على مدار الساعة

الرأي العام في قبضة التواصل الاجتماعي

15 مارس, 2021 - 22:46
محمد الأغظف سيدي مالك بوب ـ إطار بالوزارة الأولى

من الصعب ايجاد تعريف للرأي العام  فمنذ القرن السابع عشر وتعريفات كثيرة يقدمها الباحثون لهذا المفهوم الشائك ومن الكتب التي اهتمت بهذا المفهوم كتاب (سيكولوجيا الجماهير) لغوستاف لوبون فبعد أن كان الرأي العام محصورا بعد الثورة الفرنسية في ما تعبر عنه النخبة تحول المفهوم كثيرا عند لوبون إلى الجمهور وصارت قوة هذا الأخير كبيرة لدرجة أنه يمكن أن يؤثر على الفرد المثقف إذ يمكن للجمهور أن يحرك ويدفع الجميع سواء إلى الأسوأ أو الأفضل.

 

وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في صناعة الرأي العام وتشكيله

تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً فاعلاً في صناعة الرأي العام وتشكيله، حيث تسهم في ترويج الأفكار التي تعتنقها النخبة في المجتمع، لتصبح ذات قيمة اجتماعية معترف بها، وتحظى بالانتشار بين الأشخاص العاديين، ومن ثم التأثير على سلوكهم وفي تشكيل توجهاتهم إزاء قضايا بعينها؛ وهذا الدور وفقاً لنظرية التسويق الاجتماعي يتشابه إلى حد كبير مع حملات التسويق التي تستهدف الترويج لسلعة معينة وإقناع المستهلكين بها.

 

وهذا التأثير يرجع بالأساس إلى ما تتميز به وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد بوجه عام، من قدرة على التأثير الكمي من خلال التكرار، حيث تقوم وسائل التواصل الاجتماعي بتقديم رسائل إعلامية متشابهة ومتكررة حول قضية ما، بحيث يؤدي هذا العرض التراكمي إلى اقتناع أفراد المجتمع بها على المدى البعيد .  وعلى أية حال، فإن وسائل التواصل الاجتماعي باتت شريك رئيسي في صناعة الرأي العام من خلال العديد من الأدوار:

 

التأثير في الوعي حيث يمكن لنخبة من المفكرين والمثقفين ترويج أفكارهم من خلال شبكات ومنصات التواصل الاجتماعي، والعمل على تشكيل وعي المستخدمين عن طريق الحملات الإعلامية التي تستهدف تكثيف المعرفة لتعديل السلوك بزيادة المعلومات المرسلة للتأثير عليهم، وتشكيل وعيهم تجاه القضايا المختلفة. وبالفعل فقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في بروز قادة رأي مؤثرين في العالم العربي لهم منابرهم الإعلامية التي تحظى بالمتابعة من ملايين المستخدمين في العالم، وبإمكان هؤلاء التأثير في متابعيهم بدرجة أو بأخرى في ما يتعلق بالقضايا المثارة.

 

تنامي دور الفرد في التأثير على الرأي العام من خلال وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة التي أصبح من خلالها الفرد يلعب دوراً مهماً في نقل الأخبار وصناعتها وتحريرها، فضلاً عن التأثير في تكوين القناعات حول بعض القضايا. وأسهمت هذه الوسائل في ظهور ما يطلق عليه "ظاهرة التدوين"، التي تتيح لأي فرد يمتلك حساباً على موقع التواصل الاجتماعي، ولديه قدر من المهارات والمعرفة أن يصيغ مواد خبرية، تقارير أو مقالات أو تحقيقات تعبر عن وجهة نظره إزاء مختلف القضايا، لكن المشكلة هنا أن هذا النوع من المدونين يفتقر أحياناً إلى الدقة والمصداقية، حينما يقوم الفرد بالمزج بين رأيه وبين الخبر أو الحدث الذي ينشره على صفحته الخاصة أو يرسله إلى وسائل الإعلام الأخرى، سواء كانت تقليدية أو إلكترونية، وتطورت ظاهرة التدوين مع إقبال المواطنين على الإعلام البديل من أجل التعبير بحريّة عن أوضاعهم في ظل تراجع دور وسائل الإعلام التقليديّة.

