على مدار الساعة

رجل العهد الدستوري في موريتانيا

9 مايو, 2017 - 00:26
محمد سيدي عبد الرحمن إبراهيم ـ محام وعضو في مبادرة الدفاع عن المكتسبات الدستورية

فقدت موريتانيا يوم الجمعة 5 مايو 2017، رئيسها الأسبق اعل ولد محمد فال فذعر المواطنون وكان التعبير عن المصيبة بوسائل مختلفة: رسم رئيس الجمهورية الحداد ثلاثة أيام ونكست الأعلام بينما قررت المعارضة وقف الحملات للترحم على من كان أحد قادتها البارزين.. تداعى الجميع إلى جامع ابن عباس للصلاة على الفقيد قبل أن يؤموا مقبرة لكصر لتوديعه حيث استقر جسده في مثواه الأخير.. ومع أنني لم ألتق بالراحل قط فقد وقفت على ذكره الطيب في منتجعنا المشترك بوادي "العوجة" التي تبالغ ساكنتها الصادقة، بعد أن عايشت الفقيد عن قرب، في حسن خلقه وكرمه حتى مع من لم يكن يريد منهم جزاءا ولا شكورا.. ومن منطلق الاهتمام بمتابعة التطور الدستوري الوطني أبين في هذا المقال المقتضب كيف ترك الراحل بصمته على النصوص القانونية الوطنية وكيف وفق في ممارسة مهام الحكم بما يؤهله لأن يوصف برجل العهد الدستوري في موريتانيا.

 

1.

تولى العقيد اعل ولد محمد فال الحكم في موريتانيا، يوم 3 أغشت 2005، بصفته رئيسا للمجلس العسكري للعدالة والديمقراطية ودامت فترة رئاسته عشرين شهرا ونصف الشهر لا مراء في أنها كانت من أفضل الحقب التي مرت بها الدولة الموريتانية الفتية فقد انتشر الأمل وساد الإجماع الوطني واعتمدت السلطات نهجا محايدا تجسدت معالمه سريعا من خلال إصدار الأمر القانوني الدستوري رقم: 005 - 2005 بتاريخ: 29 سبتمبر 2005 المتعلق بعدم أهلية رئيس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية وأعضائه وعدم أهلية الوزير الأول وأعضاء الحكومة للترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية وتتابعت المكتسبات الدستورية التي كان من أهمها وضع مبدأ التناوب السلمي على السلطة المكرس في القانون الدستوري رقم: 014/2006 الذي أصدره الراحل بتاريخ: 12 يوليو 2006 بناء على نتائج استفتاء شعبي نظم يوم: 25 يونيو 2006.

 

2.

وقد عكس الاستفتاء الدستوري الاجماعي، الذي نظم إبان رئاسة اعل ولد محمد فال، مستوى الرضا الشعبي إذ صوتت بنعم للدستور نسبة ست وتسعين فاصل سبع وتسعين في المائة 96,97) %) بينما لم تصوت بلا إلا نسبة واحد فاصل اثنين وأربعين في المائة (1.42%) ولم تتجاوز نسبة الأصوات المحايدة واحدا فاصل إحدى وستين في المائة (1.61%) وبذلك ترك الرئيس الراحل في حساب دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية رصيدا إيجابيا معتبرا..

 

3.

تقرر إبان رئاسة ولد محمد فال التناوب السلمي على السلطة بوضع الأقفال الشهيرة لتأمين المادتين: 26 و28 من الدستور وضمان عدم العبث بالوثيقة الدستورية وأقرت منظومة انتخابية شفافة وتوافقية نظمت الدولة على أساسها انتخابات رئاسية توجت بحفل مهيب وفريد نظم يوم: 19 إبريل 2007 سلم خلاله العقيد اعلي ولد محمد فال السلطة لرئيس الجمهورية المنتخب السيد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله وخرج العقيد طواعية من القصر مرفوع الرأس.. استبشر الوطنيون بخروج موريتانيا من صف الدكتاتورية وتقدمها إلى مصاف الدول الديمقراطية ووصف الخليل ولد مأمون تعجب الأجانب وهم يتابعون الحدث مشدوهين: "طوبى للموريتانيين الذين نراهم بواد غير ذي زرع يرفلون في أثواب الفرح سكارى في غمرة العرس الديمقراطي"..

 

4.

ولم يسلم الرئيس إبان فترة حكمه من تشويش المتزلفين الذين سوغوا له إمكانية احتساب البطاقات البيضاء في الشوط الثاني من الانتخابات الرئاسية وعبر عن ذلك في خطاب ألقاه يوم 27 يناير 2007 فضجت الساحة المدنية بالرفض.. كتبت آنذاك مقالا تحت عنوان "خطاب الرئيس.. في الميزان المدني" نشر في العدد 292 من يومية الأخبار، الصادر بتاريخ 09 فبراير 2007، بينت فيه أسباب عدم تأسيس احتساب البطاقة البيضاء في الشوط الثاني.. وأعتقد أن الرئيس الراحل قرأ المقال: لأنه كان المعني الأول بالموضوع ولأنه، بحسب من عرفوه، كان قارئا نهما.. وسيسجل التاريخ لاعل ولد محمد فال فضيلة الرجوع إلى الحق والتصرف بالتزام حتى سلم السلطة طواعية للرئيس المدني الذي خلفه.

 

5.

وبعد انسحابه من السلطة وتحرره من قيود الخدمة العسكرية ظل الرجل وفيا للعهد الدستوري، ساعيا في مصالح وطنه، متشبثا برموزه كما جسده زحامه في الصفوف الأمامية للمدافعين عن المكتسبات الدستورية وارتداؤه العلني والطوعي لعلمنا الأخضر الجميل.. قبل أن يلف في عباءة الوطن التي ارتاح لها ويسجى في مثواه الأخير بمقبرة لكصر.

 

6.

ما نذكره عن فقيد الوطن هو أنه دعم الترسانة القانونية للبلاد وظل يناضل من أجل المكتسبات الدستورية وعندما نزل القضاء كانت جنازته مناسبة للقاء الكثير من الموريتانيين المتخاصمين.. اللهم ارحم اعل ولد محمد فال ولد اعليه وجازه عن موريتانيا خيرا.. اللهم لا تفتنا بعده وحقق رجاءه ورجاءنا في تكريس اللحمة الدستورية وسيادة القانون والعدل بين أبناء الشعب الموريتاني من بعده. وإنا لله وإنا إليه راجعون.