"حسن" منهمك في ممارسة مهنته، مُعيرٌ جزءًا من انتباهه لمقاطع فيديو يشغلها زميل له بجانبه، صادف سمعه منها شيخاً يلوم العالم العربي والإسلامي على ترك قطاع غزة يواجه الموت منفردا، علق "حسن": "كيف تطلب من دولة آمنة ومستقرة أن تقرر بمحض إرادتها الدخول في حرب؟".
هذا التساؤل الذي أثاره زميلي "حسن"، ما تزال تُكرره الحكامة العربية المسلمة بعد مضي أكثر من 160 يوما من وخز الضمير وسيلان الدماء في غزة، ومنذ أزيد من 75 عاما من انتهاك العرض وسرقة الأرض في عموم بلاد الشام.
ظرفياً، ومع مضي الوقت؛ بدأت الأعين تعتاد مشاهد الدماء، والآذان سماع عدد الشهداء والمصابين، والقلب أنات الثكالى والأطفال الرضع والشيوخ الهجع، ثم حلت كوميديا رمضان بدل بشائر الدعم الجماهيري للشعب الوحيد في كنف الظلم والاضطهاد؛ فالتحق جل المواطنين بحكوماتهم وزعمائهم؛ الناطقين بلا فائدة، الفاعلين بلا تأثير.
وتُجدد المشاهد المظاهر هذه، التساؤل والجواب: "أوَ من قلة" مال أو نقص تعداد سكان هانت أعراضنا ورخصُت دماء بعضنا على بعض وبتنا أمةَ المليار جسد بدل الجسد الواحد؟، لا ولكن صرنا "كغثاء السيل"، بفعل المادية المفرطة وتقوقع أفرادنا وبلداننا على ذواتهم و"حب الدنيا وكراهية الموت".
وإنْ تعجبْ فعَجَبٌ ترديدُ مسلم كلمة التوحيد صباح مساء واغترافه خمس مرات في اليوم والليلة من نهر جار غمر؛ رغبة في التخفف من أدران الدنيا، ومع ذلك لا يتمعر وجهه إلا نادرا لحال إنسان مسلم مثله. يشتركان القِبلة والرسول والمنهج والرسالة، ما نُقِمَ من الأول منهما إلا أنه حر يرفض الخنوع لغير خالقه. فهو يُقتّل ويُصلّب وتُقطع أوصاله من خلاف وتهدم دورُه وتنتهك أعراض نسائه وييتم أطفاله ويجوع آباؤه.
إلى ذلك، هل يا ترى تُغني نرجسية الدول، وأنانية الشعوب؛ شيئا عن صُناعها ومُتبنيها حين نزول النوازل أو دوَران الدوائر؟ ذاكم ما أثبتت التجارب البشرية استحالته، وتناقلت أسفار التاريخ حدوث أضداده، إذ المبدأ أن القوة في الحق فضيلة، وأن "الحدُّ حدّْ راصُ يعگب يغلبُ".
ومن قبلُ كان النص القرآني صريحا في عواقب المنهزمين، أصحاب الهمم المنحطة والخوف من المجهول، أولئك الذين لسان حالهم ومقالهم؛ {نخشى أن تُصيبنا دائرة}، ثم تقرر أن السنن الكونية من يتخلّف يُستبدل، ولا يزال أقوام يتأخرون حتى يؤخرهم الله، ثم يأتي بآخرين {..يحبهم ويُحبونه، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم}.
و"بطبيعة الحال، فالإنسان الذي لا هوية له لا يمكنه أن يبدع، فالإنسان لا يبدع إلا إذا نظر للعالم بمنظاره هو وليس بمنظار الآخرين، لو نظر بمنظار الآخرين، أي لو فقد هويته، فإنه سيكرر ما يقولونه ويصبح تابعاً لهم، كل همه أن يقلدهم أو أن يلحق بهم ويبدع داخل إطارهم، بحيث يصير إبداعه في تشكيلهم الحضاري".
هكذا عبر الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله، ثم يقول في موضع آخر: "ليسَ لدى إسرائيلَ قوّة خاصّة بها. لديها فقط دعايةٌ تبدو قوية جدًا. هناك مصدران خارجيّان للقوّة يبقيانها على قيد الحياة: الأوّل هو الدعم غير المحدود من الولايات المتّحدة. والثاني هو اللامبالاة غير المحدودة للدول العربيَّة".