 

كما ظهر تأثير دور الفرد في تشكيل الرأي العام من خلال ما يسمى"المدونات الإلكترونية"، التي تمثل نافذة مهمة تتيح نشــر المعلومات في كافة مجالات المعرفة البشرية، ويتم التعرف من خلالها على الرأي والرأي الآخر، ولعل ما يضاعف من أهمية المدونات في التأثير على الرأي العام هو تزايد أعدادها بدرجة كبيرة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 409 ملايين شخص يشاهدون أكثر من عشرين مليار صفحة تدوين شهريا، وأن المستخدمين ينشرون 70 مليون منشور جديد و77 مليون تعليق جديد كل شهر، وتشير إحصائية أخرى إلى أنه من بين 1.7 مليار موقع في العالم، هناك حوالي 500 مليون مدونة، وهذا إنما يشير بوضوح إلى أن تأثير المدونات قد لا يقل أهمية عن وسائل التواصل الاجتماعي– فيسبوك وتويتر– في التأثير على الرأي العام، خاصة أنها تعد من أفضل مصادر المعلومات حول مجمل القضايا التي تهم الأشخاص في المجالات كافة، الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية.

 

وتشير العديد من الدراسات إلى أن المدونات، ووسائل التواصل الاجتماعي بوجه عام، أثرت بدرجة كبيرة في الرأي العام، سواء بشكل مباشر من خلال متابعيها، أو بشكل غير مباشر من خلال تأثيرها في وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية، خاصة بالنظر لما تتمتع به من سرعة في الاستجابة للأحداث ومن قدرة على الانتشار بشكل كبير، بل أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تقوم بدور فاعل في تشكيل رأي عام دولي موحد تجاه قضايا بعينها نتيجة التفاعل بين مستخدميها الذين ينتمون إلى ثقافات مختلفة، لكنهم يؤمنون بمنظومة مشتركة من القيم، ولعل المثال الواضح على ذلك التأثير الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في توجيه الرأي العام الدولي تجاه الاعتداء الإرهابي الذي استهدف مسجدين في نيوزيلندا في مارس من العام 2019، وتوصيفه باعتباره عملاً إرهابياً، وأجبرت شركتي فيسبوك وتويتر على إزالة المحتوى الرقمي الذي يحض على الكراهية ويحرض على العنف ضد المسلمين في الدول الأوروبية.

 

عامل مساعد في حركة التغيير

 حيث لم يقتصر دور وسائل التواصل الاجتماعي على تشكيل توجهات الأشخاص تجاه قضايا بعينها، وإنما تطور هذا الدور إلى دفع حركة التغيير في بعض الدول، ولعل أحداث ما يسمى "الربيع العربي" كانت كاشفة لهذا الدور، فالدعوة إلى المظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها العديد من الدول العربية منذ نهاية عام 2010 كانت تتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة "فيسبوك" و"تويتر"، وكذلك من خلال المدونات التي كان لها دور كبير في كشف العديد من أوجه الخلل ومظاهر القصور في أداء بعض الحكومات العربية، وخاصة قضايا الفساد السياسي وغياب الشفافية والعدالة الاجتماعية، والتي شكلت في جوهرها أحد العوامل التي دفعت الشباب في هذه الدول إلى التظاهر والدعوة إلى تغيير الأنظمة، احتجاجاً على هذه الأوضاع والمطالبة بتغييرها من وجهة نظرهم.

