على مدار الساعة

للإصلاح كلمة توضح احتياج موريتانيا لإعادة استقلالها من جديد

22 أبريل, 2020 - 01:46
بقلم الأستاذ / محمد بن البار

كلمة الإصلاح بما أنها – ولله الحمد – لا تريد من وراء كتابتها الدائمة تحت هذا العنوان إلا أن ترى هذا الشعب الطيب الذي خلقه الله طيبا فوق هذه الأرض الطيبة وهو يسير فوق وطنه هذا ثابت القدم مرتاحا لتحقيق الهدف الذي وصفه الله بأنه أحسن مصير أعده الله للقليل من عباده المصطفين الأخيار يقول تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}.

 

هذه الصورة المشرقة من توفيق الله لبعض عباده في السلوك لتحقيقها، من نظر بها إلى جميع أفراد الشعب الموريتاني عربا وعجما بأبيضه وأسوده يرى أن طينة الإنسان الموريتاني صالحة للوصول إلى هذا المقام الأعلى السامي ولا سيما على الأقل غالبيته العظمى من كل فئاته، مع أننا نعرف أن في تاريخ قليل من أفراده كثيرا من السلوك غير الصالح لهذا المقام مباشرة، من غير أن يكون لذلك أثر في سلوك السواد الأعظم من الموريتانيين.

 

ولكن من فضل الله على هذا الشعب – وبالنظر لترسخ كل هذه العادات السيئة في أغلب الشعوب الأخرى – فإن الشعب الموريتاني وبجميع فئاته جاء لين العريكة سمح الأخلاق منقاد الضمير تلقائيا لكل خيرعند وضوحه.

 

وهنا أرجو أن لا نذهب بعيدا لإيضاح هذه الفكرة أو هذه السجايا أو الطبيعة التي خص الله بها مواطنينا كلهم من غير استثناء.

 

فموريتانيا في تاريخها غير البعيد نسبيا وهو وصول الاستعمار إليها 1905 تقريبا وهي متميزة العادات والطبائع والتعايش على النمط الذي سمته الحياة القبلية من غير أي مركز مدني سلطوي يعود إليه أي أمر.

 

ففي ذلك الوقت من كانت له سلطة من القبائل أو أفرادها يظهر تارة استعمالها ولكن مع مراعاة الجانب الإسلامي الذي ظلت وخزات أوامره لها مكانة راسخة في كل قلب من أفراد هذا الشعب مهما أراد الشيطان أن يكون الموجه الوحيد للموريتاني الأصيل، فقد ذاق الشيطان الموريتاني كثيرا من الانقلابات غير المتوقعة نتيجة الضربات الإيمانية التي يمن الله بها على بعض عباده في قوله تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}، وفي ذلك التاريخ لا شك كانت حياتنا تتسم بالطبقية ولكنها في أغلبها الطبقية الناعمة حتى بين السيد والعبد آنذاك، ولكن عندما نقول السيد والعبد ليس بمعني اللون بل بمعني الذات والعبد باسمه ووسمه، أما اللون من غير العبودية فلا أثر للعنصرية اللونية فيه، ولذا فإن ضرب المثل السائد آنذاك يقول (عبد ماه عبدك حر كيفك)، بل أبعد من ذلك فأي رجلين من قبيلتين إذا اختلف لونهما تبقي الندية فيما بينهما شبرا بشبر وباعا بباع، وهناك في قضية اللون ما هو أكثر ندية من هذا بين القبيلة نفسها فالسواد الأعظم من السود العرب في موريتانيا لم يسبق عليه رق، وبذلك فمنزلته مع اللون الأبيض العربي تتساوى تماما مع الطبقات الأخرى البيض والسود كل فيما بينهما، فهناك طبقية تراتبية نفسية طبعا لكن لا تخلو منها أمة وتقع في الأسر التي من أصل واحد، ولكن لا عن طريق اللون بل طبقية تعم الجميع لا يترتب عليها تصرف في المعاملة إلا بالرضى.

 

هذه الحياة عاشها الشعب الموريتاني تحت أيام الاستعمار بدون أن يتدخل فيها لمرونتها وصلاحيتها للتعايش، فبالرغم أن الاستعمار آنذاك في قمة طلب الحرية للإنسان إلا أنه لم يجد في موريتانيا من عدم المساواة ما يجعله يتدخل في الحياة الخاصة، فهو يرى المعاملة الاسلامية السمحة هي السائدة في المجتمع، فابتعد عن التدخل في الحياة الخاصة للشعب.

