أيها المسلمون وخاصة الحكام الذين تعلمون أن لكم تأثيرا على ما يجري من عدوان غاشم بحق إخوانكم في فلسطين، تجاوزت وحشيته كل مقاييس الظلم الذي سبقه، وخرج عن دائرة أدني حدود المنطق البشري، بادروا باستغلال هذه الهدنة، وتحركوا سريعا لنصرة إخوانكم المظلومين وإيقاف هذا الجرم الشنيع والإفساد في الأرض...
وأرجوا بذلك من ربكم الوقاية من عقاب كوني إذا نزل - لا قدر الله - لا قبل لأحد منكم ولا من غيركم به. إذا لم تقفوااليوم مع صاحب الحق الضعيف المسكين، وتنصفوه من ظالمه المتجبر المستكبر، فلا تدرون ما الله فاعل بكم غدا إن نصره هو بأمر من عنده. وأنتم تعلمون أن الله يملك وسائل الدمار الشامل التي بإمكانها إزالة الدول والقارات من الوجود في لمح البصر. فهو يملك الخسف والغرق والحاصب والصيحة والريح والصاعقة... وغيرها مما إذا نصر به صاحب الحق وعاقب الظالم والمتقاعس عن نصرة المظلوم فلن يكون بإمكان أي منهم تجنب الهلاك، ولا الإستغاثة بالآخر.
يقول الله عز وجل في محكم كتابه عن ما فعل بقارون وفرعون وهامان الذين استغلوا ما أنعم الله عليهم به من مال وقوة وجاه في ما لا يرضي الله: ﴿... وَقَـٰرُونَ وَفِرۡعَوۡنَ وَهَـٰمَـٰنَۖ وَلَقَدۡ جَاۤءَهُم مُّوسَىٰ بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ فَٱسۡتَكۡبَرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كَانُوا۟ سَـٰبِقِینَ فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِ حَاصِبا وَمِنۡهُم مَّنۡ أَخَذَتۡهُ ٱلصَّیۡحَةُ وَمِنۡهُم مَّنۡ خَسَفۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ وَمِنۡهُم مَّنۡ أَغۡرَقۡنَاۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیَظۡلِمَهُمۡ وَلَـٰكِن كَانُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ..﴾.
ويقول عن أمة عاد التي استكبرت في الأرض بغير الحق وظنت أن قوتها فوق كل قوة (وإنها لشبيهة بأمريكا اليوم) {...فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ ۖ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ...}.
ويقول عن قارون الذي بغي على قومه بعد ما أنعم الله عليه بالمال الوفير والكنوزالعظيمة {... فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِين...}.
أيها الحكام المسلمون إنكم اليوم تفكرون في قوة إسرائيل وقوة أمريكا وأوروبا الداعمتين لها، ويسيطر ذلك التفكير على عقولكم، ويسبب لكم الرعب نظرا لما ترونه من كثرة عدد جيوش هؤلاء وضخامة وتطورالعتاد الحربي المتوفر لديهم. لكنكم تغفلون عن قوة الله المهيمنة على ذلك كله وتتناسون عن أنكم لا محالة ملاقوه، وأنه لن تنفعكم أميريكا ولا غيرها إن غضب عليكم ربكم، وأراد محاسبتكم وهو الجبار شديد العقاب.
ووالله إن عدم نصرتكم اليوم إخوانكم المسلمين في غزة وفلسطين، وهم يقتلون صبيانا ونساءا وشيوخا وشبابا ومرضي... ويشردون وتهدم بيوتهم فوق رؤوسهم وتحرق أراضيهم الزراعية ويمنعون من الماء والدواء والغذاء... وينكل بهم على مرءا منكم ومسمع... ليخشي أن يسبب غضب الله... فلا تبقوا تحت تأثير تلبيس الشيطان، وتغليب بعض الحسابات الدنيوية قصيرة النظر، بل تخلصوا من ذلك الضعف والوهن، واطمحوا إلى ما عند ربكم من نعيم لا حدود له، في هذه الدار أولا (فهو مالك ما عندكم من نفط وذهب ومعادن وموارد طبيعية... وغيرها)، ثم في الدار الآخرة (فعنده الجنة والنعيم الأبدي). وضحوا في سبيل ذلك. فإنكم إن تخليتم، مؤقتا عن قليل من متع الدنيا الزائفة الزائلة، وابتغيتم بذلك وجه ربكم فلربما نلتم منه بقية عيش كريم في هذه الداروآخرأكرم وأسعد وأدوم في الدار الآخرة.
