على مدار الساعة

كيف نفهم الإسلام (11) الصوفية (7)

6 يناير, 2022 - 22:17
الأستاذ محمدو بن البار

لقد ارتأيت في هذا المقال أن أقدم فيه الكلام على أرضية الصوفية التي عبدت فيها طريقها المستقلة عن شكل الطريق القرآني، ونؤخر الكلام على الركنيين الأخيرين من الصوفية وهما: الأوراد والإنسان = التلميذ.

 

وقبل ذلك سأفتتح بالآية التالية: {قل إن ضللت فإنما أَضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب}.

 

وبما أن الفرق بين طرق الصوفية والطريق المستقيم لا بد من دليل الفرق عليه فأرجو أن يكون الاستدلال واضحا لذلك الفرق لكل من ألقى السمع وهو شهيد.

 

ولكن أؤكد للجميع أنني في علم الله لا أكتب هذا إلا لشدة إيماني ولله الحمد بصحة ما جاء في القرآن، وأنه هو وحده الذي سيكون الفيصل النهائي في الحساب بين جميع أفكار الإنسان، وأنه سوف لا يقع لكل إنسان إلا ما هو مسطر ومفهوم طبقا للغة العربية من هذا الكتاب الذي جاءنا مفصلا من عند الله يقول تعالى: {ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون}.

 

وليس صدق القرآن في نفسه هو الذي حملني على الكتابة وحده، بل شفقة كذلك مني على من تجمعني معهم الأخوة الإسلامية وأنا أراهم يبحثون عن سلوك طريق قام الإنسان في التاريخ الإسلامي بتعبيدها مسافة مستور ما بينها وبين الطريق القرآني المستقيم الذي جعل الله معالمه ترى واضحة بالقلب واللمس والرؤية – فشقوا أوائلنا لهذا الإنسان طرائق قددا لا يلتقي سالكها مع سالك الطريق المستقيم إلا عندما تأتي سكرة الموت بالحق فسوف يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى، ويتنوع كلام استقبال سالكي الطريق المستقيم والطرق الأخرى المؤدية بعبادات الاختراع على غير هدى من الله يقول تعالى: {ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} ويوضح ذلك قوله تعالى: {فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي (نصا لا اجتهادا) فلا يضل ولا يشقى} عند الحدث الأعظم النهائي الجديد يوم يقوم الناس لرب العالمين.

 

فأهل الطريق المستقيم يرددون قوله تعالى: {الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء} والقادمون عن طرق رؤسائهم ومالكي في الدنيا أمرهم يجأرون بقوله تعالى: {يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا} إلى آخر الآية.

 

ومن هنا أبدأ ردا على من سيتهم بالجهل بل ربما بالجنون وفقدان العقل معللا كلامه بأن هذا إرث مؤصل خاض بحوره بسباحة عالية الاتقان فطاحل العلماء الفاهمين للآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة فهم كأنهم حضروا نزولها وتبيينها، فأخذوا مقودها بفهم راسخ وعبادة ربانية يتواصل ليلها بنهارها لتصل بأمان إلى معرفة الله الذي هي المطلب الأسنى لكل إنسان ولو لم يطلب من ورائها حسن مآب جنات عدن مفتحة لهم الأبواب إلى آخر الآية، بل فناء فقط في الله والنبي وشيخ الطريقة هكذا يقولون.

 

ولا داعي هنا لتفصيل الطريق المؤدية لذلك - ولكن قبل أن أبتعد عن كلمة معرفة الله أقول إن الله قد وصف أقرب الناس إليه بأوصاف كثيرة وليس فيها وصف معرفية له مثل: المخلصين – المحسنين - المتقين إلى آخره وليس فيها أبدا العارفين بالله.

 

وبناء على هذا المعتمد دون ذكر للقرآن بل مجرد الإرث من الآباء وفطاحل العلماء وسيرتهم فإني أحيل رافع تلك الراية إلى طرق سلفنا السالك بعبادته هذه الطريق، فنفس علمائنا وعبادنا يصدقون ذلك النوع من عمل النفس المستقل فهم أنفسهم بدأوا السلوك من دون القرآن ولكن شبه لهم بشدة حلاوة العبادة الخطأ غير السالكة لمعالم الطريق المستقيم فظنوا أن حسن وقعها في القلب (ومعروف مصدر تلك الحلاوة) والفناء فيها وما أحدثته فيها من معالم – خواطر ومقامات – أحوال الوصول إلى الله فهذا عندهم هو المنزل المبارك عند الله.

 

هؤلاء العلماء والأشياخ لم يلفت نظرهم أن نظراءهم من الإنسانية بدأوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقليل بشق هذه الطرق بتأويل داخل القرآن وهم يستمعون إليه وهؤلاء كما يعلم الجميع أكثر عددا وأعلم وأعبد من علماء الصوفية فألفوا الكتب وبنوا المساجد وقرأوا القرآن ولكن قراءتهم لمكان خطئهم في القرآن لا تتجاوز حناجرهم فهي حجة عليهم فقط، وما زالوا حتى يومنا هذا علماء عبادا زهادا يسلكون هذا الطريق الخطأ حتى يأتي وعد الله.

