على مدار الساعة

"ليلة عند الدرك"، القصة الكاملة لاعتقالي

30 يونيو, 2017 - 18:29
عبد الحي ولد أبنو ـ إعلامي

قامت دورية من الدرك الثانية صباحا في تيارت بتوقيف سيارة يقودها أطفال براعم صغار سيتضح لاحقا أنها لوالد أحدهم أخذها دون علمه فقام أفراد الدورية بإنزالهم من السيارة وبعد حوار لم يتجاوز الدقيقة بدأت أصوات الدورية تتعالى فنزل من السيارة الموقوفة أربعة صبية صغار السن والشكل فقصف أفراد الدورية  مؤخرة  السيارة العسكرية بالصبية رميا فيها وكأنهم دمى  إسفنجية بدأوا في التحقيق العجيب،

 

قائد الدورية  بلغ من الهمجية شأوا عجيبا، زفراته  ونهراته وسبابه في تصاعد متسارع وجمر الشر يغلي في عينيه  حتى وصل به الأمر إلى لحظة الانفجار  فانفجر بشكل هستيري ضربا على ما واجهه من أجسام تلك الأطفال  بتلك الأيادي التي تدل على تحكم القدرة الإلهية في مستوى الأناقة سلبا وإيجابا، كان ضربه لهم بوحشية وهمجية لا يوصف، كانت العنصرية  المقيتة والحقد الدفين يعبران بلسان فصيح في توجيهه للضربات  كان ضربه  ولا  ضربَ غرائب الإبل.

 

كنت رفقة بعض الشباب على مسافة غير بعيدة  حيث راقبنا المشهد بصدمة عجيبة أعددت مؤهلاتي الإعلامية لتوثيق الحدث أخذت مكاني المناسب وبعد هنيهة اكتشفوني وطلبوا مني الاقتراب.

 

اقتربت فقام الدركي الهمجي بالتوجه إليَ وطلب أوراق السيارة ثم سأل عن مهنتي قلت صحفي قال لي سترى إلى ماذا ستوصلك صحفيتك. أرعد وأزبد وعد وتوعد أجبته أنت تؤدي مهنتك كما يحلو لك وأنا أمارس مهنتي كما يملي علي ضميري والفيصل بيننا القانون..

 

عاد الى السيارة واستأنف جهوده اتجاه  الصبية البراعم،  ومن شدة احتقان المتجمهرين تجاه التصرفات الهمجية هذه انفجر أحد الشباب  المراقبين للمشهد مقتربا منهم وهاجمهم لفظيا ناقدا تصرفاتهم تجاه قاصرين بهذه العدوانية التي تفوح منها رائحة العنصرية بشدة، قاموا باعتقاله في الحين وتحركت الدورية طالبة مني مرافقتها لكن ما إن قطعنا  حوالي ثلاث مائة متر حتى لحقت بنا دورية سيتضح لاحقا لنا أنها كانت على موعد معنا نزل منها شاب حاد الملامح  صارم التعابير لم ألاحظ ملاحظة سلبية عليه وبدأ يسأل زملاءه عن الموضوع..

 

عندها دخلت على الخط وساطة لإطلاق سراح الشاب المعتقل واستمرت المفاوضات حوالي عشرين دقيقة وقبلوا الوساطة بعد أن اعتذر منهم الشاب وطلب منهم الصفح بشفاعة الشافع  المتوسِط.

 

  نزلتُ أنا من سيارتي لتوديع الشاب فإذا بجماعات من من شهدوا المشهد الفظيع قد لحقوا بنا بسياراتهم وعلى رأسهم قامة شامخة في العلم والتصوف وكان معه ابن عمه وكان أبوهما صالحا وهو الشيخ المجاهد الشيخ ماء العينين ومن شحنة الآية نستشهد، قالوا لنا نحن معكم حتى النهاية المسألة حدثت أمام أعيننا.

 

قام العسكري الذي أقتادني بمحاولة طردهم ولكنه لم يُوفق فموقفه يَضعف أمام زملائه  من الدورية  الثانية التي لم تحضر المشهد فرآني مبتسما فجن جنونه وقام  بتوجيه التهديدات والوعد والوعيد إليَ، عندها قلت له عنصريتك مكشوفة وضربك للأطفال وبهذه الهمجية أمر مخزي ومثلك يدنس ثياب الدرك فجن جنونه أكثر وكاد أن ينهال عليَ بالضرب لولا أن كبحه العسكري المحترم الصارم وأمره بدخول سيارته وأمرني بدخول سيارتي وانطلق الجميع باتجاه فرقة الدرك القائمة في دار النعيم .

 

وصلنا بعد أن جبنا جميع منعرجات دار النعيم بنكهة  مسحوق الطين اللازب على الطرقات، وفور وصولنا وصلت سيارة صاحب السيارة المختطفة من طرف ابنه وانهال على الأطفال  "مسحا" بالسوق والأعناق موهما الرائي أنه يضربهم وهو في الحقيقة لم يضربهم، هدأه أحد أفراد فرقة درك دار النعيم و سأتعرف على هذا الدركي لاحقا لأجده في  غاية الأخلاق والمهنية .

