على مدار الساعة

ويترجل فارس من فرسان حملة لواء الثقافة بولاية لعصابة

17 يناير, 2024 - 01:19
بقلم د. عبد الرحمن سيد علي

ترجل في صمت عن دنيانا الفانية أحد فرسان حملة لواء العلم والتنوير بولاية لعصابة... ذلك الفارس الذي أفنى زهرة حياته بين حجرات ثانويات ولاية لعصابة يزيح عتمات الجهل، ويطارد سراديب التخلف وينير دروب المعارف لكل طلابها، فكان نعم المربي والناصح الأمين... فأينع بذره بأفواج من سدنة العلم والثقافة والاقتصاد والطب... ممن كان لهم الفضل ولا يزال في مسيرة دولتنا الفتية في طريق النماء والازدهار... فلا تكاد تجد طالبا للعلم في تلك الربوع إلا وأخذ حظه من معينه الهادر بأسلوبه الخاص في التدريس وطرائفه الجمة اللذين تركا انطباعا مفعما بالحب والتقدير والإجلال لكل من أخذ عنه العلم أو تعرف عليه...

 

إنه الأستاذ الشهم الأدبي الظريف أستاذ الأجيال: السالم بن عبد الرحمن بن سيد علي المعروف محليا بــ (تيتش) صاحب الخلق السمح والرسالة النبيلة والثقافة الواسعة الذي وافاه الأجل المحتوم ليلة الأحد 7 يناير 2024 مخلفا وراءه دثارا من الحزن والأسى على ربوع هذا الوطن وخصوصا سكان ولاية لعصابة الذي كان يمثل ـ بالنسبة لهم ـ أيقونة التعليم في الولاية، إذ ظل سيبه المعرفي يروي ظمأ أبنائهم الثقافي على مر عقود من الزمن...

 

فلئن كان الموت نجح في حجبه عن الأنظار فإن سيرته الثرة ودماثة أخلاقه وعلومه الجمة التي بثها في صدور أبنائه من تلاميذ هذا الوطن كفيلة ببقاء ذكراه حية في النفوس عصية على الاندثار... ولا غرو فماء العود من حيث يعصر فهو ابن العالم الورع عبد الرحمن بن سيد علي المعروف بـــ (ديمان) صاحب المحظرة الشهيرة محظرة (أهل سيد علي بتفراديت) ذلك الينبوع المتدفق الذي نهل من معينه الكثير من طلاب العلم فخرج الكثير من العلماء والفقهاء والدعاة إلى الله... فكان من أولئك الخريجين ابنه الأستاذ السالم.

 

  مولده: ولد الأستاذ السالم سنة 1943 بولاية لعصابة.

تحصيله المعرفي: شب السالم في بيت علم وقضاء وسيادة وعز ورفعة فنال نصيبه من ذلك المحيط المعرفي والاجتماعي فدرس القرآن في محظرة والده مع بعض المتون المعرفية ثم تنقل بين محاظر ارقيبة طالبا للعلم ومحصلا له حتى قادته رحلته العلمية إلى العالم النحرير لمرابط الحاج بن فحف حيث درس متون اللغة العربية بدءا بالأجرومية وانتهاء بالخلاصة ومتعلقاتها... ثم تاقت روحه لاكتشاف معالم التعليم النظامي فالتحق بمعهد أبي تلميت حتى نال شهادته ثم ارتحل إلى دولة ليبيا فالتحق بالمعهد العربي هناك فتخرج منه ليعود إلى ربوع الوطن حاملا معه مشروعا وطنيا أساسه بناء جيل صاعد من بناة المستقبل وقادة هذا المجتمع إلى طريق النماء والازدهار.

 

التحاقه بالوظيفة: التحلق بالوظيفة أستاذا مزدوجا لمادتي التاريخ واللغة الإنجليزية سنة 1985 ومنذ ذلك الحين وهو مستميت في أداء ما تحمل طواعية من مسؤوليات تجاه هذا الوطن ليقينه الراسخ بأن التعليم هو رافعة الدول والقنطرة التي تمكننا من مسايرة العصر وتجاوز كل المطبات التي تقف عائقا في طريق الرقي والتقدم فكون أجيالا عديدة تقلد بعضها مناصب عليا في مجالات مختلفة كالمجال الثقافي والإداري والسياسي والطبي وحتى العسكري... إنه بحق أحد أساطين النهضة العلمية التي عاشتها ولاية لعصابة إذ شارك فيها  بما يربو على ثلث قرن من العطاء المستمر...

 

رحم الله أستاذ الأجيال السالم وجعل مجهوداته كلها في ميزان حسناته وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله ورزقه الفردوس الأعلى في الجنة رفقة النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين إنه ولي ذلك والقادر عليه.