على مدار الساعة

كيف نصلح نظامنا التعليمي حتى لا نتذيل العالم ولو وشح الوزير الوزير

19 أكتوبر, 2017 - 14:40
د. عبـــــــــــد أحمـــــد عبيــــــدي - أستــــاذ محاضر في قسم الفيزياء بكليــــة العلــــــــوم والتقنيـــــات جـــامــعة انــــواكشوط العصــرية - abdouk@mail.ru

نجح التعليم التقليدي (المحظري) في موريتانيا حتى أبهر العالم فتقدمنا حتى صرنا معشر الشناقطة أســـاتذة وغيرنا طـلابا يستمعون كأن على رؤوسهم الطير.

 

فكان إذا تكلم الشنقيطي أنصت الجمع لشدة الاحترام و التقدير ولا تزال محاظرنا إلى اليوم في أعماق موريتانيا مملــــوءة بالطلاب من شتى دول العالم، و فشل التعليم النظامي حتى تذيلنا العالم بأسره فها نحن طــــلابا وغيرنا أســـاتذة في جميـع جاراتنا من الدول وحتى الصين. فـلـماذا؟

 

هكذا تساءل الجميع بعد ما تذيلت موريتانيا قائمة الدول تعليميا صباح الافتتاح الدراسي والجامعي وبعد خطابين لوزيرين حملا الكثير من الإصلاحات الكبرى والنقلة النوعية وتحسين الجودة وغير ذلك.

 

أما أنا فلم أتساءل ولم استغرب لأن ما حصل هو ما كنت أنتظره تبعا لسنة من سنن الله وقوانينه الثابتة، فالتعليم المحظري وليد حقيقتنا وظروفنا طبعته أيادينا بمعاييرنا الخاصة فشكل منظومة وطنية تقليدية موريتانية صالحة أبهـــــرت الكون وكانت بذلك لا تحتاج إلى تسيير خارجي بل سيرت نفسها ذاتيا بطريقة أوتوماتيكية بلا وزير ولا مدير.

 

أما التعليم النظامي بشكله الحالي فهو منظومة أجنبية طبعة وطبيعة تضرنا أكثر مما تنفـع ولن تصلح لنا حـالا ولو جـئنا بمثلها مددا، فلو سيرناها بأكثر من وزارتين وألف إدارة ما زادها إلا خسارة وفسادا، فنحن كمن ينوي زراعة الصحـاري الموريتانية بأعشاب ونباتات وأشجار فرنسا مثلا ولو جئنـــــا بمحيطات وأنهار العالم ما خرجت إلا نكدا. فلــــو أقلمنـــا تعليمنا النظامي مع حياتنــا ليتماشى مع متطلبــات سوقــنا وثقافتــنا وخصوصياتـنا لكان كالنباتــات الصحراوية تنبت في الصحراء ذاتيـــا بــلا تـدخل وتــؤتي أكلها كل حين تماما كالمنظومة التعليمية المحـظرية.

 

فإصلاح التعليم كله في بناء منظومة تعليمية وطنية خاصة بموريتانيا، ذلك أن المنظومــة التعليميـة عموما هي المصنع أو القالب الذي يصنع الأوطــان والمواطنين يصبهم صبا تبعـا لهويــة الشعوب وحقائقها فهي لذلك تختلف باختلاف الشعوب وخصوصياتها مرتكزة على ثلاث ركائز:

 

1) المناهج التعليمية: وهي الدماغ الحقيقي للمنظومة وأشد علاته أن يسيطر عليه الغير أو يتم احتواؤه أجنبيا.

2) الفضاء التعليمي: وهو جسمها ومرضه في الإهمال.

3) العنصر البشري: وهو جهازها العصبي وآفته أن يصاب باللامبالاة.