 

دخلنا مبنى فرقة دار النعيم حيث وجدت القائد المداوم ومساعده وكانت لي جولات وصولات مع الدركي العنصري حيث نثر كنانة سبابه النتنة واختار أنتنها لفظا وأخبثها ريحا حيث تأتيك الرياح بما لا يشتهي أنفك من نتانات مصاحبة لتلك الألفاظ النابية والتهديدات الهمجية  على إيقاع عنصريته الدفينة.

 

وهمَ بضربي أكثر من مرة كلما هممت بالحديث إجابة على أسئلة القائد المداوم قلت له أعصابي "اگلاص" ولن تكممني ولن تكسر قلمي فثيابك التي تجعلك سلطة بالقانون هي التي دنستها بمخالفته "واللا انشالله اتعود مزغرته جداة عدوك واتمسني بيدك.."، زجرني  قائد الدورية الثانية وأمرني بالخروج حتى ينتهوا من التحقيق مع الصبية.

 

بعد انتهاء التحقيق معهم لم يجدوا من إجرامهم إلا أخذَ أحدهم سيارة والده دون علمه أما الأطفال الآخرون فلم يكن بعلمهم أن سيارة صديقهم مأخوذة دون إذن والده فأمر القائد بالتحفظ عليهم حتى الصباح بناء على حوار جرى مع مالك السيارة ذلك الحوار الذي لم أحضره ولم أغب عنه وذهب الدركي العنصري ليمارس هوايته السادية على البشر.

 

 

بقيت مع القائد المداوم للفرقة ومعه دركي يساعده كانا في غاية دماثة الأخلاق ورزانتها وكانا على مستوى عالٍ من المهنية والذكاء، عندما شرع في كتابة معلوماتي قال إذن الدكتور بدي ولد أبنو يقرب إليك؟ أجبته: نعم، قال مبتسما: لا حظت الشبه "والله الل وخرت"، ولكن عجيب!! الدكتور التقيته عندما كنت أعمل في مطار أم التونسي وكان على مستوى عالٍ من هدوء الطبع ومثالية الأخلاق وأنت بهذا المستوى  من "شين الصنعة"!! أجبته: "فيه گاع اللي ماهو ذاك اولا جبتو منو"، ولكن كنْ على يقين أنه لن يسكت إذا رأى مشهدا مثل المشهد الذي رأيت والذي شهد عليه العشرات من الذين يتجمهرون الآن أمام مبناكم.  قال: إذن سنستضيفك بقية الليلة حتى يأتي القائد، وضع لي فراشا ومخدة وكان مكاني غير بعيد منه تجاذبنا أطراف الحديث فوجدته مثقفا بامتياز وعسكريا بكل ما في الكلمة من معنى ملتزما ومؤمنا بأهمية الدور الموكل إليه وكان قانونيا محنكا ..

 

بعد صلاتنا للفجر  أيقظ القائد المداوم الأطفال وأمرهم بالصلاة وأمر مساعده أن يحضرهم للتحقيق كلا على حدة،  فصلى الأطفال الفجر وبدأ التحقيق، كان الأطفال في غاية البراءة و"اتشيشير" وكان تحقيقه معهم يتميز بصرامة حريرية الملمس ودهاء عاصيُّ المنطق  .

 

كان العسكري بمثابة الكفارة عن تصرفات الدركي الهمجي العنصري، فانتهى تحقيقه معهم وبدأ مساعده بإعداد الإفطار فتجاذبت مع المساعد أطراف الحديث فكان من نفس مدرسة أخلاق القائد المداوم .

 

وصل القائد الفعلي وأنا نائم، فأيقظوني وأخبروني بوصوله وأنه بانتظاري في مكتبه وكان بدوره عالي الأخلاق له جانبه العسكري القوي وشخصه "الإگيدي" الهادئ الظريف..

 

 سألني عن الموضوع ودافع عن الدركي العنصري ولم يقبل أن يكون تصرفه على ما رأيت فقلت له: أفرادكم ليسوا معصومين والتصرف شهد عليه العشرات والعنصرية تتطاير من مكان الحادث فيفترض منكم التحقيق معه بدل تبرئته وأنا صحفي في دولة ديمقراطية تم اعتقالي خلال تأديتي لواجبي دون أن أتدخل ببنت شفة في عملهم. فقال لي: أنا  أريد إنهاء الموضوع،  نحن نعتذر لك، وأطلب منك بشكل شخصي أن تحذف الصورة التي نشرت. قلت له: بكل سرور، لكن حذفي لها لا يفيد؛ فالموضوع غالبا سيكون قد تم نسخه. قال: هو طلب نفذه أو لا تنفذه، قمت بالموضوع على النحو الذي طلب وكان بمرآى عينه، وودعته وودعت القائد المداوم ومساعده.