على مدار الساعة

كيف نفهم الإسلام (4)

21 نوفمبر, 2021 - 21:51
الأستاذ محمدو بن البار

أود أن نبدأ هذا المقال رقم 4 من هذا العنوان أعلاه بقوله تعالى: {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}.

 

لنقول إن كون الدنيا متاع الغرور أي كل متاعها غرور سواء من متاعها الدنيوي المادي بجميع أنواعه، وسواء بسلوك طريقة غير شرعية، وعدم شرعية طريق هي التي لم يؤخذ أصلها من القرآن من غير غلو ولا تقصير في الإسلام.

 

فيما أننا نحن البشر وجدنا أنفسنا على هذه الدنيا وبدأنا بدخول سجنها في ساعة كتابة أجلنا ورزقنا في بطون أمهاتنا إلى آخره، لمن شاء الله له أن يولد سليما فقد دخل السجن الإجباري لأنه لا يستطيع ألا ينمو ويكبر ولا يستطيع ألا يضعف ويبدأ بالتلاشي بعد ذلك كما لا يستطيع أن لا يأتيه الموت، ولا يستطيع ألا يدخل الجنة أو النار وبأوامر الله خاصة.

 

هذه القوة التي أجبرته على ذلك وهي من الله تبارك وتعالى خالق الكون ومنزل القرآن على عبده، أعد لهذا الإنسان بعد رحلته أعلاه، إما الاستقرار وإلى الأبد في جنة أو نار، ولم يستثن من هذا الإنسان إلا من اصطفاه برسالته مباشرة إلى خلقه أو من قال لنبيه محمد صلي الله عليه وسلم بأن يخبرهم بأنهم في الجنة.

 

أما جميع الإنسانية الآخر فقد سطر القرآن علاقته معه في الدنيا ومعه كذلك في الآخرة، وكل هذه العلاقة مبينا فيها أنه من آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فقد هدي إلى صراط مستقيم، وعندئذ لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ومن أعرض عن هذا الذكر أي عن ما جاء في القرآن من اتباع حرفيه، هذه العلاقة المبينة بيانا واضحا في القرآن سواء بتحريف ما فيه من الأوامر في العقائد وسواء كان التحريف بالقول أو الفعل فقد أعد لهؤلاء عذابا لا يطيقه الإنسان ومع ذلك ليس بمزحزح عنه وإلى ما لا نهاية.

 

هذه الحقائق مسجلة بوضوح في القرآن ومبينة تبيينا وافيا من النبي صلى الله عليه وسلم حيث بلغ ألفاظها وفسرها وشرح ذلك بالقول والبيان المادي أمام الصحابة المبلغين عنه.

 

فبعد أن أنزل الله قوله تعالى في الفاتحة: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم} إلى آخر الآية بين هو هذا الصراط المستقيم حيث خط خطا واحدا كبيرا وبجانبه خطوطا صغيرة تتجه عنه كل اتجاه وأشار إلى الخط الكبير وقال: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} إلى آخر الآية.

 

ولعلم الله عز وجل بأن أوامره أي طريقه واضحة المعالم فقد أذن لخلق آخر وهو الشياطين باختطاف هذا الإنسان إلى طرقهم خارج الطريق المستقيم، فسهل لهؤلاء الدخول على الإنسان من كل جهة أي من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم حتى لا يقوم أكثرهم بشكر الله على الهداية إلى الصراط المستقيم يقول تعالى: {وقليل من عبادي الشكور}.

 

فهذا التدخل من الشياطين لصد أبناء آدم عن الطريق المستقيم نتيجته الحسد البادئ فتنته من ميلاد آدم حيث صُد هو نفسه عن الصراط المستقيم قبل أن يتوب الله عليه ويبقى معه آثار هذا الصد حيث نزل من الجنة إلى هذه الدنيا لتبدأ المعركة فيها ويكون الميعاد للجميع يوم القيامة حيث لم يبق من رسول ولا شفيع لأي إلا بإذن الله.

 

هذه الرحلة الطويلة والمعقدة والمنتهية بالنسبة لأهل طاعة الله على خط الطريق المستقيم إلى حياة الخلد التي أورثهم الله لها بما كانوا يعملون من صالح أعمال طبقا لما في القرآن من غير تحريف ولا التواء، وإما إلى نار تشوي الوجوه خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون.

 

ومن هنا نصل إلى بعض أوصاف صد الشياطين للإنسان عن سلوك الطريق المستقيم لنقول إن أوامر الله لوضوحها لا يمكن الصد عنها إلا من داخلها، وداخلها يتكون من اعتقاد في القلب وقول باللسان وفعل بالجوارح، وكل هذا قد بين الله الصحيح منه من الفاسد بالقرآن وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم بتفسيره في حديثه المباشر أو المتضمن لمعناه.