 

وباختصار فالعرب منا بمعني الناطقين بالعربية بيضا كانوا أو سودا يسكنون مع الأعاجم منا السود المواطنين في مدنهم وداخل ديارهم، فترى المحبة الخالصة والتعاون هو السائد فيما بين الجميع، والعكس كذلك، فالسود الأعاجم يسكنون مع العرب بيضا وسودا في كل مكان، لا فرق بين حياتهما وتعاونهما إلى آخره.

 

ونتيجة لهذه الطبيعة الطيبة ومرونة الأخلاق البيئي لدى الجميع واستعداد الجميع للقيادة الطارئة على المجتمع، فلم يجد رجالات الاستقلال أي صعوبة في اكتساح جميع العادات داخل الدولة الحديثة، فلم يظهر أي اعتراض بالسلوك أو الطاعة أو تنفيذ الأوامر مع قوانين الدولة أي صعوبة، فالأمر بدأ يصدر من الأعلى للأسفل أيا كانت التراتيبية وتحية التبعية وإظهار الاحترام هي السائدة بين الجميع ومع الجميع، وهكذا بدأت الثلة الخيرة من أبنائنا المسؤولين وكأنهم يسيرون دولة إغريقية أو مصرية ضاربة في القدم، وكما يعلم الجميع في ذلك الوقت لقلة المثقفين أصبح الإخوة الأشقاء وزراء في حكومة واحدة ولا غضاضة لكفاءتهم ومهنيتهم والانسجام مع القانون حيثما أمر.

 

وما أن جاء الانقلاب المحتوم في تلك الظروف المعلومة للجميع حتى اختل توازن السير المنظم للدولة، التي أصيبت بنكسة قبل بلوغها الرشد، ومما زاد في إصابة هذه النكسة للدولة في الصميم، هو أن كثيرا من شعبنا آنذاك لم تدخله الثقافة العصرية، ولم يشارك في الحقبة الذهبية من التسيير التي بدأها أولئك الأخيار من أمتنا، حيث وجد العسكريون التسيير أمامهم تبعا للقوانين والمراسيم والقرارات فلم يفهموا العمل بذلك، فأصبحوا يصدرون الأوامر مباشرة بالبرقيات ومذكرات العمل إلى آخره، فاغتنم المثقفون الجدد من أبناء الوطن الخريجين حديثا، فركبوا مع العسكر موجة فوضي التسيير، حتى جعلوا الوظيفة شبه غنيمة للأسرة وربما القبيلة، مقابل إطراء ذلك الموظف بالسخاء والعطاء غير المحسوب لما لا يملك الموظف، فانحرف بذلك كثير من المثقفين في تسيير الدولة تحت مسؤولية العسكريين، فبدلا من الملف المكتمل الذي بداخله السيرة البيضاء للموظف مصحوبة بشهادة الكفاءة الرسمية أصبح الحصول على الوظيفة العليا يكفي فيه لقاءات في الصالونات يعرف صاحبها المدح والإطراء والإشادة بالموظف وربما الأصل والقبيلة إلى آخره، وإن هي إلا سنين قليلة أصبح كل ناعق يبحث عن وسيلة يدخل فيها أنفه ويده لينهش من جسم الدولة التي يسلخ جلدها مبكرا (وهو الميزانية) عند رأس كل سنة تطل الميزانية برأسها فيها على المواطنين، فيبدأ التفنن في نهش جسمها حتى يصل ظفر اليد إلى قلبها ليحيله إلى مادة صالحة للسكن ولحياة الرفاهية المادية، وفي أثناء هذه الفوضي التي يحرسها العسكريون (ربما من غير قصد) يجهز المثقفون الجدد على توزيع الميزانية توزيعا عشوائيا، وأثناء هذا التاريخ الفوضوي ظهر بعض من العنصريين يدعون خصوصية الغبن العام، ويكفي طبعا في نشر الفوضي ناعق واحد لا يستحي من تحريف كل شيء عن موضعه لتحقيق الهدف.

 

وأخيرا جاءت هذه الديمقراطية الفوضوية ليتولى العسكريون تطبيقها وفهموا أن من أهم تطبيق الديمقراطية هو إنفاق الميزانية كلها تقريبا في الانتخابات وسياستها.

