على مدار الساعة

عند ما توشح فرنسا وزيرا موريتانيا متهما بالفساد من طرف محكمة حسابات بلده

25 أغسطس, 2020 - 18:50
د. أحمد ولد المصطف

بحسب تصريح يحمل عنوان: "حفل تسليم وسام يوم 16 إبريل 2017 بسفارة فرنسا"، صادر عن السفارة الفرنسية بنواكشوط بتاريخ 16 إبريل 2017 ومنشور من طرف موقع Cridem يوم 21 من نفس الشهر، فإن وزير الاقتصاد الفرنسي ميشل سابين قد قَلَّدَ باسم الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، وبحضور السفير فرنسا المعتمد في نواكشوط، أعلى وسام فرنسي وهو وسام "جوقة الشرف" لوزير التعليم العالي والبحث العلمي الموريتاني.

 

بحسب نفس التصريح، فإن هذا الوسام "يُمنحُ أيضا وبشكل استثنائي جدا كتقدير لجهود الرعايا الأجانب الذين تميزوا بالخدمات التي أسدوا لفرنسا أو للقضايا التي تدعم". يثني التصريح أيضا، من بين أمور أخرى، على تعلق الوزير المذكور بالنموذج الفرنسي للتعليم العالي.

 

لا أحد يستطيع أن يعتقد لحظة واحدة أن السفارة الفرنسية في نواكشوط لم تكن على علم بقضية سوكوجيم، وهي شركة وطنية كان مديرها العام من 2005 إلى 2010 الوزير الموشح. فإثر بعثة تفتيش أوفدتها محكمة الحسابات، بعد ظهور تقرير من جريدة Points chauds حول تسيير هذه الشركة، اتهمت هذه الهيئة الرقابية الدستورية المدير العام السابق باختلاسات ووجهت له تحذيرا بتسديد مبلغ 417 مليون أوقية. لقد كانت هذه القضية حديث الساعة في موريتانيا منذ شهر إبريل 2010. التحاق المدير العام السابق لشركة سوكوجيم بمعسكر الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وتعيينه، بعد انتخابات 2014، وزيرا للتعليم العالي لم ينه هذا الملف. لقد تشبثت محكمة الحسابات باتهاماتها حياله وأدرجت وقائع هذه القضية في تقريرها لسنوات 2010 ـ 2011 ـ 2012 والذي نشر للعموم في 6 ديسمبر 2019.

 

من جهة أخرى، فكون السفارة الفرنسية تسمح لنفسها، وعلى طريقتها الخاصة، بحق تقييم حصيلة وزير في دولة ذات سيادة متهم باختلاس أموال عمومية وتمنح له أعلى وسام فرنسي يعتبر ليس فقط تدخلا في الشؤون الداخلية لذلك البلد، بل يمكن فهمه أيضا على أنه دعم لتكريس الفساد الذي أنهك بلدنا طيلة العشرية المنصرمة.

 

إن خلاصات الدراسة التي قامت بها اليونيسكو (المعهد الدولي للتخطيط التربوي / IIEP)، قطب داكار سنة 2018 حول التعليم العالي في موريتانيا والمنشورة على الشبكة العنكبوتية وكذا الدراسة التي قمت بها شخصيا والتي تحمل عنوان: "اختلالات وتناقضات  التعليم العالي في موريتانيا: تحليل ومقترحات"، والتي نشرت في العديد من المواقع الإخبارية المحلية، تبينان، بالبراهين القاطعة، على أن التعليم العالي في موريتانيا يعاني من اختلالات بنيوية تعود، من بين أمور أخرى، إلى سوء الحوكمة وانعدام إستراتيجية حقيقية لتطويره، وذلك ما يمنعه من الإقلاع.

 

في الآونة الأخيرة تم تقديم طلبات إلى الجهات الرقابية الرسمية للقيام بتدقيق في تسيير التعليم العالي بغية تسليط الضوء على مؤشرات الفساد القوية التي توفرت عن هذا القطاع خلال السنوات الأخيرة.

 

في الختام، إذا كان شركاؤنا الأجانب، بما في ذلك فرنسا، جادين ويريدون دعمنا بشكل حقيقي في مجال التعليم، فإن عليهم أولا التوقف عن التدخل في سياساتنا التربوية.

 

عاشت موريتانيا مستقلة وكاملة السيادة!