على مدار الساعة

كيف نفهم الإسلام (31) الرق والإسلام  (4)

6 سبتمبر, 2022 - 17:59
الأستاذ محمدو بن البار

وصلنا في الحلقة الماضية من هذا العنوان إلى أنه لا رق في الإسلام إلا رقا واحدا ناتجا عن الجهاد الشرعي المستوفي الشروط، وبذلك يكون ما كان منه في غرب إفريقيا بما فيها موريتانيا رق جاهلي وأسبابه كثيرة ومعروفة.

 

وقد أثبتنا ذلك في الحلقات الماضية بالنصوص الإسلامية والاستقراء التاريخي إلا أن هذه الشعوب الإسلامية في غرب وجنوب إفريقيا أدمجت رقها الجاهلي بالرق الإسلامي في معاملة الرقيق من البيع والتسري بنسائه بدون عقد، وجواز اشتراك ملك شخص واحد لأشخاص متعددين وغير ذلك من ما هو مفصل في كتب الفقه عندما فصلوا الاسترقاق الشرعي.

 

ولكن مع الأسف لم تتبع هذه الشعوب طريق الإسلام في معاملة الرقيق من مساواة في المطعم والملبس والتعليم إلى آخره طبقا للمساواة عند الله في التكليف في الدنيا والجزاء عليه في الآخرة.

 

ومن هذه الخصوصية توصية الإسلام بالتخلص من هذا الملك الاستثنائي في أقرب فرصة، وقد أكثر الإسلام من تلك الفرص حتى يخيل للقارئ أن الإسلام يقول لأصحابه: تخلصوا من أرقائكم بالعتق، فالرق إجراء خاص وقتي وقد انتهي وقته بل الإسلام قال ذلك صراحة في آية خاصة بالعتق يقول تعالى: {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا} والعرب تعرف أن النكرة تتحقق بأقل جزء منها، فإذا كان عند العبد أقل ما يطلق عليه اسم المال فليأخذه السيد وجوبا ويصير العبد بعد ذلك حرا.

 

والأمر هنا للوجوب لأنه صادر من الله كما هو معروف في أصول الفقه، وهذا في الرق الشرعي، أما أي استرقاق آخر عن غير طريق الأسر في الجهاد الشرعي فهو كبيرة من أكبر الكبائر عند الله يجب التخلص منه فورا.

 

وعلى كل حال انتقل من مناقشة إسلامية الرق بعد تمحض جاهليته هنا في موريتانيا وما وراءها من الشعوب الإسلامية لأبين آثاره التالية: من هم الأرقاء في موريتانيا؟ ومن يتحمل ثقل تبعاته؟ وكيف التخلص منه قبل يوم القيامة؟ وما هي طريقة ذلك التخلص؟ ومن المسؤول عن التنفيذ؟ إلى آخره.

 

وقبل توضيح الفقرات أعلاه أنبه إلى من الناس من عندما يسمع الحق تفيض أعينهم بالدمع لمعرفته، ومنهم من إذا ذكروا لا يذكرون، ومنهم إنس ولكن حول الله طبائعهم إلى شياطين: {وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم}.

 

فلا يظن الكاتب أنه يلقي درسا علي طلابه وهم يتسابقون للانتفاع به – فالخطاب الديمقراطي لا يتماشى ولا يلتفت إليه من وصف الله قلوبهم ببناة مسجد الضرار: {لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم} فليفهم الكتاب ما ينبغي إجراؤه مع أولئك.

 

وبناء على هذه الحقائق فإني أبدأ بتوضيح معاملة المسلم الموريتاني مع آثار الرق طبقا للشرع الإسلامي، فمن يرد رضي الناس خارج الشرع أغضب ربه ولن يجد رضي الخلق ومن قتلته الشريعة فلا أحياه الله.

 

أولا: فعلى الموريتانيين أن يحددوا من هم الأرقاء؟ ويقومون بإحصاء حتى يتميز من جعلتهم السياسة ومنافعها أرقاء ومن لم يجعل الله عليه رقا أصلا، فالذين يتكلمون الآن عن طلب الانعتاق ويتحزبون له، هؤلاء جعلوا الرق لونا وكذلك الشرائح جعلوها لونا واحدا دون جعل اللغة هي مصدر الشريحة أو الجنس كما أرادها الله، فكل من يتحد في اللغة فهو متحد في القومية وهي الشريحة، ولذا حطم القرآن عقول الجاهلية عندما قالوا إن القرآن العربي علمه أعجمي لمحمد صلى الله عليه وسلم العربي يقول تعالى: {لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين}، والله عبر هنا بكلمة لسان ولم يقل هذا إنسان عربي لأن الإنسان قد يكون أعجميا ويتعلم العربية ولكن لغة لسان الميلاد في زمن أمية الإنسان هي قوميته، فالشعوب الإسلامية يجمعها الإسلام ولكن كل أهل لسان قومية ولو لم يجمعهم دين.

