي يحتل الرتبة الحادية عشرة، بأصول تبلغ مائتين وخمسة وتسعين مليار دولار آمريكي ( USD295.200.000).

5. مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية ICD، التي تحتل الرتبة الثانية عشرة، بأصول تبلغ مائتين وتسعة وثلاثين مليار دولار آمريكي ( USD 239.379.000)،

6. شركة مبادلة للاستثمارات MUBADALA، المملوكة لإمارة أبو ظبي، والتي تحتل الرتبة الثالثة عشرة، بأصول تبلغ مائتين واثنين وثلاثين مليار دولار آمريكي  ( USD 232.137.000)،

 

وبجمع أصول صناديق الثروة السيادية العربية الستة المذكورة نجد أنها تبلغ في مجملها اتريليونين ومائة وتسعة وتسعين مليارا وتسعمائة وسبعة وثمانين ألف دولار آمريكي (USD 2.199.987.000) وباعتبار هذا المبلغ العام مرصودا للاستثمار يتعين على من يهمهم الأمر التفكير في أداء زكاته الواجبة كما سنبين في الفقرة الموالية.

 

3. جرعة العلاج: زكاة المال العام

الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام الخمسة الواجبة على كل مسلم بنص الكتاب والسنة وقد وردت مقرونة بالصلاة في ثمانية وعشرين موضعا من كتاب الله ومما ورد فيها قوله تعالى: {وأقيموا الصَّلاةَ وآتوا الزَّكاة وارْكَعوا مع الراكعِين} - الآية 43 من سورة البقرة، {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} - الآية 103 من سورة التوبة. وفي الحديث الصحيح "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا رضي الله عنه إلى اليمن فقال ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم" (الحديث رقم 1313 في صحيح البخاري). وحكم الشريعة الإسلامية أن من أنكر وجوب الزكاة عد خارجا عن الإسلام ومن أقر بوجوبها وامتنع عن أدائها من المسلمين قوتل حتى تستخلص منه.

 

ولئن أفتى بعض الفقهاء المتأخرين بعدم وجوب زكاة المال العام فمن المناسب إعادة النظر فيما استندوا عليه حيث أوردوا دليلين حصريين قابلين للنقاش أولهما أن المال العام ليس له مالك معين ولا قدرة للأفراد على التصرف فيه ولا حيازة لهم عليه وثانيهما أن مصرف الزكاة منفعة عـموم المسلمين التي تقوم عليها الدولة.

 

وبالتأمل تتبين ضرورة مراجعة الفتوى بعدم وجوب زكاة الأموال العامة لأنها، علاوة على تحملها مسؤولية حرمان المحتاجين من أموال إسلامية وافرة، لا تساير الواقع الحالي وفقه الزكاة يتطلب اليوم بالإضافة للدراية بالحكم الشرعي الثابت الإحاطة بالواقع الاقتصادي المتغير بأدواته وقيمه المتذبذبة مما يحتم تحيين مفاهيم الفقهاء الذين يحتاجون اليوم لتوسيع معارفهم لإدراك ماهية الدولة وطبيعة الفاعلين الجدد من شركات وصناديق ومصارف وغيرها من الكيانات التي يعدها القانون أشخاصا اعتبارية وتكتسي أهمية خاصة لعمارة ذمتها وما يمكن أن تتملكه من ثروة يحتاجها الفقراء والغارمون وأبناء السبيل.. الثروة التي تغيرت طبيعتها والتي نعتقد كمسلمين بأنها من مال الله الذي عهد لأغنياء المسلمين بتوصيل نسبة يسيرة منه لا تعدو 2,5 % مقابل أجرة توصيل قدرها 97,5 % على حد تعبير د. عبد الفتاح محمد صلاح.