 

وهذا ما نشاهده في منظومتنا التعليمية ليومنا هذا. فمن يـــــــــغــــــــيـــــــــــــث؟

فمنظومتنا التعليمية الوطنية الخاصة بنا يجب أن توجه عقلياتنا لبناء الموريتاني المسلم المثالي المتعلم الصالح المتحضر وأن تحول معلوماتنا إلى أفكار والأفكار إلى مشاريع والمشاريع إلى بنيــة تحتية والبنيـة التحتية إلى موريتانيا وطنــــــــا متحضرا جميلا متقدما لا متذيلا يجد فيه كل منا مكانته المناسبة حسب طاقته المعرفية لا ظالم ولا مظلوم في أعز تربـــــة نظيفة صالحة للحياة الكريمة.

 

لذلك يجب أن تكون هذه المنظومة بعناصرها مصونة كوثيقــة وطنيــة مقدسة محاطة بدماء شهدائنا هي الأخرى لا يلمسها لامس ولا يغيرها مغير إلا بإجماع الحكماء من الأمـــة على شكل هيــأة أو لجنــة وطنيـــة هي "اللجنة الوطنيـة للمنظومـة التعليمية" مثلا، فالمنظومة والدستور في نفس الخانة وهي أشمل منه وأهــــــــــم جازما.

 

بهذا فقط نحميها من التأثيرات والمؤثرات سواء من الداخل أو الخارج حتى لا نراها تتغير بتغيير الوزير أو تتأثر بخلفيته السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أو بمحيطه أو دولة عاش بها أو نراها أداة بيديه للانتقام أو التقرب ليهدم أكثر مما يبني ويفسد أكثر مما يصلح وكأنها مما ورثه على آبائه كابرا عن كابر.

 

فالسياسة العامة للتعليم والمنظومة كلها يجب أن ترسم بأياد وطنية بدون أي تدخل أجنبي تبعا للمصالح الوطنية الحيويـة العامة لا تبعا لمزاج وزير أو مستشار أجنبي فوق العادة وكامل السلطة، هو أدرى بالمسائل الأمنية والسيطرة على العقول منه بالتربية والعلوم، يتدخل في الصغيرة والكبيرة وهو الآمر الناهي، فاستشــارة الأجــانب بهذه الطريقـــة لا تصب في مصلحة الوطن أكثر مما تصب في مصلحة بلادهم وهذا من حقهم، لا أمانع.

 

لكننا نحن كذلك جنــــود مجندة واقفين عنــد الحدود الثقافيـــة للبلاد نذود عنها ونحرسها من الداخل تماما كما تفعــل قواتنا المسلحة بحوزتنا الترابية وحدودنا الجغرافية "وإلا فــــــأقـــم علينــــــــا مأتمـــــــــــــا وعويــــــــــــــــــــــلا".

 

وأنا هنا لا أتهم أحدا في وطنيته ونواياه الصادقة، لكن هذه لوحدها لا تكفي إذا لم تواكبها إجراءات في الاتجاه الصحيـــح.

 

كما أنه ليس بيني وبين أخــــي وزميلي الوزيــــر أو غيره أي خلاف ولا شحناء ولكن الأخوة والزمالة تنحصـــران في الزاوية حينما يكون الوطن في خطر؟

 

وأنا لا أمتنع عن المساعدات والتعاون فهو من سنة الحياة البشرية لكن بشرط أن يكون ذلك في ظل سيادتنا بدون شرط هالك أو قيد قاتل فما أحسن الإعانة بكلــمة حق ومأشــرة صدق.

 

فلو نجحت سياستنا العامة لقطاع التعليم وتم بناء منظومة متكاملة صالحة لتم الاكتفاء بوزارة واحدة والاستغناء عن الكثير من اللوازم والمشاريع الأجنبية الداعمة علنا للتعليم والمفسد الحقيقي وراء ذلك. "وهنا مربط الحصـــان العنيــــــد وبيت القصيــــد".

