على مدار الساعة

القضايا العادلة: مشروعية الدفاع، وخطأ المنهج

10 يونيو, 2020 - 15:26
محمد الحسن ولد محمد أحمد

كانت العبودية وما تزال القضية الشائكة، والملف القابل للاشتعال في أي لحظة يتم التعاطي فيها معه بتهور أو استعجال أو قفز على المحطات الطبيعية التي ينبغي أن تسلك في مثل هذه الحالات، شأنها في ذلك شأن أغلب القضايا الوطنية التي تطرح بين الفينة والأخرى وهي بحاجة لتوافق وإجماع وطني يضع الخطوط العريضة للحل ويقطع الطريق أمام هواة التأزيم.

 
 

العقلاء كلهم مجمعون على إدانة ممارسة العبودية والبراءة منها بأي شكل من أشكالها، خفية كانت أو ظاهرة للعيان، وبما أن الأمر كذلك فلن نغوص في البعد التاريخي للقضية ولا المواقف المتباينة زماكنيا، حسب الظروف السياسية التي تطرح فيها قضية العبودية، نرجو ونأمل أن تختفي "حكومات اللعن" تلك وأن يكون اللاحق مصححا ومستدركا ناظرا لمستقبل أفضل لهذا الشعب.

 

أتفق تمام الاتفاق مع الذين يدافعون عن حقوق الإنسان بصدق وإخلاص يقي رياء الجوائز الدولية والتحقيقات الصحفية، فأبواب النجاح كثيرة وفرص التميز لا تتطلب الإثارة إلا لمن ضاقت عليه الطريق... فالكثير من القضايا العادلة ما زالت تشكو من ظلم رافعي ألويتها وتنشد الخلاص.

 

صحيح أنه لا يمكن لشعب أن ينهض ما دام فيه من يشعر بالنقص والحرمان، ولكن أين الحرمان الممارس؟ وهل هناك تمييز في موريتانيا على مستوى العرق أو اللون أو اللسان؟

 

أعتبر- وهذه قناعتي - أن الكل متساوون في الحقوق الطبيعية؛ من تعليم وصحة وحق في انتخاب و...، وإن كان هناك من ظلم فنحن متساوون فيه وموزع بيننا بطريقة عادلة، وهذا ما يستدعي منا أن نوسع دائرة الاهتمام بالمظلومين والمهمشين لنكون بذلك أمام قضايا عادلة في جوهرها وعامة ومجردة في المستهدف منها وذلك مُعِين على الاستمراية وداعٍ إلى تشكيل رأي عام حول هذه القضية يحمي قدسية المطالبة بالحقوق المشروعة ويعصم المنهج من الخطإ المُودي إلى الترهل في طريق ليست بالسهلة.

 

آن للذين ينادون للقضاء على العبودية - وكلنا ينبغي أن ينادي بذلك - أن ينزلوا من أبراجهم العاجية وخطابهم "النخبوي" الملتقط من بيئة والمستورد من أمم وشعوب كلفها القضاء على هذه الظاهرة عشرات السنين وما زالت رغم وضوح القوانين وصرامتها تظهر فيها بعض التصرفات العنصرية، فالشق القانوني يحتاج لوعي مجتمعي والوعي المجتمعي لا تصنعه القوانين - قد تهذبه بالقوة - لكنه يحتاج لفترة يتشكل فيها وعي مجتمعي مواكب للقوانين.

 

فالتركيز في هذه المسألة ينبغي أن يكون على التعليم فهو البوابة الحقيقة لأي فتح تحرري، فالأجدر أن نطالب بالتمييز الإيجابي في التعليم ودعم الأسر التي ترسل أبناءها في سن التمدرس للعمل، وهذا ممكن فالأسر التي ترسل ابنها على عربة (أو غير من ذلك من المهن) ليعيلها ينبغي أن تعوض لهم الدولة من خلال المؤسسات التي استحدثت لمعالجة هذه الظاهرة والقضاء على مخلفاتها... والأمر لا يستدعي غير جهد إحصائي لهذه الفئة ونية صادقة وأمانة في التسيير للممسكين بالملف.

 

أعتقد أننا نمتلك ترسانة قانونية كافية انضافت إليها إرادة سياسية عبرت عن أهمية هذا الملف في برنامجها الانتخابي وجسدته بعد انتخابها في مؤسسة تعنى بهذا الملف وعليها أن تتسلح بالجدية والصرامة ووضوح الرؤية .

 

ختاما، لا ينبغي أن يكون هدفنا الوحيد نكء الجراح ونبش التاريخ من أجل إثارة الفتن لا من أجل القضاء على مخلفاته وتجاوزها، فالتاريخ لا يقرأ إلا بقدر ما تستخلص من العبر ويُبنى أساسها مستقبل يجمع الكل في أمن وطمأنينة... في وطن يحتاج منا أن نعمل سويا من أجل نهضته لا تُفرقنا قضية لم تعد عائقا بقدر مخلفاتها وآثارها الباعثة على الوحدة والعمل من أجل محوها، فمشروعية القضايا العادلة – أي قضايا - لن تجد فتكا أشد من المنهج الخطإ.