يا من تقول إنك مسلم، وتقود دولة مسلمة وتملك أن تعين المسلمين اليوم في غزة على التصدي لعدوان اليهود الظالمين، فتستطيع مثلا أن ترسل جنودا أو سلاحا أو غذاءا أو دواء أو أن تفتح حدودا ليصل عبرها شيء من ذلك إلى إخوانك المسلمين المستضعفين هناك، فافعل قبل أن تندم غدا وأنت واقف بين يدي من لا تخفي عليه خافية، وهو القائل: {...يوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِر...ٍ}، وتذكر أن ما تخشى عليه من متع الدنيا مهما بلغ فهو إلى زوال ولا ترجى منه فائدة في المستقبل، وأن الترف في الدنيا قد يكون حسرة على صاحبه في الآخرة. يقول الله، وهو الباعث الرقيب الحسيب: {...وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُتْرَفِينَ}.
واعلموا يا قادة المسلمين أيضا أن كل حاكم مسلم اليوم يقف مع هذه القضية سيكون مرتاحا فيما بينه وبين شعبه، مطمئن القلب لمن حوله، ولا يسمع إلا ما يرضيه وترتاح له نفسه. وهذا أسعد له وأحسن من أن يكون في حالة منازعة ومراوغة، إن لم نقل حرب مع رعيته ومحيطه وأمته. فكل المسلمين مجمعين على وجوب الدفاع عن المسجد الأقصى، مسرى نبينا عليه الصلاة والسلام، وأول قبلة لنا، وثالث حرمينا، وعلى حق الفلسطينيين في الدفاع عن أرضهم اللتي عاشوا عليها وعاش عليها أسلافهم... وكل المؤمنين مجمعون على عداوة اليهود لهم لأن الله أخبرنا بذلك في محكم كتابه، فقد قال، جل من قائل {...لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ...}.
ألا ترون معي بأن هذه فرصة اليوم لحكام المسلمين لاستغلال هذه المسألة التي توحد الأمة جميعا ليكونوا حلفا على أساس دينهم يتعاونون به في شؤون دنياهم ويرجون به الفوز عند لقاء مولاهم؟ أولا ترون أيضا أن وزير الخارحية الأمريكي قد سهل لهم هذه المهمة حينما أعلن أنه يدعم إسرائيل بصفته يهوديا، ففتح بذلك الباب للموالاة في العلاقات الدولية والقضايا السياسية على أساس الدين. إنها فرصة ذهبية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فماذا تنتظرون؟
اللهم يا من قلت {...كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} وقلت {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ} ندعوك ربنا بأن تجعل هذه الفئة من المؤمنين في غزة من من تجري على أيديهم آيتك هذه، وأن تنصرجنودها على جنود عدوك وعدوهم وعدو المؤمنين... وأن تسرنا معهم بذلك قريبا، وتشفي به صدورنا وتذهب غيظ قلوبنا عاجلا غير آجل، يا أرحم الراحمين. وأن تسر به معنا كل من يدعوك بذلك من المسلمين. وأن ترفع بهذ النصر راية الإسلام فوق كل راية وتعزه وتخفض كل ما سواها من الرايات يا قوي يا عزيز يا ولي المؤمنين يا ذا الفضل العظيم يا من إذا أردت شيئا إنما تقول له كن فيكون، آمين.