 

وهذه الفكرة هي التي فهمها قوم أصحاب عقول ملأها الله لهم من الأخلاق والمروءة والشهامة شكلوا بسببها منظمة "أخوك الحر"، ولم يقولوا أخوك الحرطاني لأنهم أرادوا حرية الأرقاء ولم يقصدوا حرية الأحرار أصلا الذين خلقهم الله هم وآباؤهم أحرارا من الذين سمتهم الحسانية في غرب البلاد الحراطين وفي شرق البلاد بالخذريين وهذا الاسم الأخير هو الصحيح المعبر عن الواقع اللوني.

 

الآن المعروف في التاريخ أن كلمة حرطاني تحريف لنوع من اللون كان هنا في موريتانيا هجين بين البياض والسواد ويتكلم العربية وأًصله أحرضان بالضاد وليس بالطاء.

 

فأولئك القوميون العرب ذو اللون الأسمر تمر أخوك الحر أو قريش أخوك الحر أو نزهاء أخوك الحر أو أسميهم بالجميع أسسوا في ذلك الوقت مع مواطنيهم من لونهم الثاني حركات نادت كلها بإشاعة الحرية للجميع حتى صدر في ذلك ما صدر من القرارات والقوانين الملزمة إلى آخره، فمعروف نشيد الكادحين في هذا الصدد: "آن كدك وانت كدي *** مان عبدك مانك عبدي".

 

والقوميون الناصريون والبعثيون كان من بينهم من يقود هذه الحركات بإباء وعزة نفس بها إلى آخر الأوصاف الحميدة التي يتحلون بها.

 

أما الإسلاميون فقد وجدوا الإسلام قضى قبلهم على الفوارق الإنسانية فيه، فأوسعوا ذلك الفهم وعملوا به حتى أن من زارهم اليوم فسيجد ذلك مجسدا في جميع ألوانهم سواء بسواء مع عقل وأمانة بامتياز ذكورا وإناثا.

 

أما المسمون الانعتاقيون أرادوا توسعة شعبيتهم بأن عبدوا جميع اللون الأسمر الناطقين بالعربية وهذا يقال له تحرير المحرر أو فتح المفتوح، والسياسة مثل الرئاسة (بطعيمتها) فمن استلم مكافأة في السياسة على جراءة ما ينطق لسانه، فيصعب عليه التنازل عن المكاسب ولو كانت أقواله كلها تدينه، وهذا ليس خاصا بلون عن لون فطعمة مال السياسة حلوة في الدنيا ولكنها علقم في الآخرة إلا كلمة حق لإحقاق حق أو إبطال باطل.

 

وهذا الوصف السيء يعرف الموريتانيون أصحابه من كل لون فأصواتهم وأقلامهم تدل عليهم بوضوح دلالة الأثر على صاحبه.

 

وأرجو هنا أن يسمح لي الموريتانيون جميعا أن أذكر أسماء مثالا فقط تستحق الذكر الطيب الذي أودعته في التاريخ، أولئك الأحرار أصحاب القلوب الطاهرة في نشاطاتها وإخلاصها لوطنها وشعبها بل لقوميتها العامة والخاصة ويزكي هذه الشهادة بأن أكثرهم لا نعرفه إلا عن طريق سماع أفعاله الطيبة مع الجميع.

 

وهؤلاء منهم القدماء والجدد كمثال وأبدأ بمن قضوا نحبهم رحمهم الله في الآخرة كما زكي عقولهم في الدنيا منهم: محمد الأمين ولد أحمد، محمد بن الحيمر ومن أولئك القدماء الذين ما زالوا ينتظرون وأطال الله لموريتانيا أعمارهم الطيبة: مسعود ولد بلخير وبيجل ولد هميد وعاشور ولد صمب واسقير ولد امبارك وأقف هنا عند اسم هذا الرجل حيث أروي عنه حديثا معي شخصيا عند خروجه في الثمانينات من مخافر الشرطة علي قوميته الأصلية فيه وهو آنذاك محام قال لي: (ستدرك الحكومة فيما بعد أننا نحن هم الوطنيون وأن ما نقوله الآن في القومية سيحتاجون إلينا فيه).

 

أما الجدد فمنهم: محمد بن اسويدات وزير التنمية الحيوانية حالا، والمدير ولد بونه، والدريري، إلي آخر من لا نعرف أسماءهم، وهم كثر بالإضافة إلى ما في تواصل ممن هم أهل بجدارة لكل الأوصاف الحميدة ولا أسميهم لكثرتهم ولله الحمد.

 

وأختم هذا المقال بأنه علي الدولة أن تظهر التمييز الإيجابي في كل شيء لأولئك الذين يدركون أن هذا الوطن مشترك بين ساكنته بجميع ألوانها وكانت وما زالت متمسكة بهذا الالتحام في هذا الوطن ومن يغرد خارج السرب فليعلم أن سربه يطير خارج وطنه.

 

والآن سأفصل ولكن في المقال القادم بإذن الله ما وعدت به في هذا المقال وهو: من كان رقيقا في موريتانيا ومن كان آباؤه أحرارا على طول التاريخ، ومن يتحمل فعل الاسترقاق وآثاره الآن وكيف التخلص منه قبل يوم القيامة، ومن المسؤول عن التنفيذ؟ إلى آخره، والله الموفق على ذلك كله.