على مدار الساعة

الإضراب الأول لكتاب الضبط في موريتانيا

5 يونيو, 2017 - 12:01
ذ/ محمد عالي ولد محمدن (عدود)

بعد أن كان الإضراب جرما ، أصبح حقا أساسيا ، وبعد أن كان يعاقب عليه القانون الجنائي تطورت نظرة المجتمع إليه، فأصبح أكثر حماية على المستوى القانوني و عنصرا من عناصر الحريات العامة والأساسية،

 

وصار بذلك حقا يستعمل بشكل خاص من أجل الدفاع عن المصالح المهنية ، والكثير من دساتير العالم ذكرت أن الإضراب حق ، وجعلته من الحقوق الأساسية للإنسان،

 

(عشرة أعوام تكفي ) بإيقاع حزين وتلويح بالمناديل ردد عشرة ماليين مضرب فرنسي هذا الشعار في أكبر إضراب شهدته فرنسا في الثالث عشر من مايو 1968 ، كان ذلك الإضراب ردة فعل على سنوات من الإحباط والعجز والسياسات العبثية للمنظمات التقليدية للطبقة العاملة،

 

فهل شعر كتاب الضبط الموريتانيون بالإحباط والعجز، وهل انتهجت ضدهم سياسات تهميش، دفعت النقابة الوطنية لكتاب الضبط إلى دعوة جميع منتسبيها إلى الدخول في الإضراب لأول مرة في موريتانيا ابتداءا من يوم الإثنين 05/ 06/2017تتشكل قناعة الآن مفادها : إن مؤسسة القضاء وإن كانت قد مرت بتطورات بدأت من القاضي الفرد والكاتب الفرد ، إلى مرفق عام تحكمه نظم أساسية وقوانين إجرائية لتتم العملية القضائية في قوالب شكلية مقبولة ، لا بد أن يرافق تلك العملية بأسرها جهاز محترم لايمكن تجاوزه ولا الإستغناء عنه ليشرف على جميع إجراءات تلك العملية القضائية المعقدة وهو بكل تأكيد: مؤسسة كتابة الضبط التي تخضع لنفس النظم الأساسية.

 

إن الكادر البشري المشرف الآن على كتابات الضبط وإن كان يصادف ظلما من طرف المشرع كل يوم ، وسوء فهم من طرف المتقاضي كل ساعة ، وإهمال من طرف الجهة الوصية كل دقيقة ، وسوء معاملة من طرف الجميع كل لحظة فهو بكل تأكيد يبقى في غياهب المجهول يعمل ليل نهار لإنجاح العملية القضائية وحسن سير المرفق العام ، صامدا صامتا كاتما لسر المهنة ، لقد مارست المهنة عقدا من الزمن ـــ وأنا الأقل تجربة في الميدان بين زملائي ورفاق دربي ـ ،جعلني هذا المسار المتواضع ، أدرك تماما دور كاتب الضبط في العمل القضائي قدر إدراكي لدور القاضي المحوري،

 

كما أكاد ألمس الخلل الواضح بخصوص القوانين المنظمة لدور كاتب الضبط ، وما يناله منها من تهميش خصوصا قانون الإجراءات الجنائية ، وقانون الإجراءات المدنية والتجارية والإدارية ، وما يناله من عدم تفعيل قوانين أخرى كقانون المصاريف القضائية ، إننا أمام شلل قائم كان أولى الاعتراف به وعلاجه بدل غض الطرف عنه ، فلا يمكن أبدا أن تقوم المؤسسة القضائية بدورها وهي تقف بهذا العرج الواضح المتماثل للسقوط ، فعلى وزارة العدل أن تتفهم ملل هذه الفئة الصامتة الصابرة على واقع مزري لا يراعي معنا ولا قيمة لهذه الفئة التي تدخل في إضراب عن العمل بناء على مجموعة من المطالب الواضحة والجلية ، وهي حقوق طبيعية ومشروعة يجب تلبيتها في أسرع وقت ممكن،

 

كما أنني أستشرف دوافع عميقة تجعل كل هذه الاحتجاجات تتكرر سريعا ، فالكوادر القانونية وأهل الشهادات العليا الذين دخلوا إلى هذه الوظيفة وتلقو تكوينا ثلاث سنوات إضافية ، كي يتولو مهمة تسيير مصالح كتابات الضبط لا يمكن أن يقبلوا إهانة مثل هذه ولايمكن أن يسكتوا عن مواد إجرائية تحمل بذور الإساءة والإهانة لهم ولمراكزهم القانونية، وتتعارض مع نفسها والضمانات القضائية للمحاكمة العادلة.

 

واختلف الفاعلون القضائيون في تقييم كفا ح كتاب الضبط ومطالبهم ، وإمكانية نجاح إضرابهم، فمنهم من كان سندا وعونا، معترفا بحقوقهم ، ومقدرا لدورهم وواثقا في نجاح مساعيهم ، و سيذكر له القائمون على الشأن النقابي ذلك وجميع أسلاك كتابات الضبط ، وبعضهم التزم الصمت فتلك منزلة بين المنزلتين ، والبعض وهو الأقل مهنية والأجدر أن لا يعلم عواقب الأمور ، شكك في مشروعية كفاحهم و نضالهم المهني من أجل حقوقهم المشروعة ، وحاول التقليل من شأنهم لمرض في نفسه.

 

هكذا هي الحياة ، تكشف عن معادن الرجال و جواهر الأخلاق ، فكم من قاض نزيه مخلص وقف مع هذ الحق ، فبعض القضاة أجل من تلقاء نفسه دورة جنائية كانت مقررة ، وبعضهم أجل جلسة جزائية كانت معلنة ، حتى ينقضي أسبوع الإضراب الأول ، وكم من محام صرح بمؤازرته لهذا الحق وعبر عنه، وكم من مسؤول نبيل دعمه ورأى أن هذه الفئة آن لها أن تحظى بما تستحق ، ولا أرى القائمين على وزارة العدل إلا من خيرة الناس وأعظمهم واجبا ، وأكثرهم دعما لهذه الحركة المشروعة والاحتجاج المتحضر الذي كفله الدستور ورخصه القانون ونظمته المراسيم ، كما سيكشف هذا الحراك الميمون عن مدى المسؤولية التي يتحلى بها كتاب الضبط ومدى وحدة كلمتهم ، ونضج توجههم وسلاسة طرحهم ، وسيميزون بجلاء العدو من الصديق ، وسيتبين من بكى ممن تباكى ، غدا إذا اشتبكت دموع في خدود إن المؤسسات القضائية جسد واحد إذا اشتكى منه عضو ، يجب أن يتداعى له باقي الجسد إن لم يكن بالسهر والحمى ، يكون ذلك بالاعتراف بالحق وتكريسه والمساعدة على إحقاقه ، لا نستعطف أحدا ، لكن نطرح الخطوط العريضة لما ينبغي أن يكون عليه القطاع الواحد بكل مكوناته ، على ضوء الأخلاق المهنية و مقتضيات اللباقة .

 

فكتاب الضبط ماضون في المطالبة بحقوقهم ، لا يضرهم من خذلهم، سبيلهم فيذلك إيمانهم بالله وتحليهم بروح العزيمة والمسؤولية ، وتمسكهم بالقانون.