على مدار الساعة

الإعدادية الشنقيطية الكبرى (1)

16 أكتوبر, 2023 - 00:20
د. عبد الرحمن عثمان - مسؤول التعاقدات والاكتتابات في تجمع دكاترة الشريعة المعطلين - abrimtc@gmail.com

مما ينغصني في أرض أندلس *** أسماء معتصم فيها ومعتضدِ

أسماءُ مملكة في غير موضعها *** كالهرِّ يحكي انتفاخا صولة الأسد

 

كان ذلك وصف الأديب علي الحصري القيرواني لحال الأندلس بعد تقسيمها؛ حيث تسمى كل مالك قطعة أرضية بها بالملك أو السلطان، وبما أن التاريخ يعيد نفسه فقد تذكرت هذا البيت السيار وأنا أتأمل واقع إحدى مؤسسات التعليم العالي الشرعي بالبلد؛ حيث كانت الآمال معلقة عليها عند الإعلان عن تأسيسها، ولكن الشبهات بدأت تحوم حولها منذ انطلاقتها؛ حيث انتبذت مكانا قصيا، حتى لا يكشف أمرها، فاتخذ القائمون عليها مجموعة حاويات لسكن الطلاب وفصول الدراسة، ولو ابتنوا لها خياما لكان ذلك أشرف وأعظم هيبة في النفوس؛ إذ يحيل إلى المحظرة الشنقيطية العريقة المعروفة بالكحلاء والصفراء، والتي كان مقرها خيمتان صفراء وكحلاء، ولو اتخذوا ظهور العيس مدرسة لكانوا ساروا على آثار العلامة المختار بونا في قوله:

ونحن ركب من الأشراف منتظم... إلخ

 

لكن أن تتخذ هذه المؤسسة مجمعا من الحاويات مقرا لها، في عصر العولمة والتحضر، فهذا ما لم نسبق إليه، فليسجل في الأوليات.

 

لقد سارت هذه المؤسسة الوليدة منذ أول يوم من تأسيسها على شفا جرف هار، بدءا باختيار الطاقم الإداري والتدريسي؛ حيث اختير بناء على المحسوبية والزبونية، ولا زلت أذكر اجتماع تسوية جمعنا في مكتب دكاترة العلوم الشرعية المعطلين برأس الوزارة المعنية، وعرض علينا فيه أن يختارنا نحن الحاضرين في مسابقة عقود هزيلة؛ ليسكتنا عن الدفاع عن حقوق دكاترة الشريعة، ولكن هيهات!

 

وقد كانت مسابقة العقود الهزيلة تلك مهزلة من مهازل التاريخ، وقد اعتادت مؤسسات التعليم العالي الشرعي - وتلك سنة خبيثة - على منع العقدويين من نسخ عقودهم حتى لا ينالوا حقوقهم أمام الجهات القانونية، فما إن يوقع المتعاقد على عقده في ورقة بيضاء حتى يسحب منه.

 

وبالرجوع إلى الطاقم التدريسي للمؤسسة فقد أثقل كاهل تلك المؤسسة المسكينة بالعقدويين المساكين، حتى تعاقدوا هذا العام مع صاحب وراقة تخرج لتوه من المؤسسة نفسها وهو يحمل شهادة الليصانص، بينما يجر العلماء الأكاديميون أزمتهم في شوارع نواكشوط، أما عقود المحاباة التي يتحف بها أعضاء إحدى الهيئات العلمية الرسمية المشيخية، ومديرو المصالح في وزارة الشؤون الإفسادية فذلك درب من الفساد لا نهاية له، حتى وصل به الأمر إلى منح عقود لبعض الأشخاص الذين ليست لديهم شهادة الباكلوريا بحسب بعض إداريي المؤسسة نفسها.

 

ومن الطريف أن المدير المساعد لهذه المؤسسة الجامعية أستاذ إعدادية عين لعيون وزير سابق للشؤون الإفسادية، حتى اتهم كثيرون مدير المؤسسة بمداهنة بارونات الفساد طمعا في مأمورية ثانية، فعلام نلام إن سميناها "الإعدادية الشنقيطية الكبرى"؟

 

وفيما يلي بعض المخالفات القانونية الصريحة التي وقعت فيها هذه المؤسسة:

- المدير المساعد الحالي: وهو أستاذ اعدادية عين بمرسوم من مجلس الوزراء، ومع مخالفة تعيينه فإنه تجاوز مأموريته القانونية، فقد عين 16 مايو 2019 ومأموريته 4 سنوات كما تنص عليه المادة: 22 جديدة من القانون رقم: 29/2016 المنظم للتعليم العالي.

 

- المدير العام: وهو وإن كان تعيينه قانونيا إلا أنه تجاوز مأموريته، فقد عين في 16 مايو 2019 ومأموريته 4 سنوات كما تنص عليه المادة: 29 من القانون رقم: 043/2010 والمادة: 22 جديدة من القانون رقم: 29/2016 المنظم للتعليم العالي.

 

- المدير التربوي: وهو من خارج الإطار التربوي للمؤسسة، ولا يحمل شهادة الدكتوراه، وهو معين بمقرر صادر من وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي.

 

- الأمين العام: وهو عون إداري لا يحمل سوى شهادة الباكلوريا، معين بمقرر صادر من وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي

 

- مستشارو المدير: واختيارهم مخالف للشروط الأكاديمية، وأكثرهم من خارج المؤسسة، بينما تزخر المؤسسة بالأساتذة الأكاديميين الأكفاء، ولا يتطلب تعيينهم غير مذكرة من مدير المؤسسة.

 

- مدير المكتبة: وهو لا يحمل أي شهادة، مما يعني أن اختياره مخالف للشروط الأكاديمية والعلمية والمهام المسندة إليه، وهو معين بمذكرة من مدير المؤسسة.

 

أعود فأقول: إن ما آلت إليه هذه المؤسسة يحزننا ويؤلمنا، وحتى يكون هذا المقال الذي جسد الداء وصف الدواء فإن الخطة التي يجب اتباعها لإصلاح هذه المؤسسة الشرعية تتمثل فيما يلي:

- اتخاذ مبان لائقة بالعلم وأهله وطلابه.

- مراجعة المناهج الحائرة للمؤسسة التي لم نعرف أهي مؤسسة تعليم عال أم معهد أهلي!

- تنقية الطاقم الإداري والعلمي، واختيار الأكفاء من الأكاديميين الدكاترة؛ حفاظا على سمعة المؤسسة ومراعاة لاستفادة الطلاب والباحثين.

- تأسيس مركز بحثي يعنى بالمؤتمرات والندوات العلمية المكتوبة، وإدارة المجلات العلمية المحكمة، ومتابعة نشر أعضاء هيئة التدريس.

- إلزام أعضاء هيئة التدريس بنشر المقالات والأبحاث العلمية في المجلات الموثوقة المفهرسة.

- اكتتاب دكاترة في التخصصات الشاغرة، والتي من بينها المقاعد التي لم ينجح بها أحد في المسابقة الأخيرة كمقعد الحديث الشريف وغيره.

- التزام الشفافية في التعاقدات التي تبرم مع الأساتذة المدرسين.

- إعطاء العقدويين نسخا من عقودهم؛ لحماية حقوقهم أمام الجهات المختصة.