على مدار الساعة

حماس.. ثمرات الميدان تُترجم انتصارات على طاولة المفاوضات

9 مايو, 2024 - 01:15
عبد الرحمن الحنفي

يُشاهد الناس معركة عسكرية دامت حتى الآن ما يزيد على مائتي يوم، لكنهم يغفلون أن ثمة معركة لا تقل ضراوة عن المعركة العسكرية، ألا وهي معركة المفاوضات.

 

في هذه المعركة يسطر قادة المقاومة أسمى آيات الصمود والثبات ويسددون ضرباتٍ لا تقل إيلاما عن ضربات السِّنان التي تبثها المقاومة في فيديوهات موثقة كلما سنحت الفرصة.

 

وقد كان من آخر جولات التفاوض إعلانُ المقاومة الإسلامية حماس موافقتها المبدئية على صيغة من ثلاث مراحلَ تفضي في المحصلة إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الحصار وإعادة الإعمار.

 

وقد أكدت هذه الموافقة ما كان أكيدا من حنكة مفاوضي المقاومة وقدرتهم على اللعب في ساحات ضعف العدو، ويمكن أن نلخص ذلك في النقاط التالية:

- أنها فاجأت العدو الإسرائيلي، وأربكت حسابات نتنياهو الذي كان يتمنى أن ترفض حماس الصفقة، فيتخذ ذلك ذريعة للدخول إلى رفح؛

 

- أنها قوت موقف الحركة أمام الوسطاء، وأثبتت لهم وللعالم كله أن العدو الإسرائيلي هو الذي يتمنع ويخادع، ويتخذ المفاوضات وسيلةً لإضاعة الوقت وإطالة أمد الحرب؛

 

- أنها أثبتت مسؤولية المفاوض الفلسطيني تجاه شعبه وبرأته من تهمة عدم الاكتراث بأرواح سكان مدينة رفح والتي حاول العدو أن يجعل عدم دخولها ثمنا لقبول صفقة استسلام من طرف المقاومة؛

 

- أنها أثبت لكل ذي لُب أن المقاومة مؤتمنة على مصالح مواطنيها، فقد حققت الصفقة للمقاومة المبادئ التي وضعتها من أول يوم وهي: وقف إطلاق النار، وإطلاق مجموعة من أسراها، ورفع الحصار وإعادة إعمار ما دمرته آلة البطش الإسرائيلية من قطاع غزة....

 

- أنها عرَّت نتنياهو أمام الرأي العام الإسرائيلي، وأكدت أنه هو من يرفض وقف إطلاق النار لمصالحه الشخصية معرضا أسراه للموت بسبب استمرار الحرب،

 

- أنها نقلت الكرة إلى الملعب الإسرائيلي، وجعلت حركة حماس في مأمن من ضغط الوسيطين المصري والقطري بالنظر إلى الإيجابية والمرونة اللتين تحلت بهما الحركة خلال المفاوضات، وأظهرت في المقابل مدى استهتار نتنياهو وتلاعبه بالأمريكيين وبإدارة بايدن التي بدت بيدقا تحركه حِيَّلُ نتنياهو يَمنة ويَسرة؛

 

- أنها وضعت نتنياهو في موقفين قاتلين: فإما أن يقبل الاتفاق فيفقد أعضاء حكومته من اليمين المتطرف، ويفقد معهم كتلتهم البرلمانية التي تشكل ظهيرا يحمي حكومته من السقوط، وإما أن يرفضه فيزيد غضب الشارع الإسرائيلي الغاضب أصلا ويحرج أعضاء الحكومة من الليكود ويزيد الضغط عليهم بضرورة التخلي عن الائتلاف الحاكم،

 

- أنها قد تُفقد نتنياهو ورقة رفح التي طالما اتخذها وسيلة ابتزاز للمفاوض الفلسطيني، فقد اضطر اليوم لاحتلال بوابة رفح من الجانب الفلسطيني وقد يضطر في قابل الأيام إلى توسيع عملياته في رفح ليخسر بذلك آخر ورقة ظل يناور بها، ولا شك أن المقاومة ستكون له بالمرصاد، بل يرجح أن يكون القتال هناك أكثر شراسة، فالمقاومة تدرك أهمية رفح باعتبارها آخر فصل من فصول العدوان الغاشم على غزة، فكسبها يعني كسب الحرب وإحراق آخر ورقة ظل العدو يهدد باستخدامها أداةً للضغط على المقاومة.

 

واستنادا إلى ما سبق، يمكننا القول إن المقاومة قد أثبتت كفاءتها التفاوضية، وقدرتها على استثمار المكاسب الميدانية لتقوية موقفها التفاوضي، وقدرتها على الجمع بين المرونة التي لا تَمس الثوابت ولا تخترق الخطوط الحمراء التي رسمتها من أول يوم، والمبدئية التي تجيد اقتناص الفرص واستغلال السوانح.