 

فأمثلتنا من داخل مؤسسة الطرق مجرد العبادة سوف لا تقبل هذا لما نعرف جميعا من حرص الإنسان على المحافظة على معتقده ولكن فرق الكلام والذين ما زالوا منتشرين في الدنيا بفكرهم وعلمهم وعلى رأسهم فرقة الشيعة التي أصبحت تتبعها دول وهم كل جمعة يلعنون أكابر الخلفاء ويعيدون بكل وقاحة مصدقين كذبة أهل الإفك على أمنا عائشة رضي الله عنها ومع ذلك يستمعون إلى قوله تعالى: {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم} إلى آخر الآيات.

 

ولا فهما أحسن كشفا في أن آيات الله هذه تعني أمنا عائشة رضي الله عنها: {ومن أصدق من الله قيلا} بمعنى أننا نحكم عليهم تلقائيا طبقا لنص القرآن بهذه اللعنة مطأطئين قلوبهم عن سماع معنى ما تقوله لهم الآيات وللرسول الله صلي الله عليه وسلم: {فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم}.

 

وكما يعلم الجميع فإن تحليل ما يفهم من كل هذا المقال يطول ويطول، وملخصه أننا فهمنا أن حفظ الله لنا للقرآن ليس عن تغيير أعدائه له، بل كذلك عن انحراف السائرين داخل حمايته غير لابسين لهذه الوقاية، وهذه الحماية هي الآيات البينات التي سد الله عنه بها الباطل أن يأتيها من أي جهة لا من بين أيدها ولا من خلفها فهي تنزيل من حكيم حميد.

 

ولا شك أن القارئ سيلاحظ أني لم أذكر أسباب كل هذا الانحراف عن طريق القرآن مبكرا ولكن أقول الآن إن الله رد كل الانحرافات إلى إذنه لعدو الإنسان الأول أن يأخذ نصيبه من هذا الإنسان الذي فضل عليه وتكبر هو عن ذلك التفضيل مستنكرا له أمام الله وهو يخاطبه مباشرة: {ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه} إلى آخر ما في القرآن من تفصيل نتيجة ذلك الإذن من الله الذي ذكر القرآن أنه سيذهب بأكثر هذه الإنسانية يقول تعالى: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}.

 

هذه المعركة ونتيجة هذا الإذن الموضح في القرآن المعبر عنه بقوله تعالى: {وكذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم}، وعموم العمل المزين هنا مبينا في القرآن نوعه الخطأ يقول تعالى: {قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} وقوله تعالى: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا} إلى آخر الآية.

 

وما دمنا الآن وصلنا إلى نصيب الشيطان من الإنسان فسنتوسع إلى ميدان تلك المعركة ونوعها ونتيجتها ووسائل الانتصار فيها ليعلم كل إنسان سلك أي طريقة لا يرى معالمها مرفوعا فوقها لافتات القرآن العظيم فليعلم أن القرآن ما زال مستقيما وهو انفصل عنه بدون أن يشعر إلا عندما يسمع قوله تعالى: {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون}.

 

فعلى كل إنسان سمع عن ميدان هذه المعركة من الشيطان ووسائلها وأن موضوع غنيمتها هو الإنسان نفسه في الآخرة لأنها أطول إهانة للإنسان المفضل عليه في الدنيا.

 

يقول تعالى مخاطبا الشيطان: {اجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا}.

 

ماذا بقي من أدوات المعركة يوم نزول القرآن فلو نزل الآن لقيل اجلب عليهم بسياراتك ودباباتك إلى آخره فأي منا الآن يحس بهذه المعركة المشتدة الوطيس دائما إلا إذا نظر إلى قلبه وجوارحه ليعلم المعتقد والعبادة هل وقعا على ضوء القرآن أو هجوم الشيطان بأنواع وسوسته ضده إلى شيء آخر.

 

فما هو الجواب العملي للشيطان يقول مخاطبا الله: {لأقعدن لهم صراط المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين}.

 

ومعلوم أن مكان المعركة في الإسلام بين الإسلام والشيطان هو ما بين الله والإنسان من صحة العقيدة وحسن العبادة أي أخذها بنصها من القرآن والسنة لأن المعبودات وأنواع عبادتها متنوعة.

 

فالعبادة للمسلم إما تقع طاعة أو تقع معصية وهي البدعة وهي جوهر سلب الإنسان الذي هو غنيمة عند الشيطان لعدم طلب الإنسان التراجع عنه أو التوبة منه.

 

فنحن إذا عدنا إلى القرآن فلا نحتاج في عبادتنا إلى استجلاب أي عبادة أخرى لا قرآنا لعجز الشيطان عن مثله ولا مربيا يستتر تحت القرآن يقول تعالى: {أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم}، ولا ذكر ولا صلاة ولا دعاء إلى آخره لأن في القرآن وفي الحديث ما يكفينا من العبادة النصية التي تدخل أصحابها الجنة يرزقون فيها بغير حساب.

 

يتواصل بإذن الله في: كيف نفهم الإسلام (12) الصوفية (8)