على مدار الساعة

للحزن والأسى كلمة عن محمد بن النهاه "الأخلاق"

15 ديسمبر, 2020 - 00:19
بقلم الأستاذ / محمد بن البار

للحزن والأسى كلمة عنوانها {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلي ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي}

كنت قبل اليوم أعنون مقالتي هذه بـ:"للإصلاح كلمة"، إلا أن عنوانها اليوم هو كلمة مكتوبة في حزن القلب و الجوارح، فإذا كان الألم والحزن سيتركني ولو قدر تدوينة وسط هذا الحزن المتكامل الذي تركه كاملا غير منقوص فراغ أخي و زميلي و صديقي - فراقا ولو مؤقتا - محمد بن النهاه (الأخلاق) الذي لم نعلم بفراقه للدنيا إلا بعد عشرين ساعة من وفاته، ولذلك فلو علمت بها برغم من اعتلال صحتي ولو كان مصابه يعدي بالموت نفسه لا بكورونا لأتيته حبوا لنسمع منه تلك الكلمات التي ما كانت تسمع ولن تسمع لأي داخل على أكرم الكرماء إلا من هذا الراحل - وهنا نسأل الله من فضله وكرمه أن يكون أسمعها له هو عندما بلغت روحه الحلقوم، وهو في ذلك أقرب الأقربين منه فيسمعه مرحبا مرحبا ويكررها له عدة مرات مشفوعة بقوله تعالى: {و بشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم} وتقول له الملائكة ادخل: {نزلا من غفور رحيم}.

 

وهنا أقول للجميع ما أعطاه الله من الأخلاق (لمحمد بن النهاه الأخلاق) يثقل على كل كريم تطاول إليه لأنه جسم مجسدا - فمن لم يلقه و يتكلم معه كيف يفهم خلقا مجسما نبتت  في أعضائه أخلاقا مجسمة لسانا نظرا سمعا بشاشة ساكنة ولو كنت بأي صفة سواء كنت وزيرا أو  في منصب كبير أو كن حيث شئت فإن هذا الخلق سيلقاه السائق والبواب إلى آخره و لكن مع ذلك كل له خطابه الممتع يتمتع به مثل تمتع الآخرين، والذي يتغذى به روح المخاطب مهما كان.

 

فإذا كان الأخ النائب الخليل النحوي جزاه الله خيرا قد سبق وعبر تعبيرا صحيحا صادقا مستحقا عن أخلاق السيد سيدي محمد ولد شيخ عبدالله رحمه الله بأنه زاوج بين السياسة والأخلاق وقال إنه لو خير ببقاء واحد منهما عن الآخر لأختار الأخلاق وحدها، فإن أخي أنا و زميلي (محمد بن النهاه الأخلاق ) لم يدخل إلا مدرسة واحدة هي مدرسة الأخلاق فالسياسة ومهنة الشرطة مزج الجميع مزجا حمضا نوويا للأخلاق فزرعه الله فيه وهكذا جمع فيه جميع المدارس التي دخلها، فالأخلاق في كل الاتجاهات وفي كل وظيفة تقلدها دخلت معه كما تفعل الصفة الجبلية في الشخص.

 

فلو كان ملك الموت يكتفي في السنة بأخذ روح من جمع الله الأخلاق في روحه لاكتفى هذه السنة بأخذ روح (محمد بن نهاه الأخلاق).

 

ولولا أني قرأت بعد علمي بوفاته بساعة واحدة تدوينة لرجل فاضل هو الآخر ذو أخلاق عالية وهو الحسين ولد مدو أطال الله عمره ونجاه من كل سوء لما استطعت أن أكتب هذه الكلمة عن (محمد بن نهاه الأخلاق) لأني سوف لا أعرف من أين أبدأ لأن حسن الخلق يتصف الكثيرون، ولذا عندما أراد الله أن يصف به نبيه ذكر عظمته وبلفظ تأكيد فقال: {وإنك لعلى خلق عظيم} أما نحن فخلق صاحبنا فهو من نوع غريب نصفه بقوله تعالى: {يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم}.

 

وهنا أقول للأخ الحسين لو كان يعرف حقا علاقتي معه لعدني أولا من ذهب ثلثاه لا نصفه مع روح وجسد (محمد بن النهاه الأخلاق).

