على مدار الساعة

مسؤولية فساد النظام في دولة النيجر على من؟ ومن يصلح لحكمها بعد ذلك؟

14 نوفمبر, 2023 - 16:07
عمر مختار الأنصاري - نيامي - النيجر

بعد انقلاب 26/07/2023 ناقش المواطنون باختلاف مستوياتهم حول المسؤول عن الفساد الذي خلفه النظام السابق ونسبه بعضهم إلى الجنرال سالو جيبو الذي انقلب على الراحل تنجا ممادو لصالح فرنسا وحزب تاريا.

 

بينما يحمل البعض المسؤولية للرئيس السابق محمدو إسوفو باعتباره الحاكم المدني بعد ذاك الانقلاب، في حين اختزل بعض منهم الفساد في فترة الرئيس المعزول بازوم محمد.

 

ويرى آخرون الجمع بين الثلاثة، وكل يتحمل المسؤولية بقدر حكمه وفساده.

 

ولكي ندرك من تقع عليه مسؤولية الدولة فلنبدأ بتعريف الدولة.

الدولة لديها عدة تعريفات متقاربة، ولكن اخترت لكم هذا التعريف لإيجازه وإيفائه بالمقصود، فالدولة: "هي تجمع سياسي يؤسس كيانا ذا اختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدد ويمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة"، وبالتالي فإن العناصر الأساسية لأي دولة هي النظام والشعب والإقليم، بالإضافة إلى السيادة والاعتراف بهذه الدولة، بما يكسبها الشخصية القانونية الدولية، ويمكنها من ممارسة اختصاصات السيادة لاسيما الخارجية.

 

فإذا نظرنا إلى العناصر الأساسية، وهي:

1. الإقليم؛ وهو أرض طبيعية جامدة لا تسند إليها أي مسؤولية، ومع ذلك نحمد الله أن منحنا بالنيجر أرضا بها نهر ومليئة بالواحات والمياه الجوفية والثروات المعدنية؛ أي أيها النيجري وإن أردت إسناد المسؤولية إلى الأرض؛ فالأرض الكريمة الطيبة لم تعطك مجالا لذلك،

 

2. النظام السياسي؛ الدستور النيجري ديموقراطي ينص على أن الشعب مصدر السلطة عبر صناديق الاقتراع؛ فإذن النظام السياسي حمل المسؤولية للشعب السياسي بأكمله، عبر مؤسسات عامة يديرونها،

 

3. الشعب: الشعب النيجري حوالي 25 مليون نسمة؛ ويتكون من عدة عرقيات ويتحدث بعدة لغات محلية؛ ولغتهم الرسمية هي الفرنسية من أثار الاستعمار الفرنسي،

 

فهذا الشعب هو الذي تقع عليه مسؤولية نفسه ودستور بلده كفل له أن جميع المسؤولين عليه منه.

 

فكل مسؤول بهذه الدولة يتم تنصيبه دستوريا برضى الشعب واقتراعهم سواء كان تقليديا او حضريا من عمدة القرية إلى عمدة التجمعات الحضرية؛ وكذلك أعضاء البرلمان ورئيس الجمهورية.

 

قد يقول بعض الشعب الخلل من بعض مواد الدستور؛ فنقول لهم الشعب من وضع الدستور ومن حق الشعب طلب استفتاء لتغيير أي مادة لا يراها تتماشى مع أعرافه وتقاليده؛ ومن حقهم المظاهرات والعصيان المدني حتى يتم الاستجابة لمطالبهم.

 

فالرئيس والبرلماني والوزير والعمدة من الشعب، ورشحهم فئات من الشعب لتنظيم شؤونهم المحلية والخارجية.

 

مثلا الرئيس: "أي نيجري من أبوين نيجريين وله مستوى الشهادة الثانوية وما يعادلها وليس لديه سوابق عدلية" يحق له الترشح لمنصب الرئاسة ويقدم برنامجه للشعب وحظه متوقف على انتخاب الشعب له.

 

فإذا خان مسؤول ما أمانة الشعب بأي سلطة كانت؛ قضائية أو تشريعية أو تنفيذية؛ فالشعب من يؤدبه، وأقل شيء بإقالته منها؛ وعدم انتخابه مرة أخرى.

 

بعض الأمثلة التي توضح تخلي الشعب عن مسؤولياته ويطالب بها الأفراد:

- قيل تم انتخاب رئيس لم ينتخبه الشعب؛ والشعب سكت عن ذلك؛ فلا شك أن الظاهر أن هناك أغلبية راضية بهذا الاختيار؛ وإلا خرج الشعب عفويا مدافعا عن إرادته.

- حدث اعتقال شخصية سياسية بارزة ويزعم أطياف من الشعب أنه بريء ومظلوم؛ وقبع شهورا بالسجن بدون أي كفاح شعبي؛ فبذلك يبدو كأنه لا يمثل إرادة أكثر من عشرات الأشخاص.

 

فإذا لم يكافح الشعب من أجل إثبات إراداته عبر الوسائل السلمية المشروعة من انتخابات نزيهة؛ ومظاهرات سلمية وعصيان مدني؛ فلا ينتظر من أي فرد مسؤول احترام تلك الإرادة التي تخلى عنها أغلب الشعب.