 

وسائل التواصل الاجتماعي وأثرها في التنشئة الاجتماعي

يتفق كثير من باحثين علم الاجتماع السياسي على أن وسائل التواصل الاجتماعي أثرت بدرجة كبيرة في التنشئة الاجتماعية والسياسية، وخاصة على النشء والشباب الأكثر استخداماً لها، وإن كان ثمة خلاف بينهم حول طبيعة هذا التأثير، ففي الوقت الذي يصف فيه البعض هذا التأثير بالإيجابي، استناداً إلى أنه يمكن توظيف وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لبث القيم الإيجابية كالولاء والانتماء والمشاركة الفاعلة في بناء الأوطان وتنميتها؛ يعارض آخرون ذلك، من منطلق أن وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في تراجع الدور الذي تقوم به مؤسسات التنشئة الأصيلة كالأسرة التي لم تعد مخزن للقيم بعد أن استولت وسائل التواصل الاجتماعي على عقول النشء والشباب إلى درجة الإدمان، وبدأت تهدد كثيرا من القيم التي كانت تحرص عليها الأسرة، بعد أن أصبح الشباب خاضعين لقيم العالم الافتراضي التي تبثها وسائل التواصل الاجتماعي على مدار الساعة.

 

لقد باتت وسائل التواصل الاجتماعي تشكل المصدر الرئيسي لتنشئة النشء والشباب، وهذا لا شك قد يؤدي على المدى البعيد إلى انحسار الثقافة التقليدية الأصيلة وتراجعها لصالح هذه الثقافة المعولمة التي تروج لمنظومة مختلفة من القيم والعادات،والخطورة في ذلك أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤصل لفكرة ارتباط الإنسان، لا بالدولة القومية والمجتمع الوطني، بل بالعالم أجمع، وتعزز من فكرة الخروج من المجتمع الضيق المحدود إلى العالم الكوني، مع ما يعنيه ذلك من ذوبان الهوية والشخصية الوطنية في قالب هوية وشخصية عالمية يفقد فيها الفرد جذوره ويتخلى عن ولائه وانتمائه.

 

وسائل التواصل الاجتماعي وأثرها في التثقيف والمشاركة السياسية

تشير العديد من الدراسات إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت تسهم بدور كبير في التثقيف السياسي، من خلال ما تتيحه من محتوى رقمي متنوع يتناول مختلف النظريات والأفكار والأيديلوجيات السياسية، وتعد فئة الشباب الأكثر تأثراً بهذا المحتوى، بحكم ما يتمتعون به من سمات تجعلهم أكثر انفتاحاً على الثقافات العالمية والتجارب السياسية في الحكم لمختلف دول العالم، ويكشف هذا بوضوح أن وسائل التواصل الاجتماعي بأشكالها المختلفة تمثل نافذة مهمة للتثقيف السياسي وزيادة الوعي بأهمية المشاركة السياسية، إذ أن المشاركات المتعددة للمحتوى الذي تنشره صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من شأنه أن ينمي المعرفة السياسية والمساهمة في التنشئة السياسية للنشء والشباب،ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يدفعهم إلى المشاركة في العمل السياسي، خاصة في ظل تنامي دور الشباب في السياسة العالمية، إذ أن كثيراً من القيادات والمسؤولين السياسيين في العالم ينتمون إلى جيل الشباب.

 

كما أتاحت، في الوقت ذاته وسائل التواصل الاجتماعي للشباب فرصاً عديدة للتعبير عن مواقفهم تجاه مختلف القضايا المحلية والعربية والدولية، وهناك من يذهب إلى أنها لم تعد مواقع للمعلومات السياسية فقط، بل تحولت إلى آليات للتدريب على ممارسة العمل السياسي، وليس أدل على ذلك من أن وسائل التواصل الاجتماعي أفرزت خلال السنوات الماضية نخبة جديدة من الشباب العرب يتابعهم الملايين، ويمتلكون القدرة على التأثير والإقناع .