 

ولو كان يعرف أخلاقه المهنية لما استطاع أن يوقف قلمه ولاستصغر ما كتب في أخلاقه المحظرية إلى آخر ذلك.

 

فأنا عشت معه المهنة المعروفة الطويلة وكنا في أول الثمانينات نجوب نواكشوط في الدوريات حفاظا على الأمن، وأنا أعرف أنه هو عند انتسابه لهذه المهنة أخذ لها مصفاة الخلق الذي هو بالنسبة له جبلي يمشي فيه على رجليه، وتلك المصفاة لم تعرف ولم تسمع قول أو فعل سوء يخرج من (محمد بن النهاه الأخلاق) لأي بشر كان.

 

وهنا أذكر بخلق واحد جمع فيه (محمد بن النهاه  الأخلاق) العظمة والتواضع وعلو النفس والهمة، فبعد أن كان حاكما وواليا ورجع مفوضا، أرجعت فرقته لإعادة التدريب في مدرسة الشرطة مستهدفا هو لأسباب لا داعي لذكرها، وأمرت تلك الفرقة بالخدمة اليدوية بإزالة الأتربة والأوساخ عن المنزل "الكبير"، فكان (محمد بن النهاه الأخلاق) هو أول من لبس لباس رياضة المدرسة وأخذ (أبيلة) وذهب إلى المنزل وبالضبط إلي باب خروج السيارة، وبدأ عمله غير ملتفت إلى أي أحد، وقد فوجئ الآمر برؤية (محمد بن النهاه الأخلاق) هو أول من يمتثل الأمر، فلا شك سقط المعتقد الأول وانتهى الأمر.

 

أيها الأهل والأقرباء لنا جميعا و(لمحمد بن النهاه الأخلاق) خاصة بالنسب فعليكم أن تعلموا أنكم قدمتم أمامكم شفيعا لكم في أخلاقه، فالله لا يشفع أي بشر إلا إذا ارتضي عن الشافع والمشفع فيه يقول تعالى: {وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضي}، فكل مهنة تقلدها وتعرف الناس ما فيها من سوء الأخلاق، لا يبحث عنه في سجله هو، فسوف تجد الملائكة الكتبة لسوء الأخلاق قد أراحهم (محمد بن النهاه الأخلاق) من الكتابة على الشمال، فقد بدل السوء في المهنة أخلاقا.

 

وفي الأخير نحن نؤمن بصدق حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أول ما يوضع في الميزان حسن الخلق)، ومعنى ذلك أن ميزان (محمد بن النهاه الأخلاق) الآن مثقل بحسن الخلق، يكاد يثبطه عند ما يريد أن ينوء به، والله يقول {أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه}.

 

ونقول لجميع لعائلة الكبيرة، ولاسيما أهل النهاه إني وهم علينا أن نقول:

أولا: في رحمة (محمد بن النهاه الأخلاق) ما قاله الشاعر العلوي عند موت ا لعالم التندغي :

نعي محمد الناعي فقلت له *** هلا عطفت عليه الخلق والعملا

 

فالشاعر قال: "هلا عطفت عليه العلم والعملا" و(محمد بن النهاه الأخلاق) كل ما يحمد في المرء من علم ومروءة جعله الله له في الأخلاق، كما نقول أنا وهم في نفس الوقت :

نفاد زادك من دنياك زودنا *** حزنا وإن كنت مسرورا به جذلا

ورودك الموت روانا الزعاق وإن *** رواك وروده الصهباء والعسلا

 

ونقول لكم أنا وأنتم كما خاطب الشاعر التندغيين :

يا أربعين جوادا إن حسبكم *** لطف المهيمن فلترضوا بما فعلا

ولتذكروا الرزء لا ضاعت أجوركم *** لخاتم الرسل تنسوا خاتم الفضلا

 

فتعازينا خاصة لأصحاب الحاجات عند (محمد بن النهاه الأخلاق).

 

واشهدوا جميعا أننا قلنا: {إنا لله وإنا إليه راجعون} رجاء لنا ولأهله ومحبيه وما أكثرهم أن نجد ما سطره الله لمن قالها: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}.