 

- وردا على الدليل الأول القائل بأن المال العام مال بغير مالك معين.. أقول: إن الدولة شخص اعتباري له ثروة تعد ملكا للشعب يحوزها ويتصرف فيها من يمثلونه ويقومون على شأنه وليس من الوجيه السكوت عن صرف أموال الأمة في مختلف وجوه الإنفاق والتحجج بانعدام صفة الأمر بالصرف عندما يتعلق الأمر بالزكاة لما في ذلك من تجسيد لشح الأنفس ومخالفة لأوامر الله سبحانه وتعالى.. وما دام وصي اليتامى مأمورا، شرعا، بزكاة أموالهم فكيف لا يكون ولي الأمر - المتصرف في أمواله وأموال أغنياء المسلمين – مسؤولا عن زكاتها! ومن مساوئ الركون لهذا الدليل أنه حجة لإعفاء من يغيب على هذه الأموال من المساءلة فادعاء أنها بدون مالك يعرضها لخطر أكبر من نسبة ربع عشر يدفع عن سنة كاملة.

 

- أما الرد على الدليل الثاني القائل بأن مصرف المال العام منفعة عموم المسلمين التي تقوم عليها الدولة، فنقول: إنه يبدو ضعيفا لسببين أولهما، من عندي، وهو أنه لا يوجد اليوم بيت مال موحد يقوم على منفعة عموم المسلمين لزوال الدولة الإسلامية الجامعة: فعدد الدول الإسلامية يفوق الخمسين دولة يتفرق بينها أغلب المسلمين دون أن تتكفل أي منها بكافة متطلبات مواطنيها بينما تعتبر كل دولة غير مواطنيها أجانب لا تسمح بدخولهم لإقليمها إلا بشروط لا تمييز فيها غالبا بين أهل الملة وغيرهم وثانيهما، من آراء الإمام محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله، وهو أن الدولة ومصالح المنفعة العامة ليستا مصرفين للزكاة التي حصر الخالق مصارفها في الثمانية المذكورة في الآية 60 من سورة التوبة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.. ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عن زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْتُهُ فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلا قَالَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَعْطِنِي مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ حَتَّى حَكَمَ فِيهَا هُوَ فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ حَقَّكَ" رواه أبو داوود. وتسهيلا لضبط مصارف الزكاة الثمانية، ضمنت الحرف الأول من كل مصرف في عبارة "غـراس مفعـم": غارمون، رقاب، ابن السبيل، سبيل الله، مساكين، فقراء، عاملون وَمُؤَلَّفَون.

 

وخلافا للقول بعدم وجوب زكاة المال العام ذهب الإمام محمد بن الحسن الشيباني - المتوفى سنة 189 للهجرة، تلميذ الإمامين أبي حنيفة ومالك وشيخ الإمام الشافعي - إلى وجوب الزكاة في الأموال العامة التي تسهم بها الدولة في مشاريع ذات ريع حيث قال: "فإن اشترى بمال الخراج غنما سائمة للتجارة وحال عليها الحول، فعليه فيه الزكاة.. واستدل بثلاثة أدلة:

أولها: أن مصرف الخراج الذي تجب فيه الزكاة غير مصرف الزكاة، فمصرف الخراج عمارة الدين وصلاح المسلمين، وهو رزق الولاة والقضاة وأهل الفتاوى من العلماء والمقاتلة ورصف الطرق وعمارة المساجد والرباطات والقناطر والجسور وسد الثغور وإصلاح الأنهار التي لا ملك لأحد فيها وأما مصرف الزكاة فهو الفقراء والمساكين والغارمين وابن السبيل وفي سبيل الله وغير ذلك.

 

وثانيها: أن سبب وجوب الزكاة المال النامي، فإذا اتخذ المال للنماء والاستثمار تعلقت الزكاة به، ولا تأثير لكونه عاما أو خاصا.

 

وثالثها: الاستئناس بالحديث الذي يوجب الزكاة في أموال الأيتام سواء استثمرت أو لم تستثمر بدليل قوله: "ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة" فالحديث يطلب من الأوصياء إخراج الزكاة من أموال الأيتام، فيجب على الإمام أن يخرج الزكاة من أموال بيت المال." انتهى الاستشهاد (راجع الدكتور محمد ربيع صباهي، زكاة الأموال العامة المستثمرة في القطاع العام، مجلة جامعة دمشق للعلوم الإقتصادية والقانونية، المجلد 25، العدد الثاني- 2009، متاح على الشبكة)

 