 

فكم من مشروع أجنبي في التعليم استجبنا له بشروطه ومستشاريه وبمبالغه الكبيرة وإغراءاته العظيمة القاتلة ليبقى ثلث تمويله للمشرفين عليه من أبنائهم والثلث الثاني في مكاتبهم للدراسة والثلث الباقي للمقتنيات الضرورية للمشروع بشـــرط أن تكون من صناعتهم وللقائمين عليه من أبنائنا ليضيع في ذلك التعليم والعلم والمعلم والمتعلم والنظــام بأسـره وليبقى النظام مشلولا ليزداد هما إلى همه وشللا إلى شلله بمشروع آخر وقيود أخرى وهكذا يظل التعليم يصعـد (بعبارتهم) إلى الهاوية بسرعة الضوء.

 

إذن حان الأوان إلى أن نباشر أمورنا من تعليم وغيره وأن نكتسب من الثقة ما نبني به موريتــــــانيا معتمدين على أنفسنا حتى لا نبقى كالغــريق ينتظر ويستنجد حتى يموت، فبلادنا فيها من الخيرات والطاقات الماديــة والبشريـة ما يجعلها في غنى عن الطاقات والخبرات الأجنبية بشروطها القاسية والعواقب الوخيمة لتلك المســاعدات المسمومة والتي بها يتـــــــم اصطيادنا تماما كما تصطاد السمكة بقطعة لحم شقيقتها السمكة حينما ترمى لها في البحر في قوس ظاهره لحم وطعــام وحقيقته شوكة حديد تحمل الموت والآلام. فهذه حقيقة لا ينكرها أحد.

 

فهل فرنسة التعليم كليا وشطب اللغة العربية والثقافة الوطنية من التعليم هو مصلحة وطنية عليا؟ ولمن هذه المصلحــــة العليا؟ حتى يحرم أغلب المواطنين من طلاب التكوين المحظري الذي هو في رأيي أنجع وأفضل من التعليم النظــــــامي الحالي ألف مرة وزيـــــادة، فحينما كان التعليم العــالي رغم ما به من فســـاد يستوعب هؤلاء ووجهــة للجميع صار حكرا للمتفرنسين والذين في الحقيقة لا يعرفون فرنسية ولا عربية ولا لغة أخرى تائهين لا يفهم أغلبهم فهما صحيحا لما لــديه من عراقيل لغوية تحول بينه وبين ما يشتهي، فهو في كل درس تراه ينظر إليك نظر المغشي عليه من الموت لا علاقة لـه بالموضوع، وهذه فاجعة حقيقية لا خيال. ثم ماذا بعد أن وشح وزير المالية الفرنسي زميلي وزير التعليم العــــــالي جهارا نهارا أمامنا وعلى شاشات التلفزيون الوطنية فكم تمنينا حينها لو كان ذلك حلما أو فلما من أفلامهم في الوقت الذي نـــلون فيه رايتنا الوطنية بدماء شهدائنا الزكية ليعود الاستعمار الأخطر والشامل في زيه الحديث من خــــــــــلال السيطرة على المناهج التعليمية وربما على المنظومة بأسرها من خلال التوشيحات والتكريمات الكاذبة الفارغة للشخصيات المسيرة والفاعلة في هذا القطاع دون غيره، فهي ليست إلا عار الدنيا ونار الآخرة، فليتنا تذكرنا ما فعل بمثلها كعب أبن مالك رضي الله تعالى عنه حينما رماها في النار واصفا إياها بأم المصائب، فأين نحن؟ وهل حدث مثل هكذا توشيح في تــــــاريخ الأمم المستقلة ولو استقلالا ذاتيا؟ أليست موريتانيا هي الضحية؟ فأين الإصلاح إذن؟ ألا يحق لوطننا بلسان حاله أن يصـــــــرخ بأعلى صوته "ويلي من هؤلاء وألئك وويلي من المثقفين من أبنائي".

