على مدار الساعة

عُصبة أكناف بيت المقدس (شعر)

30 أكتوبر, 2023 - 13:07
أحمد سالم زياد

نُغالبُ موتا يشتهي من يُحاذرُه *** ويأمنه حدَّ الخلودِ مناورُه

وكم من جبانٍ مات كلّ دقيقة *** وكم من شجاع خلدته مآثرُه

يعيش الشجاعُ العمرَ حتى يملّه *** وتحميه من غير المصير مقادرُه

ورب جبانٍ طال في الخِزي عمره *** وساء ختاما هُلْكُه ومصائرُه

وقد تهزم الأبطال يوم يقودها *** جبانُ فؤادٍ أثخنتها خسائرُه

ويُنصر جيش كامل بمظفر *** له المجد ميمون من الله طائرُه

فتى واحد يحيي قلوبا عديدة *** وتتبعه شرقا وغربا جماهرُه

إذا جَدّ جِدّ الأمر ينصرُ نفسه *** وتقدمُه الأبطال والله ناصرُه

يلوذ به من طارَ في الحرب لبُّه *** وتُسنِدُ من خارتْ قُواهُ بوادرُه

يماسي بحزمٍ كلّ أمرٍ مداهمٍ *** ويُخضعهُ بالعزم حين يباكرُه

يرى الرأي قبل القوم حتى كأنه *** يرى صفحة الأقدار ما كلّ ناظرُه

ويصنع قُوّادا ستكمل بعده *** يشاورها في أمره وتشاوره

يطيعونه حبا وسيّان عندهم *** أمانيه - لا يعصونها - وأوامره

وإنّ جَنانَ المرء أعتى سلاحه *** إذا سُدّدت بالرأي – قبلُ - خواطره

بأكناف بيت المقدس اليوم عُصبة *** تُطاوِل ظلما ضامها وتُناوره

ولا حصنَ إلا مدفع الحُرّ دافعا *** ولا تُرسَ يحمي الموت إلا ذخائره

ولا مدد إلا الدعاء مجنحا *** وحزن فؤاد نازفِ الجُرحِ غائره

كفى غليان القلب والحُرُّ رابه *** - وما زال حيا - كيف تسبى حرائره؟!

وقد أعجز الدنيا الفدائيّ أعزلا *** يصابر أوغاد الورى وتصابره

وشعبٍ على مرأى يباد ومسمعٍ *** فما عاد تعني الناس – جبنا - مجازره

يشيّد فوق الأرض - فخرا- بيوته *** وإن هدمت قامت عليها مقابره

وإنْ هَجّروهُ في البلاد مشردا *** فإنّ ثراها في الحشا لا يغادره

وخرسٍ على تلك الكراسيّ ركع *** يخافون دهرا أن تدور دوائره

وللدهر وثْباتٌ تقوّم مائلا *** من الحال مهما لجَّ في الظلم جائره

وللشعب ثوراتٌ وللفِعل رَدّةٌ *** فلا تأمنوا شعبا أثيرت مشاعره!!

وكم من أسير حرر الدهر شعبه *** بفكرةِ حرٍّ لم تعقه أساوره

وأخطرُ من أسر الرجال خنوعهُم *** لحكم ضعيفٍ فاسد الرأي عاقره

ومن يرتجي الإنصاف والسيفُ مغمد *** بصائره عُميٌ وعُميٌ بواصره

لقد ملك القوم القرار بمكرهم *** ودانت لهم من قبل ذاك دوائره

على أن من يملك بمكرٍ وخُدعة *** فلا بدّ أن تُجلَى قريبا مناكره

ومن طلب النصر القريب يفوته *** وبالعزم والتخطيط تأتي بشائره

فعلّمْ بنيك الدرسَ وازرع فسيلة *** من العزم في الجيل الذي أنت حاضره

وإن أنت لم تدرك من النصر جولةً *** فحسبك نصر قادم أنت باذره

سينفضّ إخوان القرود غُلبّة *** كما فرق الطيرَ المعشّشَ زاجره

وإن أخذوا الأسباب واشتد بأسهم *** طويلا فإن الليل يشرق آخره

وإن اضطهادا أوجع القلب دافع *** قويُّ لنصر قد أظلت بوادره

وقد وهن الأنذال والعيش راغد *** وكم هان وغد باذخ العيش فاخره

ومن خاف حقا فرّ يطلب بيته *** فشُدّ على العلج الذي ستساوره

وذكره أن الأرض تعرف شعبها *** وتنصره إن عزّ يوما مناصره

إلهي تقبلْ مَبلغ الجهد من فتى *** على البعد والإعسار ثارت مشاعره

وليس من أهلِ السيفِ لكنْ قريضه *** برغم الأعادي غاضب الحرف ثائره

وإن جهاد القول للدين نافع *** وكم نصر الإسلام من قبل شاعره

وأختم قولا ما أردت ختامه *** بقول يريح الروحَ والقلبَ عاطره

صلاة على المختار والآل لم تزل *** جلاء لهمّ أثقل القلب زاخره

بها أبتدي قولي وأختم دائما *** ورب كلام زينته أواخره

تفرج هم المسلمين معيدة *** أواصر دين خالدات أواصره  

وإني أرى في الأمر خيرا وإن تكن *** تَخفّتْ بأشكال البلاء ظواهره

فكم من بلاءً حاملٍ تحت ثوبه *** من الفرج المنشود ما الله قادره

وصلّ على المختار مُسيا وبكرة *** صلاةً كمنهلٍّ تجودُ بواكره

وسلّمْ عليه كلّ يومٍ وساعةٍ *** سلاما إذا نشتاق طه نبادره