وأرجح أن الإمام محمد بن الحسن الشيباني، قاضي قضاة الرشيد الذي ولد ونشأ في العراق لأسرة من حرستا بسوريا، انطلق من فتياه بقصر وجوب الزكاة على أموال الدولة المخصصة للاستثمار من ظروف الدولة الإسلامية الواحدة التي عاش في كنفها حيث كانت الدولة تقوم على شؤون جميع المسلمين ولو عرف دولا متعددة متفاوتة في الرزق لعبر عن ضرورة توسيع دائرة الوعاء الزكوي في الأموال العامة.. وبناء على ذلك أعتقد أن من الوارد بعد أن تعددت الدول الإسلامية وأصبحت مقدراتها الاقتصادية متفاوتة فمنها الغني وفيها المعدم، التطلع إلى أن تقر ميزانيات الدول الإسلامية الغنية - التي يبلغ مالها نصابا يمكن الاجتهاد في تحديده باعتبار متوسط دخل الفرد – مقدار زكاة أموالها وأن تنشئ برامج ومؤسسات تصرف الزكاة على مصارفها الثمانية الذين حددهم الخالق سبحانه وبذلك يتحقق مستوى مقبول من التكافل بين المسلمين الذين يتعين أن تتوسع صدقاتهم لتشمل غير المسلمين على أساس أن ثمن الزكاة مقرر لتأليف قلوب من لم يدخل الإيمان في قلوبهم.. وعندما يعاين المجتمع الدولي، الباحث عن آليات لتقسيم الثروة وتخفيف التفاوت، نجاعة الإسهام الزكوي لا يستبعد أن يترسخ نهج الزكاة بفرضها أو فرض ضريبة دولية تماثلها لفائدة المحتاجين.

 

إن استقصاء المسؤولية عن تعطيل الزكاة يقودنا إلى بعض الفتاوى التي يتعين إعادة النظر فيها وتحيينها لتلائم ظروف العصر والتي حدت بأغنياء المسلمين إلى التقاعس عن أداء حقوق المحتاجين وحتى وإن لم تكن المحاباة دافعها فمن غير المستساغ أن تكون الفتاوى سببا في حرمان الفقراء الذين يشكلون أغلب المسلمين وأن تمهد لانعدام التوازن الدولي الناجم عن تكريس التوجه، الذي يأنس المجتمع الدولي خطره، والمتمثل في زيادة ثروة الأقلية التي تكنز الذهب والفضة ولا تتحمل واجباتها الدينية والأخلاقية اتجاه المحتاجين.

 

وحتى إذا افترضنا حسن نية المفتين فإن الفتوى بعدم وجوب زكاة الأموال العامة المرصودة للاستثمار تنم عن عدم مواكبة مصدريها لما أفرزته مخرجات التطور البشري من أشخاص اعتباريين وما طرأ على مفهوم الثروة من تغير أدى لطغيان سلطان المعرفة مما أعاد ترتيب معايير الثراء فثروة كبار الأغنياء اليوم لا تتشكل من الذهب والفضة وقد لا تضم قيما ملموسة وعائد براءة اختراع وأسهم في شركات برمجيات يكفي لشراء أعداد كبيرة من الأنعام والعمارات والبضائع.. وبموازاة ذلك التطور استجدت وسائل أداء إلكترونية تتيح التسوق وسداد المبالغ الطائلة باستخدام شريحة رقيقة وإدخال كلمة مرور لذلك يتعين البحث عن السبل الكفيلة بإشراك المحتاجين في وسائل الأداء المستجدة بدل تشجيع الأغنياء على حرمانهم بحجة أن ثروتهم لا تتشكل من الذهب والفضة.