 

ألم تتنازل اليابان وتفاوض على كل شيء إلا على منظومتها التعليمية وهي خارجة من الحرب مهزومة؟

 

أليس حكم الإعدام الصادر والمنفذ في حق كل من مدرسة ألاكـ المدعومة أمريكيا ومدرسة المعادن المدعومة كنديا مصدر استفسار وتعجب ليس إلا وبلا سبب يقود إلى مصلحة وطنية أكبر وأكثر من مصلحة أخرى؟ ما أجملهما لو شيدتهما شركـــــــــة سوكوجيم بأيادي ومعايير وطنية لا دولية (فرنسية)، فلله هذا الهادم لا الباني. وستبكي موريتانيا هذين الشهيـــدين حينما ينكشف الغبار وتعود الوزارة إلى رشدها لتجد فظاعة ما تم القيام به من قتل نواة في المهد لمشاريع مستقبلية كانت واعدة لو تم الإصلاح بغير هكذا طريقة استعجاليه وارتجالية كأن صاحبها مجبرا لا بطلا.

 

وأي مصلحة في دمج الجامعتين في جامعة واحدة بعد فصلهما امتثالا لسياسة "أهل لخل" في عيشهم كما يقـول المثــــــل الشعبي "إحطوه وإردوه" وتسميتها بالعصرية، فالملـح للسكـــر لن ينقـــــلب، إن لفـــظ سكــر عليـــه كــــتب.

 

فلا تزال الجامعة كما كانت ولو سميناها بالجامعة العالمية العظيمة الوحيدة في الدنيا، فهذا في الحقيقـــــة لعبة ومهزلة لا تجدي.

 

وهل الاصطدام بالأساتذة في زيادة العبء التدريسي بلا مشاورة ولا تمهيد وتجفيف منابع ومصادر أرزاقهم والحيلولة دون ترقيتهم كحق من الحقوق المترتبة وحصول الوزير نفسه على الحق بلا حق هو إصلاح وكأنه يدفع بهم إلى الهجرة، فها هم خيرة أساتذتنا يهاجرون تحت ضغوط إصلاح التعليم. فكل هذا شكل عبئا كبيرا جدا على الجامعة والوطن أفسد أكثر مما أصلح و"أنا من أهل مكة". كذلك قائمة معايير الاكتتاب الجديدة، التي أصـــدرتها الوزارة وتم بها الاكتتــاب الأخيــر، أليست مهزلة من الدرجة الأولى حين تفضل النساء على الرجال والشاب المتربص على الأستاذ المقتدر القوي والمجرب، وبعض الأمور الأخرى التي هي أقرب ما يكون لمسرحية من مسرحيات دريد لحام في سبعينيات القرن الماضي. هذه فقط أمثلة من الإصلاحات الارتجالية بتشاور أجنبي كأمثلة لخطورة ما نحن بصدده من مستقبل إن لم تغاث المنظومة التعليمية بكاملها، وبعد هذا كله نتذيل العالم تعليميا، أليست هذه هي أم مصائب موريتانيا؟ فإلى متى ومنظومتنا التعليميـــة تلعب بها لاعبات الشمال؟ وإلى متى لا يحق لنا أن نتطلع إلى موريتانيا دولة متعددة الجامعات والمعاهد المتخصصة والتي تخضع لمعايير وطنية، فنحن لسنا صناعة فرنسية حتى نخضع لورطة المعايير الدولية (الفرنسية)، التي لا مخــــــــــــرج منها إلا بالإصلاح الجذري للمنظومة كلها، وإلى متى والدفعات الطلابية تتجه إلى الدول الأجنبية بدلا من الجامعـــات والمدارس الوطنية في الولايات الداخلية ونواكشوط؟ هل هذا مستحيل؟ ألم يحن لنا أن نوقف تدفق البعثات الطلابيــــة إلى الخــارج ببناء منظومتنا التعليمية بناء يتماشى واقتصادنا وثقافتنا ومصالحنا الحيوية بمعـــــــــاييرنا الخاصة مع بناء الجامعات والمدارس العليا المتخصصة حسب حاجيات وإمكانيات الــــوطن ونستجلب الأساتــــذة الأجانب حسب الحاجــــة حتى تتم مرتنة الوظائف كلها تماما كما فعلنا بالمرحلــة الثانويــة في نهايـة القرن الماضي حينما كنا نستجلب الأساتذة من أوطانهم؟ أليس هذا ما فعلته اليابان مما أوصلها إلى ما هي فيه اليوم؟ أم أن الأمر ليس بأيدينا؟

