على مدار الساعة

موقف الإسلام من العنصرية الجاهلية (2 من 3)

6 ديسمبر, 2018 - 02:28
بقلم / المختار ولد آمين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى وصحبه.

أما بعد،

فهذا هو الجزء الثاني الذي وعدت بنشره استكمالا لموضوع : "موقف الإسلام من العنصرية الجاهلية".

فأقول مستعينا بالله:

 

تنوع السابقين الأولين للإسلام:

لما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم آمن به في البداية جيل متنوع :

- عرقيا؛ ففيه: العربي، والزنجي، والفارسي، والرومي..

- وقبليا؛ ففيه: القرشي، والهذلي، والدوسي، والغفاري..

- ولونيا؛ ففيه: الأحمر (العربي) والأسود (الإفريقي) والأبيض (الرومي).

- وفئويا؛ ففيه: الأشراف، والحلفاء، والعبيد، والموالي..

- وجهويا؛ ففيه: من شمال الأرض، وجنوبها، وشرقها، وغربها...

- ولغويا؛ ففيه: العربي، والحبشي، والرومي، والفارسي...

- ومهنيا؛ ففيه الحداد، والراعي، والنجار، والتاجر...

- وجنسيا؛ ففيه الرجال والنساء..

- وعمُريا؛ ففيه: الكهول، والشباب، والأطفال، والمتوسطون...

 

فكان ذلك هو جيلَ التأسيس لهذه الدعوة المباركة – قدَراً من الله سبحانه – كي تبنى أجيالها اللاحقة على هذا الأساس.

 

تبرؤ المؤمنين من أقاربهم المشركين وقتالهم إياهم:

- نوح يتبرأ من ابنه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

- إبراهيم يتبرأ من أبيه: {قد كَانَت لكم أُسْوَة حَسَنَة فِي إِبْرَاهِيم وَالَّذين مَعَه إِذْ قَالُوا لقومهم إِنَّا برَآء مِنْكُم وَمِمَّا تَعْبدُونَ من دون الله كفرنا بكم وبدا بَيْننَا وَبَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء أبدا حَتَّى تؤمنوا بِاللَّه وَحده}.

- آسية تتبرأ من زوجها: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.

- وقد قتل أبو عبيدة عامر بن الجراح أباه المشرك في يوم بدر؛ ففي مستدرك الحاكم وغيره عن عبد الله بن شوذب قال: "جعل أبو أبي عبيدة بن الجراح يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر الجراح قصده أبو عبيدة فقتله، فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية حين قتل أباه {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم}.

- ودعا أبو بكر الصديق ابنه عبد الرحمن للمبارزة في يوم بدر فمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، وقد أسلم عبد الرحمن بعدئذ.

- وقتل عمر بن الخطاب خاله العاص بن هشام يوم بدر.

- وقال عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول، لأبيه: "والله لا تدخل المدينة أبدا حتى تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعز، وأنا الأذل، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد أن تقتل أبي، فوالذي بعثك بالحق ما تأملت وجهه قط هيبة له، وإن شئت أن آتيك برأسه لأتيتك، فإني أكره أن أرى قاتل أبي".

- ومر مصعب بن عمير على أخيه أبي عزيز مأسورا يوم بدر فقال مصعب لآسره: اشدد يديك به، فإن له أما بمكة كثيرة المال. فقال له أبو عزيز: هذه وصاتك بي يا أخي؟ فقال مصعب: إنه أخي دونك!

 

قال البدوي:

وابن عمير مصعب مرّ على *** شقيقه مستأسرا للفضلا

فحضّهم أن شدّدوا إنّ له *** أمّا مليّة تفكّ كبله

 

فرح المؤمنين بانتصار الروم على الفرس:

- عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {ألم. غلبت الروم. في أدنى الأرض} قال: غُلِبت وغَلَبت. قال: كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم؛ لأنهم أصحاب أوثان، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس؛ لأنهم أهل كتاب.