 

وسائل التواصل الاجتماعي: أدوار شائكة

 في الوقت الذي تلعب فيه وسائل التواصل الاجتماعي العديد من الأدوار الإيجابية، سواء في ما يتعلق بتنمية الوعي والتأثير في الرأي العام والدفاع عن قضايا الحريات العامة، إلا أنها في المقابل يساء توظيفها بصورة تهدد الأمن والسلم، خاصة أنها لا تخضع لأطر أو قوانين تضبط المحتوى الذي يتم نشره عليها، بل أنها تحولت في الآونة الأخيرة إلى أداة تساعد التنظيمات المتطرفة في نشر الأفكار الهدامة والتحريض على العنف والكراهية، وفي نشر الشائعات وإثارة الفوضى والإضطراب، وهذا ما يمكن أن يطلق عليه الأدوار الشائكة والخطيرة لوسائل التواصل الاجتماعي، والتي يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

 

تضليل الرأي العام:

مع أن وسائل التواصل الاجتماعي تسهم بدور رئيسي في صناعة الرأي العام وتشكيله، إلا أنها قد تتحول في بعض الأحيان إلى منصات للتضليل الإعلامي، وتوجيه الرأي العام في بعض الدول بشكل معين يخدم مصالح دول أو جماعات بعينها، بعيداً عن الحقيقة.

 

التضليل الإعلامي لا يتوقف عند هذا الحد بل يكون أيضا من خلال حسابات وهمية خارجية، لكنها تتبنى مواقف بعينها للتأثير في الرأي العام داخل دولة محددة،كما أن وسائل التواصل الاجتماعي، حسب دراسة صدرت عن جامعة أوكسفورد في يونيو عام 2017 تحولت إلى أدوات في أيدي بعض الحكومات للتأثير في مضامين الرأي العام في الداخل؛ ومن أمثلة التضليل الإعلامي ما يحدث أثناء الانتخابات حين يتم توظيف وسائل التواصل الاجتماعي في إطلاق شائعات وأخبار تحاول إما صرف الانتباه عن الاستحقاق الانتخابي برمته، أو التأثير على صورة أحد الأطراف لتحقيق مصالح أطراف أخرى.

 

توظيف وسائل التواصل الاجتماعي في نشر التطرف والترويج لخطاب الكراهية

غالباً ما تلجأ الجماعات الإرهابية إلى منصات ومواقع التواصل الاجتماعي لنشر أفكارها المتطرفة، لأنها تجد فيها وسيلة رخيصة نسبياً وملائمة وآمنة لإيصال رسائلها، فضلاً عمّا تتيحه من وسائط متعددة مثل الصور والفيديوهات والمقاطع المسجلة،ولعل ما يساعد التنظيمات المتطرفة والإرهابية أيضاً في استغلال وسائل التواصل الاجتماعي، ما يطلق عليه "البشر المتنكرون" الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بأسماء وهمية، لكنهم في الأصل تابعون لتنظيمات متطرفة ويروجون لأفكارها الهدامة والتخريبية، وهؤلاء البشر المتنكرون أو "أصحاب الحسابات الوهمية" على مواقع التواصل الاجتماعي باتوا يشكلون خطراً متفاقماً، خاصة أنهم يوظفون وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يضر بالأمن الوطني للدول والمجتمعات من خلال بث الأخبار الكاذبة والإشاعات المغرضة التي تضر بمصالح هذه الدول، وإثارة الفوضى فيها.

 

ويعتبر "تويتر" أحد أهم وسائل التواصل الاجتماعي التي تستخدم للتفاعل والتنسيق بين التنظيمات المتطرفة والإرهابية، خاصة أنه يوفر مجتمعات افتراضية متغيرة، وهو ما تستفيد منه تلك الجماعات في التجنيد والتنسيق والتخطيط لعملياتها الإرهابية،باتت وسائل التواصل الاجتماعي مع انهيار تنظيم "داعش" في العراق وسوريا عام 2018 تشكل أحد مقومات بقاء التنظيم، حيث يعتمد على تجنيد أنصار جدد من خلال ما ينشره من محتويات رقمية متنوعة على مختلف منصات التواصل الاجتماعي،وهي الاستراتيجية التي يطلق عليها الباحثون استراتيجية "مضاعفة القوة"، عبر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي،لجعل التنظيم يبدو أكثر قوة مما هو عليه، وإيهام أنصاره بأنه ما يزال قادراً على الحشد والتعبئة.

