على مدار الساعة

كيف نعمل بالإسلام كما هو لننعم بذلك في الدنيا ونسعد به في الآخرة (2)

19 أبريل, 2021 - 01:23
الأستاذ محمدو بن البار

في الحلقة الأولى، تكلمنا عن عدة مواضيع، وهذه المواضيع هي التي سوف تكون بارزة في الحلقات القادمة بإذن الله تعالى، فموضوع هذا العنوان كله في الآخرة، ولكن ما في الآخرة هو نتيجة أعمال الإنسان في الدنيا منذ خلقة الله فيها لعبادته ووجهه الشيطان عن تلك العبادة إلى عبادة الشيطان باتباع خطواته في كل الاتجاهات، فالدنيا دار عمل ولا حساب، عكس الآخرة.

 

ولنبدأ بأول موضوع لنبني عليه كل موضوع آخر، ألا وهو معرفتنا بالدليل القاطع لوجود الله جل جلاله.

 

فالمولى قد تحدى هذا الإنسان الرافض لوجوده بشيئين؛

أولا: خلقه لجميع الأشياء وعلى رأسها خلقه للسموات والأرض،

والثاني: إنزاله لهذا القرآن على النبي صلي الله عليه وسلم فيه خبر ما في الدنيا صورته طبق الأصل، وما سيكون في الآخرة صورة أيضا طبق الأصل كأنها رأي العين في الدنيا بدليل قوله تعالى {ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد}.

 

فمن نظر إلى السموات وارتفاعها ووسعها وما فيها من النجوم ويسير الجميع سيرا منتظما من تاريخ خلقه إلى يوم إزالته يتيقن أن له خالق قادر على كل شيء، وكذلك من نظر إلى الأرض ووسعها وكثافتها، يعلم كذلك قوة خالقها، والسموات والأرض المتحدي بخلق مثلهما هما فوق وتحت كل إنسان في الدنيا فليس عليه إلا أن ينظر فوقه ليرى خلق السموات: {أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها} ولينظر الإنسان عند قدمه وما حوله من الأرض ليسمع قوله تعالى: {والأرض فرشناها فنعم الماهدون}.

 

وهاتان الآيتان الدالتان على انفراد الله تعالى بالخلق تحدي الله بهما كل ما سواه يقول تعالى: {خلق السموات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة} إلى قوله تعالى: {هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه}، وهنا أذكر بتفصيل خلق الله تعالى لهما كما قال: {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} إلى قوله تعالى: {وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام}، من بحور ومحيطات وأشجار ونباتات وسمى ذلك أقواتها؛ أي أقوات من سيخلق فوقها من الإنسانية، وغيرها بدليل قوله تعالى: {وسخر لكم ما في الأرض جميعا منه}، وفي آية أخرى يفصل خلق السموات والأرض بقوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ايتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين}.

 

أما المعجزة الثانية التي تحدى الله بها الإنسان فهي معجزة هذا القرآن الذي جاءت كثير من الآيات تؤكد صدقه مثل قوله تعالى: {ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق}، بل في الأخير أقسم الله على صدق آياته يقول تعالى {فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} والذي يذكر الله في آياته خبر ما يجري في الدنيا مقرونا بما سيجري في الآخرة، فنجد ما يجري في الدنيا على نفس ما ذكر الله في آياته، ومعنى ذلك أن ما جاء في الآيات المتعلقة بالآخرة سيكون بنفس وجود ما ذكرت الآية عن الدنيا، مثال ذلك عندما ذكر الله كيف يخلق الإنسان في بطن أمه من نطفة ثم علقة ثم مضغة ففي آخر الآية قال: {ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون}، فكيفية الخلق شاهدناها في الدنيا كما هي في الآية فسنشاهد البعث كما ذكرت الآية، أما الآيات الأخرى المتفرقة في القرآن مثل الآيات المتتالية: {ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون} وقوله تعالى أن من آياته {خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم}.

 

فهذا القرآن كما هو معلوم تحدى به الله من جاء بلغتهم وأسلوبهم البلاغي فلم يستطيعوا الإتيان بآية واحدة مثله.

 

وطلبا للاختصار: هذا المولى عز وجل أمر الإنسان بالرجوع إلى القرآن فسيجد فيه ما سيؤول له هذا الإنسان الموجود لأنه إما في نعيم كما قال تعالى: {إن أًصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون} إلى آخره، وأما الآخرون فقد قال المولي عز وجل أنهم {في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم}، وسبب ذلك أنهم {كانوا قبل ذلك مترفين} إلى آخر الآيات.

 

وباختصار شديد، فمن يرد أن يرى ما لنفسه في الآخرة، فليقرأ القرآن، فسيبين له القرآن أوصافا لا تقبل الالتباس عن أصحاب الجنة، وهم عباد الرحمن الموجود وصفهم في القرآن، وفاعلو الأعمال الصالحات على مختلف أنواعها، سواء كان الإنسان ذكرا أو أنثي، أما الاخرون فسيجد وصف أعمالهم كما هي فهم كانوا ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، ويفسدون في الأرض، بارتكاب أنواع ما نهى الله عنه من غير توبة إلى أن يقفوا أمام الله ناكسي رؤوسهم، قائلين وهم يصطرخون فيها أي النار: {ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل} فيقال: {أولو نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير}.

 

ومن هنا أنبه كل مسلم – لأن الإرشاد لا ينتفع به إلا المسلم – أن هذا الوضع أعلاه على الإنسان أن يقرأه كل يوم سواء كان رحمة أو عقابا لينفذ الأولى كما أمره الله، وليتجنب الثانية كما نهاه الله كذلك، فما عند الله للمسلم لا يعرفه إلا من تمتع بقراءته قبل الموت، واهتم بان يكون من أهله، ولا يخاف منه إلا من قرأ صفة المعذبين في القرآن وفر إلى الله منه.

 

وهنا أضرب مثالا واحدا من الآيات لينظر المسلم أي المواقف يختار أن يكون من أهله يقول تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفي ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم}.

 

ومن هنا نصل إلى الموضوع الثاني، وهو الإنسان – الذي سيمثل أمام ربه ليس بينهما ترجمان – وإلى الحلقة القادمة بإذن الله.