على مدار الساعة

نفخ الرماد من نار فارس

16 أبريل, 2024 - 18:52
محمد يحيى ولد باب أحمد

كانت الضربة الإيرانية محسومة سلفا بأحد احتمالين:

- إما أن تكون موجعة فعلا لإسرائيل حتى تكون رادعة لها مستقبلا عن استهداف اهداف ايرانية مباشرة على الأقل، وتمثل بذلك في نفس الوقت معية حقيقية، للمقاومة ووسيلة إضافية لمساعدتها على تحقيق أهدافها المشروعة الطموحة،

 

- وإما أن تكون مجرد مراءات كيدية تبريرية لرد مزعوم من أجل صيانة ماء الوجه لإيران، وهو ما يعنى بالضرورة المساهمة المباشرة في تحقيق أهداف إسرائيل، وهو ما يبدو الآن للأسف أنه سيتحقق فعلا لإسرائيل، بقصد من إيران، أو بغير قصد،

 

كان من أهداف إسرائيل الأساسية منذ بدأت عملية طوفان الأقصى تحويلها للصراع من صراع مقاومة مشروعة ضد محتل غاصب إلى صراع بينها وبين دولة أخرى تغيب فيه حقيقة أصل الصراع ويهيمن عليه ميزان القوى حتى يصبح الهدف المعياري من الصراع هو من ينتصر وليس من هو صاحب الحق، وهذا للأسف ما يبدو أنه سيتحقق لإسرائيل إذا اقتصرت نتائج الضربة الإيرانية على ما وقع حتى الآن.

 

كان من أهداف إسرائيل تخفيف الضغط المتزايد على حكومتها داخليا وخارجيا بسبب الفظائع التي ارتكبتها بحق المدنيين العزل وسببت لها عزلة دولية، حتى مع أقرب حلفائها، وما كان أمامها من خيار حيال تلك العزلة سوى إيقاف الحرب، أو تفكك الحكومة نفسها بسبب التجاذبات، وستمثل أي معركة مباشرة بينها وبين إيران حاليا مخرجا مشرفا من تلك الضغوط، ليس فقط بسبب حتمية  تكاتف الجهود الداخلية للإسرائيليين في مواجهة الخطر الخارجى، بل أيضا لأنه من السهل تماما تسويق إلصاق تهمة الإرهاب الدولي بالحكومة الإيرانية، واستعداد الغرب عامة وأمريكا خاصة لدعم أي عمل عسكري موجه ضد إيران، وبالتالي إنقاذ إسرائيل من ورطة الضغوط الداخلية والخارجية المطبقة عليها قبل الضربة الإيرانية (الرحيمة)، وإظهارها بدلا من ذلك بمظهر الضحية المهددة بالزوال بسبب التهديدات الإيرانية المحدقة، وفقا للصورة الإعلامية التي سيعمل الإعلام الغربي على ترسيخها في الأذهان.

 

لا أريد القول مع بعض القائلين إن هذه الضربة هي مجرد مسرحية أرادت بها إيران إنقاذ إسرائيل من الموقف الحرج الذى وجدت نفسها فيه، وأن عملية طوفان الأقصى من أساسها  لم تكن سوى عملية مشاغلة لإسرائيل عن التفكير جديا في ضرب البرنامج النووي الإيراني،  ولكنه يمكن القول - حسب اعتقادي - بأن محاولة إيران التوفيق ما بين التصميم على الرد علنا على عمليات إسرائيل ضدها في سوريا، وبين التصميم على عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل وأمريكا والغرب عموما هو ما جعل تلك العملية الإيرانية تأتى على ذلك النحو من الفشل العسكري بغض النظر عن أهدافها السياسية الأخرى.

 

وعلى العموم، فقد زادت العملية الإيرانية في توضيح حقيقتين ظلتا بارزتين منذ العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وتأكدتا مع حرب 1973 ضد إسرائيل وما بعدها من أزمات وحروب بما في ذلك حرب الخليج:

الأولى: هي حقيقة أن وجود إسرائيل هو قبل كل شيء استمرار للحرب الصليبية ضد المسلمين، ولكن بطريقة أكثر فاعلية هذه المرة من مجرد حملات تأتى ثم تذهب، أو تندثر، وبالتالي، فإن الحرب معها هي حرب مباشرة مع الغرب بأكمله، وفى مقدمته الولايات المتحدة، وأن تلك الحرب ازدادت أهمية عند الصليبين وحلفاؤهم من اليهود بفعل العوامل الاقتصادية والاستراتيجية المرتبطة بها، وأصبح العامل الديني فيها مجرد عامل من العوامل الأخر.

 

والحقيقة الثانية: هي أنه في ظل الظروف الحالية، ستبقى الوسيلة الأنجع لتحقيق النصر في تلك المعركة المصيرية هي إبقاء المعركة في دائرة المقاومة من أجل تحرير فلسطين من الاستعمار الصهيوني الغاصب بعيدا عن الشعارات الرنانة الأخرى التي تحاول استغلال القضية لمصلحة موقف إيديولوجي معين طائفيا كان أو فئويا أو عرقيا أو تصديرها لثورة أو موقف عقدي ما كائنا ما يكون.

 

فالمقاومة المحلية من الفلسطينيين لتحرير أرضهم من إرهاب الدولة الصهيونية الممنهج  والمؤطر العصابات المستوطنين الهمجية هو الطريق السليم المقنع لشعوب العالم، والمؤثر في إطار حشد التأييد لذلك التحرر على جميع الأصعدة: الإنسانية منها، والقانونية، والدولية وعلى صعيد جميع التنظيمات دولية كانت أو غير حكومية، ومن يريد حقا تحرير هذا الشعب فاليدخل من هذا الباب بمساهماته للفلسطينيين مباشرة سواء أكانت مساهماته فكرية، أو إنسانية، أو عسكرية.. أو ما شئت من أشكال الدعم، على أن يبقى القرار والمواجهة بيد الفلسطينيين أنفسهم في مواجهة المستعمر العنصري الغاصب والمستهتر بجميع المواثيق والشرائع حتى يصبح عمله الوحشي مكشوفا وتبقى الحقيقة ناصعة أمام العالم، وسيبقى كل ما سوى ذلك من جهود مجرد ذر للرماد في العيون من أجل تحقيق أهداف أخر، أو على الأقل قابلا للتأويل بالسلب والإيجاب ومحدود الأثر إن لم يكن أثره أصلا عكسيا..