 

نشر الشائعات الهدامة تمثل واحدة من المخاطر الناجمة عن سوء توظيف وسائل التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت تمثل المصدر الرئيسي للعديد من الشائعات، خاصة مع تنامي ظاهرة الحسابات الوهمية في وسائل التواصل الاجتماعي، والتي لا يمكن السيطرة عليها بسهولة، فضلاً عما تتميز به وسائل التواصل الاجتماعي من سهولة وسرعة في نشر وتداول المعلومات والأخبار عليه ، وذلك لعدم وجود رقيب أو قواعد وأسس للنشر على تلك المواقع.

 

وتعد وسائل التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لانتشار الشائعات وتداولها بشكل فائق السرعة بفعل خصائص البث الفوري والتداول الجماعي التي تتمتع بها، فضلاً عن توافر أدوات تزييف الصور وفبركة الفيديوهات، والتي تضفي بدورها حبكة محكمة على محتوى الشائعات تساعد في انتشارها،وقد انتشرت العديد من الشائعات في الأشهر القليلة الماضية، عبر منصات ومواقع التواصل الاجتماعي تستهدف الإساءة إلى رموز وقيادات سياسية في العديد من الدول العربية.

 

ولعل أحدث مثال على كيفية توظيف مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الشائعات، هو أزمة فيروس كورونا(كوفيد-19)، حيث انتشرت على هذه المواقع معلومات مغلوطة حول أعداد المصابين بالفيروس في بعض الدول العربية ليس فقط للتشكيك في منظومتها الصحية والوقائية، وإنما أيضاً لإظهارها عجزها وإضعافها أمام شعبها، واتهامها بغياب الشفافية وعدم المصداقية أمام المجتمع الدولي.

 

التحريض على الفوضى وإثارة الاضطرابات: مع التوسع في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي فقد أصبحت ضمن أهم الأدوات التي يتم توظيفها في التحريض على الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار في العديد من الدول العربية. وتشير إحدى الدراسات الغربية  إلى أنه لولا وسائل التواصل الاجتماعي لما كان ما يعرف بـ"أحداث الربيع العربي" التي شهدتها بعض الدول منذ نهاية العام 2010، أن تنطلق وتمتد من دولة إلى أخرى، فما حصل من اضطرابات في هذه الدول كان نتيجة الحشد والتعبئة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت التليفزيوني، والإعلام الإلكتروني بوجه عام الذي قاد عملية الحشد والتظاهر ضد النظم الحاكمة في هذه الدول، فقد أظهرت هذه الأحداث أن وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة الفيسبوك باتت تقوم بالحشد للمظاهرات المليونية، وبعمليات التوعية والحشد عن طريق المجموعات والصفحات والتعليقات والدعوات، والتحريض على إسقاط الأنظمة عبر البيانات المنشورة على الإنترنت، والتي تحظى بمتابعة الآلاف في دقائق معدودة.

 

بل إن وسائل التواصل الاجتماعي باتت تمثل أهم الأدوات التي يتم توظيفها في إدارة الصراعات والأزمات الدولية، سواء من خلال بث الإشاعات الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي يمكن أن تزلزل اقتصادات دول كبيرة، كالإشاعات التي تروج حول شركات عابرة للقارات فتؤدي تلك الإشاعات لتدهور أسهمها في البورصة، أو من خلال نقل أخبار بعينها عبر مواقع تجسس، أو مواقع ناقلة لمعلومات سرية مثل "ويكليكس" لإثارة الخلافات بين الدول، أو تكريس الانقسامات داخل الدول ومؤسسات الحكم فيها،ولهذا فإن من يمتلك آليات توظيف وسائل التواصل الاجتماعي يكون أكثر قدرة على تحقيق أهدافه والتأثير في سلوك الفاعلين الآخرين.