على مدار الساعة

طالب العلم ووسائل التواصل الاجتماعي

15 نوفمبر, 2021 - 13:52
الصغير ابن آب

إن مما لا شك فيه حاجة المسلم إلى الاطلاع على ما يجري في العالم ليقوم بدوره الواجب عليه وتزداد تلك الحاجة لطالب العلم الذي يسعى أن يصير عالما يحكم في الواقع بعلم وعن معرفة.

 

لذلك كان على طالب العلم أن يكون على وعي بأبرز أحداث عصره المؤثرة فيه حتى لا يكون خارج خارطة الزمن وينخرم عليه شرط فقه الواقع.

 

وفي المقابل فإن العلم بما هو علم وتحقيق وتدقيق يحتاج من طالبه والساعي في مضمار المشتغلين به كثيرا من التفرغ له والبعد عن كل الملهيات والشواغل وإن جلت قيمتها وعظمت ثمرتها على غيره من الناس.

 

هذا التفرغ الذي يجب على الطالب ليس تفرغا ظاهريا بالهجرة إلى قاعات الدرس ومثوى الطلبة، ولكنه مع ذلك تفرغ ذهني يحشد به الطالب طاقاته كلها في سبيل ما هو ساع إليه من إنعام النظر في المسائل وتحقيقها، والتمييز بين المتقاربات منها، وتبيين الفروق الدقيقة في المسائل المشتبكة، واستلهام الاستشكالات النافعة المروضة للذهن بالتأمل فيها، وتقليب النظر في جنباتها.

 

ولعل من أكبر ما هو عدو لطالب العلم السعي وراء أحداث عصره، وتتبعها في كل صفحة وحساب.

 

فهذا الأمر يتأثر به الذهن غاية التأثر لأن هذا المبتلى به كمن يفتح عدة جبهات على نفسه، تشوش على ذهنه، وتضعف تركيزه، وتجعله مضطربا لا يحسن الصبر عن المتابعة الإعلامية.

 

إن هذا التشويش - واسمع من مجرب له متحسر من ضرره - يجعلك تمل النظر في العلم من أول وقتك وتتوهم من الإدمان أن متابعتك للإعلام جهاد وفتح ومعركة، وأنت بعد قد تركت الجهاد الأعلى في تخصصك واشتغالك، وفي الباب الذي تحتاج منك الأمة وفيه يمكنك الإنجاز بما قضيت من الوقت وما بذلت من الجهد.

 

وفي باب الاعتناء بتفريغ النفس للعلم والبعد عن الشواغل - والتي نرى من أخطرها وسائل التواصل - نستحضر قول أبي حنيفة ٨٠ - ١٥٠ وقد سئل عن أهم ما ينفع في تحصيل العلم فقال: "جمع الهم"، ومراده أن تجعل همك أي ما تهتم به واحدا وهو طلب هذا العلم فإن تشعب الهم يضعف الجهد ويزيل التركيز.

 

وسئل آخر السؤال نفسه فأجاب: (قطع العلائق).

 

فمن اهتم بأمر واحد أجال فيه فكره، وصب عليه تأمله، وسكب فيه لحظات صفائه، فإن إنتاجه فيه، وتعلقه به، وتفتقه أمامه، وشدة محبته له، لن تكون ثمرة أي شيء من ذلك كثمرة الذي تشتت ذهنه، وتفرق همه، وتشعبت مقاصده:

تكاثرت الظباء على خداش *** فما يدري خداش ما يصيد

 

وإن من آثار الاشتغال بشيء واحد والتفرغ له ما أسلفت من المحبة والمحبة ذات ثمرة عظيمة هي محو الملل من هذا الشيء وهذا والله غاية الساعي في شيء أن يكون فيه لذته وراحته ولب سعادته.

 

أفترى من تعلق بشيء وصحبه كل حين يقلب مسائله، ويبدئ ويعيد فيه سيصعب عليه شيء منه أو تند عليه فروعه بله أصوله وأساسه؟

 

يقول التاج السبكي ت٧٧١ رحمه الله تعالى حين ساق بعض أبرز أخبار التتر وغزوهم لبلاد المسلمين: (ووقت المشتغل بالعلم أنفس من أن يصرفه في كثير من تفاصيل هذه الأحداث).

 

وقل لي بربك كيف يحصل العلم من اجتمعت عليه علائق الدهر من أصدقاء، ومدونين، ومجموعات واتساب وقنوات التيلغرام، وهيشات اتويتر واينستغرام..؟

 

هذا مع أن كل واحد منها عالم فسيح لن تشبع منه لو أعطيته عمرك لأنه وظيفة قوم وهو قوت آخرين لذلك جعلوه فتانا.

 

وإذا كان الشيخ ابن متال قال:

وإن ترد تحصيل فن تممه وعن سواه قبل الانتهاء مه

ففي ترادف الفنون المنع جا إن توأمان استبقا لن يخرجا

 

وهذا في الجمع بين العلوم فما الحال للجامع بين العلوم وضدها من أحداث ووسائل ترفيه وتشويش.

 

وحتى لا أطيل فتأخذ القراءة هنا ما نحرص عليه أقول إن متابعة طالب العلم للأحداث مهمة ولكن يجب أن تقع بتوازن وأن يكون له من الواقع ما يمشِّي به حاله من فهم عصره.

 

وختاما يقول الشيخ أبو عمر التميمي: "ينبغي أن نميز بين فقه الواقع الذي هو مطلوب وبين الغرق في الواقع الذي هو خطر.

 

اللهم إنا نعوذ من قول بلا عمل.