 

فإن كنا جادين في إصلاح منظومتنا التعليمية كليا والتي بإصلاحها نتغلب على المشاكل الوطنية دفعة واحدة فعلينــــــا أن نحاكي من كان حاله حالنا من دول جنوب شرق آسيا كماليزيا خاصة وسنغافورة وغيرهما، أليسوا اليوم من أكبر الرائدين عالميا في أنواع العلوم والتكنولوجيا باعتراف الجميع بسبب نجاحهم في إصلاح منظوماتهم التعليمية حينما باشروهـــــــــا بأنفسهم لا عن طريق الوكالة أو الاستشارات المبنية على معطيات خاطئة لا علاقة لها بمجتمعاتهم كما يفعـل بنـــا نحـــــن اليوم؟

 

وأخيرا والحال أننا بحاجة إلى حـلول جذرية مبتكــرة لمشاكل التعليم تتماشى ومصلحتنا العامـــة في ظــل سيادتنــا على منظومتنا التعليمية بكاملها فإنني أقترح الخطة التالية:

  • تحديد فترة زمنية - ولو سنة بيضاء - تكون قطيعة بين النظامين وكافية لبناء المنظومة التعليمية المنشودة بناء شامـــــلا بدءا بالدراسة وانتهاء بالتطبيق وتعيين "اللجنة الوطنية للمنظومة التعليمية" التي ينبغي أن تتكون من رئيس عام وأربع لجان فرعية متداخلة حسب تصوري وذلك على النحو التالي:
  1. اللجنة الاقتصادية (تتكون من رئيس ونائب له و أعضاء حسب الحاجـــة).
  2. اللجنة الفنية (تتكون من رئيس وثلاث نواب له وأعضاء حسب الحاجــــة).
  3. اللجنة التنفيذية (تتكون من رئيس وثلاث نواب له وأعضاء حسب الحاجة).
  4. اللجنة المركزية أو لجنة التنسيق (تتكون من الــرئيس العام ورؤســاء اللجان الفرعيــة الثلاثة ونــوابهم السبعة).

 

فاللجنة الاقتصادية مهمتها تتمثل في القيام بدراسة شاملة لرسم المسار الاقتصادي للبلد من صيد وزراعة وتنمية وتعدين وصناعة وسياحة إلى آخر القائمة بطريقة مفصلة وواضحة، مما يستوجب أن تكون هذه اللجنة من خيــرة الخبــراء في اقتصادنا.

 

أما دور اللجنة الفنية فهــو بناء المناهج التعليمية وتحديد المحتويـات اللازمة لكل برامج ومواد التدريس حسب المـراحل الدراسية تبعا للدراسة الاقتصـــادية أعلاه ولرؤية صـادقة وواعيــة للمستقبل، فالحياة في المستقبل القريب تتطلب قدرات عالية على تسييـــر الأمور نظرا للتعقيدات الإضافية من برمجة وسائل الحياة كلها حين يتم تزويد كل شيء تقريبا ببرامج معقدة للتشغيل والصيانة أو غير ذلك ربما من تطور يستدعي مواكبته بالعلوم المناسبة (فالناس أبناء زمانهم) وذلك لا يتم إلا باتخاذ الحلــول الاستباقية، كما أن المهن والأعمال ستتغير لتأخذ أوجها غير التي نراها اليوم، وسيرى من يدركه ذلك ربما من التغيــــرات الجذرية في الحياة البشــــرية ما لم يتوقعـــه، لذلك يجب أن تتكون هذه اللجنة من خيـــــرة الخبـــراء المتخصصين من أهل الخبــــرة والحنكة والنزاهة والكفـــــاءة والتخصص لتقام لهم دورات عن "التجارب العالمية في إصلاح المناهج التعليمية".

 

أما اللجنة التنفيذية فهي التي ستسهر على تنفيذ هذا المشروع ومتابعته بالتفصيل ممثلة في كل ولاية ومقاطعة ونقطــة من الوطن.