 

وما أعظم هذا الدرس في موضوعنا؛ حيث فرح المؤمنون بانتصار النصارى الغرباء لا لشيء إلا لنسبة من الدين باقية فيهم، وخالفوا بذلك الفرح والتعاطف قومهم – آباء وأمهات وإخوانا وأقارب – حيث تعاطف أولئك مع إخوانهم الوثنيين الفرس!

 

واقع الأمة عبر التاريخ:

جاء في سير أعلام النبلاء للذهبي هذه المحاورة الشيقة:

عن الزهري قال: قال لي عبد الملك بن مروان: من أين قدمت؟

- قلت: من مكة.

- قال: فمن خلفت يسودها؟

- قلت: عطاء.

- قال: أمن العرب أم من الموالي؟

- قلت: من الموالي.

- قال: فيم سادهم؟

- قلت: بالديانة والرواية.

- قال: إن أهل الديانة والرواية ينبغي أن يسودوا، فمن يسود أهل اليمن؟

- قلت: طاووس.

- قال: فمن العرب، أو الموالي؟

- قلت: من الموالي.

- قال: فمن يسود أهل الشام؟

- قلت: مكحول.

- قال: فمن العرب، أم من الموالي؟

- قلت: من الموالي، عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل.

- قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟

- قلت: ميمون بن مهران، وهو من الموالي.

- قال: فمن يسود أهل خراسان؟

- قلت: الضحاك بن مزاحم من الموالي.

- قال: فمن يسود أهل البصرة؟

- قلت: الحسن من الموالي.

- قال: فمن يسود أهل الكوفة؟

- قلت: إبراهيم النخعي.

- قال: فمن العرب، أم من الموالي؟

- قلت: من العرب.

- قال: ويلك! فرجت عني، والله ليسودن الموالي على العرب في هذا البلد حتى يخطب لها على المنابر، والعرب تحتها.

- قلت: يا أمير المؤمنين، إنما هو دين، من حفظه، ساد، ومن ضيعه، سقط.

 

فيالها من جملة تستحق أن تعلق في أعماق القلوب: "إنما هو دين، من حفظه، ساد، ومن ضيعه، سقط".

 

العنصريون أتباع إبليس اللعين:

ذكرت قصته في 6 سور من القرآن هي البقرة، والأعراف، والحجر، والإسراء، وطه، وص، وفيها قوله: {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}.

 

وكانت هذه الجريمة (العنصرية الإبليسية) أول معصية عرفت في التاريخ، وعنها نشأ الكبر والحسد والبغضاء والعداوة وعصيان الأوامر...

 

العنصريون ورثة اليهود والنصارى:

- قال الله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}.

 

العنصرية محادون لله بتزكية أنفسهم:

- قال الله تعالى: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى}.

 

العنصريون نموذج للجاهلية في كل زمان:

- فعن جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ، فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: «دَعُوهَا، فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ»  رواه البخاري ومسلم (وتقدم).

 

العنصريون لا يستحقون الاحترام:

عَنْ عُتَيّ بن ضمرة السعدي قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أُبَيٍّ بنِ كعب فَعَزَّى رَجُلٌ بِبَعْضِ عَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ – في رواية أحمد : "افتخر بأبيه" فَقَالَ أُبَيٌّ: اعْضُضْ بِهَنِ أَبِيكَ، وَلَمْ يُكَنِّ، فَكَأَنَّ الْقَوْمَ سَاءَهُمْ مَقَالَتُهُ. قَالَ أُبَيٌّ: قَدْ أَرَى الَّذِي فِي وُجُوهِكُمْ، إِنِّي لَمْ أَسْتَطِعْ إِلا أَنْ أَقُولَ ذَاكَ، إِنَّا كُنَّا نُؤْمَرُ إِذَا الرَّجُلُ تَعَزَّى بِبَعْضِ عَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ نُعِضَّهُ بِهَنُ أَبِيهِ وَلا نُكَنِّيَ. رواه أحمد وابن حبان والضياء وصححوه.

 

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.