 

المؤسسات العامة ملك للشعب وعلى الشعب الحفاظ على سلامتها وديمومتها؛ وسلامتها تشمل تنقيتها من الفساد الإداري.

 

فبناء على ما تقدم كلنا شركاء في سوء إدارة دولتنا بشكل أو بآخر سواء بخيانة القضاء أو الإدارة أو التعليم أو الصحة أو التربية العامة والمنزلية أو خيانة الإعلام الاستقصائي وخيانة النصح للمسؤولين.

 

كما في الحديث الشريف "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".

 

وإذا فشل الراعي فعلينا تغييره قبل فساد كل الرعيّة.

 

الشعب؛ أنا وأنتَ وهو وهي؛ جميعنا مسؤولون عن الوطن وتنميته وحمايته من الفساد والفاسدين.

 

أما فلان وعلان فمجرد ألقاب تمر صالحة أم طالحة وتجازى بما فعلت في العاجلة – غالبا - قبل الآجلة.

 

ورئيس الجمهورية نفسه قد يصطدم باتفاقيات مجحفة بحق الشعب، ولا يمكن التنصل منها إلا بمساعدة الشعب برفضها.

 

والآن، تمر البلاد بمرحلة فاصلة مثل فترة سالو جيبو الذي يحمله البعض المسؤولية والغريب أن بعض من يحمل سالو المسؤولية يشجع العسكر حاليا على الانقلاب؛ والأغرب أن بعض من يحمل سالو المسؤولية اليوم كان قبل 13عاما يراه البطل المنقذ من دكتاتورية تنجا.

 

أنا شخصيا ضد النظام المخلوع لفساده ومجيئه عن طريق انقلاب دستوري، وتزوير الانتخابات؛ ولكن أرى أن الحل في الحلول المدنية السلمية بالعصيان المدني والمظاهرات وليس الانقلابات العسكرية.

 

فالانقلابات العسكرية لا تمثل الارادة الشعبية؛ ويجرمها الدستور كذلك، وغالبا ما تتنهج سياسة القمع لكل من ينتقدهم.

 

فالحل حاليا الإعلان عن خارطة طريق لمرحلة انتقالية معقولة باتفاق مع المجتمع الدولي لإخراج البلاد من هذه الأزمة السياسية والرجوع إلى النظام الدستوري.

 

من يصلح للحكم اليوم بعد معاناة أكثر من عقد في دوامة الفساد الإداري والمالي؟!

يناقش نخب من الشعب النيجري اليوم هذه الأزمة ويرى بعض الشباب تحييد شيوخ مؤتمر التسعينات الذين يسيطرون على المشهد بالتناوب منذ ثلاثة عقود؛ وأنهم عبارة عن نسخ مكررة وإن اختلفوا في بعض الجزئيات البسيطة.

 

فيما يرى آخرون أنه ينبغي أن يتولى المرحلة القادمة بعض أولئك الشيوخ باعتبارهم خبراء مخضرمين لديهم باع طويل في إدارة الدولة والمناورات السياسية.

 

الحل حسب وجهة نظري اتفاق الجانبين على عدم تحييد أي طرف فالدولة بحاجة إليهم جميعا؛ في حاجة إلى قيادات شابة، كما أنها بحاجة إلى مشورة شيوخها.

 

فليترشح الشباب والشيوخ معا وينتخب الشعب النيجري من يراه مناسبا وبعد فوز أحدهم بالانتخابات هنا يقع الخاسر في اختبار الوطنية الأصعب هل يعارض النظام من أجل المصالح العامة للشعب النيجري أو من أجل السلطة فقط.

 

فعلى الفائز العدل بين جميع المواطنين بغض النظر عن ميولاتهم الحزبية فهو رئيس لجميع النيجريين بمجرد انتخابه ولم يعد رئيسا للحزب؛ وكل مواطن تعرض لمضايقات من السلطة لانتمائه لحزب من الأحزاب عليه رفع الدعوى على من ضايقه وإن كان رئيسا للجمهورية.

 

كما يجب على المعارضة مراقبة أداء الحكومة بإنصاف وأن تحاول سد الخلل؛ ولا تسعى لإيجاد أزمات وهمية من أجل التشفي من الحكومة وتفرق بين الأخطاء الإدارية؛ والكوارث الطبيعية.

 

وتقدم حلولا واقعية وليس خطابات وعنتريات شعبوية؛ يتندر بها عليهم عندما يصلون للحكم.

 

وعلى كل حال، الرئيس وحكومته والبرلمان فئات من الشعب، يحكمون الشعب بإرادته وبموارده؛ ليسوا بمعصومين وليس لديهم عصا سحرية لحل مشاكل الدولة الأمنية والتنموية بين عشية وضحاها؛ فالشعب كله رجال أمن؛ ورجال تنمية؛ فعلى الشعب النيجري التحرك والعمل في جميع المؤسسات والاتجاهات، ومن المعيب القعود والتخلف ولوم أفراد حملتموهم مسؤولية تقاعسكم وكسلكم.

 

أظن أن الأزمة الحالية درس لكل نيجري فكما تأثر بها كل فرد من أفراد الشعب؛ فكذلك كل فرد مسؤول بشكل او بآخر بالمساهمة في حدوثها وفي حلها كذلك.

مصيرنا واحد وكلنا مسؤول.

حفظ الله النيجر وشعبها

ولتحيا النيجر آمنة مستقرة ومزدهرة.