 

ويجدر بالملاحظة أن هذه الفتوى ليست مستجدة بالكامل فقد سبقتها فتوى من نفس الفصيلة، ذاعت عندنا في شنقيط في القرن العشرين، وتأسست على ما أورده محـمد عليش المصري من عدم وجوب زكاة النقود الورقية على أساس أنها لا تقاس على الذهب والفضة ولأن الزكاة عبادة لا مجال فيها للقياس.. ولكن هذه الفتوى تراجعت بعد أن أدينت بحرمان الفقراء من وسائل الأداء الغالبة التي تبرئ الذمة وتتيح شراء مختلف السلع والخدمات.. ومن مواقف المروءة التي تستحق الذكر ما نقل عن أحد التجار لما سمع أدلة القائلين بعدم وجوب زكاة الأوراق النقدية وحجج من عارضهم: سأدفع زكاتها لأني أفضل الإجابة على السؤال لم دفعتها عن الرد على سؤال لم منعت حقها؟

 

وكما لم تصمد فتوى عدم وجوب زكاة الأوراق النقدية يتعين نقض الفتوى بعدم وجوب زكاة الأموال العامة المرصودة للاستثمار بناء على الحكم الذي أدرك محمد ابن الحسن الشيباني مناطه في القرن الهجري الثاني والذي أفرز العصر أسبابا جديدة تعضده.. والجلي أنه بدلا من الاقتصار على البعد التعبدي للزكاة ينبغي على الفقهاء النظر في مقاصدها الاجتماعية والاقتصادية وما تحمله من حلول لمشاكل الناس في هذا العصر.

 

وبالرجوع للغة الأرقام وحتى إن اقتصرنا على حساب ربع العشر من أموال صناديق الثروة السيادية الستة التي ذكرت أصولها في الفقرة الثانية أعلاه، والمملوكة لأربع دول عربية، نجد أن حق الزكاة فيها يساوى: (2.199.987.000 X 2,5 % = 54.999.678) أي مبلغ أربعة وخمسين مليارا وتسعمائة وتسعة وتسعين ألفا وستمائة وثمانية وسبعين دولارا آمريكيا وهو مبلغ يكفي لوضع حد لمعاناة جل المحتاجين وتوفير العلاجات والأدوية لكافة المرضى وإغاثة اللاجئين والقضاء على آثار الرق.. دون أن يلحق ضررا بدافعيه الذين يتفرجون يوميا على تبخر مثل هذه النسبة عندما تحمر مؤشرات البورصات وتتراجع قيم الأسهم أو يحل أجل دفع الرسوم والضرائب للدول التي تشكل ملاذات لهذه الاستثمارات.. وفي أسعار النفط عبرة لمن يعتبر.

 

وبينما أختم هذه المعالجة في اليوم الثامن والعشرين من رمضان عام 1441 الموافق للواحد والعشرين مايو سنة 2020 تضرب عاصفة كورونا الرهيبة ويتضور الفقراء جوعا ويرتفع أنين المرضى والمشردين لذلك يجدر بحكام وأغنياء المسلمين أن يحاربوا الشح ويهزموه وقمين بالفقهاء أن يحفزوا على البذل ونبذ الشح .. وعندما تنطلق حملات أداء الواجب الشرعي وتتدخل البنوك الإسلامية ويتم تداول "سندات الزكاة" سيتصدر المسلمون قافلة الإحسان الدولية التي تقودها الآن الدول الغربية من خلال تمويلها للهيئات الأممية وبمساعيها لإلغاء الديون عن الدول الأقل نموا (الغارمين) وعونها للاجئين العرب في فلسطين وسوريا وغيرهم (أبناء السبل) وترفد المساعي الرسمية الغربية أنشطة المنظمات غير الحكومية التي يتبنى بعضها الدفاع عن أبناء الأرقاء السابقين في موريتانيا الذين لا يكتمل عتقهم بوقف تسخيرهم لخدمة الأسياد وإنما يجب العمل على تخليصهم من ربقة الفقر والجهل التي لا تزال تطوق أغلبهم ولهم في الزكاة نصيب (الرقاب).

 

وجملة القول أن تقديم جرعة الزكاة التي فرض الله والتي تبلغ نسبتها 2,5 % من المال المكدس لدى الأغنياء يشكل جهادا في سبيل الله وهو كفيل بتخفيف ضغط الأزمات ووضع حد للتباغض وبأدائه سيسهل على البشرية أن تهزم الفيروسات وأن تؤسس لنظام عالمي متوازن يتوفر فيه الغذاء والمسكن والتعليم للجميع.