 

فملخص الطريق أنها تشتمل على عقائد وعبادات فركز الشيطان على إفساد هذين الأصلين في القول أو العمل لهذا الإنسان حتى تبعه طائعا يحسب أن فعله قربه من الله مع ظهور مخالفته لأوامره.

 

فبدأ مبكرا الانحراف عن الطريق المستقيم في العقائد فظهرت قيادات وأئمة تبعهم كثير من المسلمين في عقائدهم الخارجة عن ما يقول الله في كتابه وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم، مع أنهم في حسن العبادة نحقر صلاتنا مع صلاتهم وصومنا كذلك إلى آخر العبادة، ولكن لتحريفهم للعقائد القرآنية صرح النبي صلى الله عليه وسلم أن جميع فرقهم اثنان وسبعون في النار.

 

وسموهم المسلمون الفرق الضالة بسلوكهم لخطوط الشيطان الجانبية المسلوخة عقديا من سلوك الطريق المستقيم.

 

فمعلوم أن الله عندما أنزل قوله تعالى: {ليس كمثله شيء} أورد كثيرا من صفاته كما ينطقها الانسان في العربية بعد مرورها بقوله تعالى: {ليس كمثله شيء} يفهمها المتلقي ويتيه فيها الضال فيشبهها بأوصاف الإنسان مع حسن عبادته الفعلية.

 

وكذلك فإن هذه الفرقة الضالة لم تقف عند ما حدده الله في كتابه لانفراده بتصرفه في عباده يوم القيامة بالغفران لمن شاء وتعذيبه لمن شاء.

 

نماذج من العقائد الفاسدة :

1 – وهنا نبدأ بالمعتزلة القائلين بأن العباد هي التي تخلق أفعالها وتحاسب عليهم لأجل ذلك والله تعالي يقول: {والله خلقكم وما تعملون}.

2 – الخوارج الذين يكفرون كل من أذنب ولا ينفعه عندهم إيمانه والله يقول: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.

3 – الشيعة غلاتهم قالوا إن عليا كان هو النبي المقصود ولكن النبي صلى الله عليه وسلم دعى لنفسه حاشاه من افتراء أهل الضلال، أما آخرهم فحتى الآن يلعنون الخلفاء على المنابر ويسبون عائشة بما برأها الله منه والله يقول: {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم}.

4 – المرجئة القائلين إنه لا تضر مع الإيمان معصية والله يقول: {ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون}.

5 – المشبهة الذين يشبهون الخالق بخلقه مع قوله: {ليس كمثله شيء}.

 

كل هذه الفرق انشطرت إلى فرق أخرى ضالة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر هذه الفرق هي فرق أمته صلى الله عليه وسلم لأنها 73 فرقة.

 

وهنا أود أن أقول كلمة قصيرة عن اتباع الأشعري في العقائد: فمن المعلوم أن الأشعري عندما كان معتزليا أيام الاعتزال أخطأ في كثير من الاعتقاد، وأنه رجع إلى السنة وأصبح إمامهم، وفي نفس الوقت يقول فيه بعض العلماء إنه بقي عنده شيء من العقائد لا توجد في القرآن وقد أخذنا هنا نحن عنه مثل اعتقاد أن وصف الله يوجد خارج ذاته وأن استعماله المسمى بالمعنويات خارجة عن الصفة أيضا، فلا نعلم كيف استطاع الأشعري اعتقاد هذا مع قوله تعالى: {ليس كمثله شيء}، أما إمامته لنا فهي أكثر تعجبا من غيرها ففي الدنيا لم نلتق وفي الآخرة لا وجود لأي واقف مع ربه يسأله عن أقواله وأفعاله وهو الخبير بهما وبعد هذا السؤال إما الرضى عنه أو السخط ومعروف مصير صاحبيهما: {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة} إلى آخر الآيات.

 

ولمعرفتي بما وصف الله به الجنة ووصف به جهنم وظهور وصف ساكنهما في القرآن ولشدة شفقتي على كل مسلم فإني سوف أذكر تحت هذا العنوان دائما أنواع المسلمين الذاهبين إلى الله بعد قليل لتبيين على ضوء القرآن مصيرهم في العمل والعبادة مثل: الصوفية، الديمقراطية، حقوق الإنسان، المرأة والإسلام إلى آخره بالنسبة للمسلمين طبعا.

 

وذلك في حلقات في مواضيع تتعلق باجتماع الدنيا والآخرة عملا وعبادة.