على مدار الساعة

مهرجان مدن التراث في دورته الحادية عشرة للسنة 2023 م

5 فبراير, 2023 - 18:48
الشيخ سيد أحمد ولد باب أمين

لقد حضرتُ مؤخرا في تيشيت، بصفتي أحد مواطني هذه المدينة العريقة، فعاليات مهرجان مدن التراث الذي تنظمه سنويا الوزارة المكلفة بالثقافة في إحدى مدننا الأربع القديمة: شنقيط ووادان وتيشيت وولاته المدرجة جميعها ضمن لائحة التراث العالمي.

 

وخلافا لسابقتيها المنظمتين في نفس المدينة سنة 2013 و2017 على التوالي، يسعدني أن أسجل بارتياح النجاح الكبير الذي ميز هذه الدورة من المهرجان.

 

ذلك أن الأهمية الخاصة التي أولتها السلطات العمومية وعلى رأسها السيد رئيس الجمهورية لهذا الحدث من خلال الانجازات الهامة التي قيم بها في ميادين حيوية كتوفير الماء الشروب والكهرباء وحماية وتنمية وسقي حدائق النخيل إضافة إلى وضع الحجر الأساس لمشاريع في قطاعي الصحة والتعليم على الخصوص، كل ذلك شكل بالفعل تجسيدا ملموسا للالتزامات التي أعلن عنها السيد الرئيس في خطابه بشنقيط يوم العاشر من نوفمبر 2019.

 

ومن الناحية الرمزية فكم كان سكان تيشيت ممتنين لتشريفهم من طرف السيد الرئيس والسيدة الأولى بالمبيت ليلتين كاملتين لأول مرة في تاريخ هذا المهرجان بالمدينة التي تستضيفه.

 

وفيما يخص المضمون الثقافي والفني فإن هذه الدورة من المهرجان تكللت كذلك بنجاح كبير وكانت أوسع شمولا مقارنة بالدورات السابقة. كما أن الطابع الجمالي وتصميم المسرح والإخراج والتصميم التصويري كل ذلك كان على مستوى ملفت للنظر.

 

وأخيرا، وليس آخرا تجب شهادة تقدير مستحق في حق وزارة الثقافة والصانعة لهذا النجاح وعلى رأسها الوزير النشط محمد ولد اسويدات الذي اضطلع بمهمة جسيمة هي تنفيذ وتنسيق جميع الأنشطة المبرمجة بهذه المناسبة وذلك في حيز زمني قياسي، تساعده في ذلك أمينته العامة الصارمة امعيزيزه منت كربالى مع مديره الودود للمؤسسة الوطنية لصيانة المدن القديمة عدنان ولد بيروك ومستشاريه ومعاونيه الآخرين وجميع رجالات الثقافة الأكفاء والذين لعجزي عن ذكرهم جميعا بالاسم أكتفى منهم بذكر العلامة الألمعي والنائب المحترم الخليل ولد النحوي وكذلك الأديب والشاعر الموهوب الشيخ ولد معاذ ولد سيد عبد الله الذين سعدت بلقائهما بهذه المناسبة.

 

وبطبيعة الحال وكأي عمل بشري لم يخل هذا المهرجان على غرار جميع سابقيه من بعض المآخذ خاصة من الناحية التنظيمية وبالأخص فيما يتعلق بالترتيبات البروتوكولية التي أرى أنها كانت في بعض الأحيان دون المستوى المطلوب.

 

ومن جهة أخرى، وفي الجانب الثقافي والتاريخي، لم أكن منفردا في شجب دور بعض المشاركين الموغلين في التحمس بل والإقصائيين سواء كانوا منحدرين من مدينة تيشيت أو من غيرها والذين أعادوا على مسامعنا، هذه السنة من جديد، صورا نمطية ممجوجة وادعاءات قطعية لا يكسبها دوام التكرار المزيد من المصداقية، كل ذلك لغرض إحياء جدل صبياني أزلي حول أسبقية أو أفضلية هذه المجموعة أو تلك أو هذه الشخصية التاريخية أو تلك على مستوى مدينتنا العريقة.

 

وقد تطلب هذا السيل اللفظي من بعض المنزعجين منه الكثير من الحكمة وضبط الأعصاب لكيلا يردوا على ما يشبه حملة دعائية خارجة عن السياق الزمني زيادة على أنها كانت مملة.

 

وفي هذا الإطار أرى أن المسئولين عن الجانب الثقافي والتاريخي من المهرجان يجب أن يقوموا مستقبلا بقدر من الرقابة المسبقة على مضمون المساهمات لجعلها تتحاشى التطرق لمواضيع خلافية من شأنها إثارة جدل غير ضروري كما هو الحال أيضا بالنسبة لجميع مدننا التاريخية الأخرى التي تكمن فيها تناقضات شبيهة بتلك الموجودة في مجموعات تيشيت والتي يمكن لأي فرد منها، حين يسمح بذلك، أن يحاول الاستئثار بحصة الأسد كيفما شاء.

 

أختم بالقول إن سكان تيشيت رغم كونهم لم يحظوا بعد بتحقيق ألحَّ مطالبهم وهو ربط مدينتهم بباقي البلد عبر طريق حقيقية، فإنهم ممتنون كل الامتنان للإنجازات التي تمت هذه السنة والأخرى التي يجرى العمل على إتمامها في قطاعات حيوية لصالحهم والتي ستساعد كثيرا في تحسين ظروف حياتهم.

 

لذا وباسمهم جميعا فإني أسمح لنفسي، استغلالا لنصيبي من حق الأقدمين، أن أتقدم بالشكر الجزيل للسيد رئيس الجمهورية ووزيره الأول وأعضاء الحكومة وكافة مسئولي مصالح الدولة على ما يقومون به من جهد فى إنقاذ مدننا التاريخية من التدهور بعد طول الإهمال إن لم نقل النسيان.