على مدار الساعة

أسباب و جذور سوء الحكامة في البنك المركزي

16 نوفمبر, 2020 - 14:55
لحبيب ولد برديد  كاتب و محلل سياسي

يتجه وضع البنك المركزي نحو الأسوأ من التغيير الذي طال رأسه في يناير 2020. و قد آن الأوان لتصحيح وضعية هذه المؤسسة، التي تعتبر من أهم مؤسسات البلد، و الذي بات ناقوس الخطر يدق في مصداقيته منذ أعوام و ذلك بناء على شبهات كبيرة للفساد تحوم حوله(خيانة الأمانة، و سوء التسيير و اختلاس الأموال العمومية).

 

لا تزال هذه المؤسسة الحيوية تعيش شبهات فساد لا يمكن تخيلها. و يبقي البنك المركزي من بين المؤسسات العمومية الموريتانية، التي لا تزال محاربة الفساد و الحد من السلطات التقديرية لمسؤوليها ضعيفة إن لم نقل غير موجودة.و في هذا الصدد تم إقرار قانون سنة 2018 بنية سيئة يعزز بشكل كبير للاستقلال المؤسسي لمعهد الإصدار بذريعة كاذبة تهدف إلي تفادي أن تكون المؤسسة عرضة للتدخل السياسي.و باسم هذه الاستقلالية السياسية المؤسسية، لم يعد البنك المركزي يخضع لأي نظام رقابة لا عن طريق محكمة الحسابات و لا عن طريق المتفشية العامة للدولة.قد يبدو هذا في ظاهره حسنة مؤسسية، لكنه في الحقيقة ليس إلا سلاحا استثنائيا ذي حدين. فيمكن أن يستغل المسئول النهم هذه الثغرة لجعلها بوابة للعديد من عمليات الفساد المالي و تبديد الثروة. و هي أحد العوامل التي تعيق الدولة لتطوير تنميتها و نموها مع ما يترتب على ذلك من لازمة الآثار السيئة لصحة الاقتصاد و رخاء المواطنين.

 

 إن خيانة الأمانة و الفساد عشعشا في بيئة مناسبة بفعل غياب سلطة رقابية، و هو ما جعل الأرضية خصبة لممارسات الفساد. كما أن تراكم هذا الخلل و الممارسات غير لائقة، قد يقضيان مع الوقت على مصداقية البنك، إذا لم يتم محاربة الأسباب المؤدية لذلك.

 

 فالفساد يتغذي من نفسه بخلق حلقة من التحويلات غير المشروعة التي تقضي في النهاية على التنمية.

 

إن هذه الوضعية قد تقود على المدى البعيد إلي العنف الاجتماعي و عدم الاستقرار و تشجع تشكيل حلقة مفرغة من الفقر، الذي يخشي أن يظل البلد حبيسه.

 

لقد آن الأوان أن تنجح السلطات النقدية في تحويل الانحرافات الإدارية و الخلل الإداري و الممارسات السيئة القائمة على المحسوبية و الزبونية إلي نمط إداري يقوم على مبادئي كفاءة الأطر و مهنيتها و خضوعها لقواعد الجودة الإدارية. فالبلاد تحتاج أكثر من أي وقت مضي لنموذج إداري يقوم على الفاعلية و الاستقرار، و يكافئ ذوي الاستحقاق و الأقدمية، و يساعد في صياغة روح إدارية جديدة تشجع العمل و الإخلاص.

إن الكفاءة لا تنقص في هذا البلد، لكن الذي ينقص هو المسؤولية المالية و المسؤولية تجاه النتائج التي يجب أن يخضع لها تسيير المسؤول.و التاريخ يحتفظ لنا بمحطات مؤلمة لسير مؤسستنا الاقتصادية و المركزية، و كان تسيير بعض  هذه المحطات يتميز بعمل العصابة، إذ أصبح الفساد سببا للثراء الفاحش و تجميع رأس المال.

 

و بحسب الكثير من المراقبين و المعلقين فإن ما يجري في البنك المركزي لا يتعلق فقط بادعاءات مرتبطة بخيانة الأمانة و إنما بشبه فساد قوية على شكل آلية رهيبة للنهب بكل وقاحة. و هنا أود أن أوضح أن دافع الكتابة عن الموضوع  ليس ذا طابع شخصي، فأنا لا محالة سأكون مسرورا بحصول أي  تغيير يحسن من التسيير الجيد لمسئولينا.
إن هذا التحليل ليس إلا نقدا بناءا من اجل إثراء حوار وطني حول طرق سير مؤسساتنا، فسر تميز بعض البلدان و نجاحها يعود في الأساس إلي مثل هذه الحوارات و البحوث المتصلة بمستوي تحسين الحكامة و حسن سير المؤسسات. و على أية حال فإنه ليس من الممكن إن نلتزم الصمت إزاء التسيير السيئ للشأن العام و الممارسات الضارة، و التي حولوها بعض المسؤولين  مع الوقت إلي نموذج لقواعد الإدارة في موريتانيا، فالله سبحانه و تعالى أمرنا في محكم كتابه بالشهادة بالحق، حيث يقول:" ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم " .

 

لقد حان الوقت إلى  أن نصل لليوم الذي يثار فيه كل شيء، فالحد الأدنى من أسياسيات الديمقراطية يتيح للمواطن حق الإعلام و التوضيح حول القضايا المرتبطة بهمومه و مصالحه. و ينبغي هنا استحضار  أن سبب ما نحن فيه هو منح المسؤوليين العموميين لهامش كبيرة من المناورة في التسيير و هو ما شجع الشطط الإداري و التسيير و الفساد.