 

وأخيرا اللجنة المركزية ويتمثل دورها في التنسيق الكامل بسلاسة والإشراف على العملية كلها، وهي المســــؤولة أولا.

 

كما يجب تمثيل جميع المنظمات والهيئات والنقابات التي لها بهذا ارتبــاط، خاصـــة المعلمين والأساتذة وآباء التلاميذ وغيرهم، والأخذ بآراء الجميع ليحصل بنكا من المعلومات الهامة والمعطيات الفعلية، التي بعلاجها يتم بنــاء منظومتنـــــا الخاصة ببلادنا بناء يتماشى ومصلحتنا العامة بأيــــاد ومعاييـر وطنية لا دولية (فرنسية) ولا إقليمية ولا ولا... وإنما وطنية وطنية مصونة ومحاطة بدماء شهدائنا الزكية الطاهرة، فكما نعلم إذا تزاحمت العقول خرج الصواب.

 

 

وخلال الدراسة يجب أن يتم التركيز على إصلاح عناصر المنظومة الثلاثة على النحو التالي:

  1. المناهج التعليمية: نريدها مبنية على إصلاح العقليات لإنتاج المواطــن الموريتاني المسلم المعاصر المثالي المتعلم النظيف المستقيم والمسلح بكل ثقــافة ومعلومات نافعــة تحجبه عن الميول والدخول فيما لا يفيـــد، فهو الجندي القوي الحارس في وطنه وهو خير سفير ممثل لبلاده خارجها.

 

نريدها كذلك مبنية على العلوم الضرورية حسب احتياجات الوطــن المرتكزة على اقتصاده وثقافته، فالمنـــاهج تختلف من دولة إلى دولة، ومن مجتمع إلى مجتمع باختلاف المناخ والتضاريس والثقافة والاقتصاد وغير ذلك فلا تصلح لنا المناهج الفرنسية مثلا بنسختها الأصلية ولا المناهج التونسية أو المغربية أو غيرها، فلن تصلح مناهجنـــــــــــا إلا إذا وجهناها من الابتدائية والثانوية توجيها يصون لنا هويتنا ويحفظ لنا مكانتنا العلمية في نفس الوقت مع حماية مصالحنا الحيويـــــــــة ويرشدنا إلى السبيل الأقوم لتحقيق التنمية والرخاء.

 

نريدها كذلك مرتكزة على تحفيز الإبداع والتمييز والمثابرة وحسن الخلق والمنطق السليم البناء المملوء بالذوق العلمي الرفيـع مع مواجهة تحديات القرن بإضافة الضروريات العلميــة كما سبق وخلق مناخ من التنــافس الايجــابي في جو من التآخي والسلم الأهلي واحترام الأخر، فعلينا أن نقوم بهذا كله بطريقة مبتكرة لا نتبع فيها أحدا كما يتبـع الأعمــى الدليل.

 

  1. الفضاءات التعليمية: كالمدارس والثانويات والجامعات والساحات المدرسية وغيرها مما يرتبط بالتعليـــــم، فكـل منهم يجب أن يكون ناطقا متكلما ومشجعا ومعلما من خلال اللوحات التعليميــة والثقافيـــة المنتشرة على جدرانــه الداخليـــــة والخارجية محملة بالمعلومات اللازمة العلمية والثقافية من تواريخ العلماء وصورهم والأحداث الهامة والظواهر العلمية والقوانين والمعلومات الضرورية الأخرى حسب الفضــاء وكذلك اللوحــات التشجيعيــة بأسماء الطــلاب المتفوقيــن في المؤسسات حسب الفصول مع صورهم، كما يلزم تزويد جميع المؤسسات التعليمية بأجراس مرنة أوتوماتيكيا تبعا للتوقيت المبرمج واحترام ذلك التوقيت احتراما كليا مع السهر على نظافة الفضاء والرقابة العامة له ولزواره.
  2. العنصر البشري: يجب أن يبقى دائما في أفضــل الظروف المــادية والمعنويــة ليقوم بمهامه على أحسن وجـه ولو تحت شجرة في الفلاء ولليابان في ذلك أحسن تجربة، فقد سئل رئيس الوزراء الياباني الأسبق: كيف توصلتم إلى هذه الدرجـــة من التطور التكنولوجي والعلم؟ فأجـاب نعم لأننا أعطينا المعلم راتب الوزيــر ودبلوماسية السفيــر وقداسة الإمبـراطور، ذلك أن دور المعلم والعنصر البشري عموما هو الأساسي في إنجاح المنظومة كلها، فيجب أن يزداد راتبه بزيـادة الأسعار ويتحسن بتحسن الأحوال حتى يستقر حاله لترتقي أعماله مع مراعاة البعــد والأقدمية وكل الحقـــوق المترتبــة الأخــرى.

 

هنا وهنا فقط يجد كل عنصر مكانه اللازم في النظام ليستقر متحديا بذلك جميع العوامل المؤثرة من الداخــل والخــارج، وحينئذ يكون النظام متمــاسكا، قويــا في روابطه، سليمــا في عناصره مفيــدا لبلده ومثالا يحتذى به يحمل الروح الوطنية لا الأجنبية ولا الدولية ولو وشح الوزيــــر الوزير.

 

ولا بأس كذلك لو دعمنا النظــام بسنة تحضيرية فاصلة بين الابتدائيـة والإعداديـة مبرمجة على ثلاث عنـاصر أساسيـــة وهامة من خصوصياتنا لتزويد أهلها بما يلي:

  1. الخلفية الضرورية من العلوم الشرعية من الأحكام العينيـــة قبل البلوغ تبعا للمنهج المحظري، وكذلك التشبث بخلق النبــي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام من شجاعة و كسب حلال وبعد عن الحرام بما في ذلك أكـــــــل الأموال العمومية.
  2. لغة من اللغات الوطنية لغير الناطقين بها حسب الاختيار لتعزيز الوحدة واللحمة الوطنيـة والانفتاح والتــآخي، فكـل منـا مسلم سني مالكي المذهب، فأين المشكل؟
  3.  خلفية تطبيقية في الأشغال والأعمال المحلية كالتنمية والزراعة والصيد والتعدين حسب المنطقة حتى يتمكن من إعــانة أهله في ذلك الميدان وهو يوجههم بذلك توجيها مفيدا مرشدا ويستفيد به كتخصص أو شغل إضافي في حياته قد يوجــــه حياته إلى النجاح، فنرى اليوم من قطع دراستــه مبكرا لا يحمل خلفيــة تتيح له العمــل إلا في التجـارة نظـرا لما درس من حساب ولغة للكتابة فقط، فالمواد الأخرى نظرية بحتة بالنسبة لحياته بلا تطبيق يفيـده لتتلاشى في يومـه الأول من انقطاع دراسته فهو لا يصلح مزارعا ناجحا ولا صيادا بارعا ولا منميا محترفا ولا غير ذلك لانعدام تلك الإضافيات الضرورية للحياة الموريتانية وهذا من فشل المناهج.

 

وأخيرا أتوجه إلى السيد رئيس الجمهورية!

سيدي الرئيس،

أناشدكم أن تباشروا الأمر وتأخذوه بأيديكم لتغيثوا المنظومة التعليمية بإصلاح شامل كما فعلتم بالمنظــــومة الأمنية وغيرها مما أحاطه الإصــلاح العــام، فبإصلاحها فقط إصــلاحا شـاملا يصـلح كل شيء وبفسادها يفسد ما صلح، فالتعليم النظامي كما تعلمــون نشـأ في بــلادنا سنة 1922 معــزولا عن المجتمـع وهو لا يزال كذلك رغــم ما مر بـه من إصـلاحات عديدة كإصلاحات 1959، 1966، 1973، 1979، 1999، وما بعد الألفيــن خلقت كلها مشاكــل إضافيــة بـدل توفيــر الحلول الجذريـة، فلتجعلوا من إصلاحها الشامل خاتمة مسك لمأموريتكم هذه.

 

وفقنا الله و إياكم لما فيه صلاح الوطن والشعب.