 

ومن هنا نصل إلى صلب الموضوع ملخصا في الآتي:

فموريتانيا الطبيعية الطيبة بجميع أفراد شعبها أجهض الانقلاب الأول مستقبلها الزاهر الوادع، وسقطت في يد أصلا مؤهلة للدفاع عن الدول لا إنشاء الدول ولا الإشراف على تفصيل حياتها سياسيا واقتصاديا إلى آخره، فكانت النتيجة هي خلق هذه الديمقراطية الفوضوية العسكرية التي جعلت نصب عينها هو الإنفاق بسخاء على كل ما يضاف إلى الديمقراطية، فقرروا رواتب ضخمة للنواب، ولجنة الانتخابات، وأنشأوا موالاة للرئيس لا للدولة طبعا، والسماح بخلق معارضة لا للتقويم ولكن للعزل السياسي عن التدخل في السياسة والاقتصاد إلى آخره، فبدأنا بديمقراطية معاوية العسكري ولكن بدون إرادة الاستيلاء على الدولة بل يريد فقط أن يرى نفسه داخلها، فوقع له ما يعرفه الجميع، وبعد أن استلمت منه الدولة وأخذها من أخذها بقوة وأمر قومه أن يأخذوها معه بالقوة، واشترك في ذلك الأخذ بالقوة معركة القلم والبندقية والتملق إلى آخره، حتى استوى هذا الرجل علي جوديها إلا أنه أصبح فيما بعد الملاح الوحيد المنفرد في القيادة، وبما أن تصرف المالك في ملكه ومن لا يرى أن يكون مالكا له إلا هو فلم تختلف التصرفات في الجميع، فباع واشتري وعاهد وقاطع وبني وهدم إلى آخر تصرف "المالك في ملكه الذي يسمي عدلا لا جورا".

 

ومن هنا أعود مناديا للجميع وادعوا الجميع أن ينادي معي (إن أندى للصوت أن ينادي داعيان) للإشادة بالفكر شعرا ونثرا الذي فكر في إنشاء هذه اللجنة البرلمانية ولكن ليس في النظر في العشرية الأخيرة وحدها، بل يجب أن نسمي هذه اللجنة على مؤتمر ألاك 58 تمهيدا للاستقلال الجديد، فهذه اللجنة الأم بالإضافة إلى عملها الذي بدأته يضاف إليها عدة لجان لتمحونا هذه اللجان من الخريطة الحالية، فتخطيطنا الأخير لحياتنا الدولية وقع من غير خبراء، فعلينا نحن الموريتانيين الأحياء أن ننتهز فرصة رئاسة هذا الرجل الحالي الكيس الهادئ الطيب الذي لا نظن أنه يريد هذا المنصب لزيادة ثرائه ولا للرفع من معنوياته ولكن يظهر أنه أراد أن ما يقال عنه من حنكة رأي ورزانة فكر أن يجسده في أعلى منصب يصل إليه الموريتاني صاحب هذه الأوصاف.

 

فمن تأمل خطاباته وحركاته وسكناته فسيجد شبها قويا بينه هو والمختار ولد داداه المدني رحمه الله، فيتصور الرائي أن تكون خانة واحدة تتسع لحياتهما الهادئة.

 

إذا علينا جميعا أن نتوجه إليه ليقوم من جديد بانقلاب أبيض كاسح، وإن أبيض الانقلابات وأسعدها هو ما يقوم به المرء على نفسه كما قال تعالى: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم}.

 

وفي صباح هذا الانقلاب يعلن للجميع أن لا دستور ولا قوانين ولا موالاة ولا معارضة ولا أحزاب ولا مجتمع مدني ولا معاهدة مع أي دولة ولا رخصة في أي موضوع وفي نفس الوقت تشكل كثير من ا للجان أكفاء أعفاء مثقفين يعيدون موريتانيا (شنقيط) الطيبة المتنوعة القنوعة المسامحة المتعايشة فيما بينها المتعاونة علي البر والتقوي، فموريتانيا ولله الحمد أصبح جميع طبقاتها مثقفين لا يخشي من انحراف سلوك بعضهم على بعض، مع أن الإسلام وهو المآل الوحيد لا أبيض فيه ولا أسود، ولا غني منفرد بغناه، ولا فقير يخشى الفقر على نفسه في دولته.

 

وعلي كل حال - السيد الرئيس – فكما أحكمتم الإجراءات خوفا من الوباء فعليكم أن تتبعوا ذلك بإحكام إجراء آخر يعيد لنا موريتانيا المسلمة الطيبة ذات الصيت الواسع الذي تتمني الشعوب الإسلامية أن تجعل حياتها كحياة شعبها، وأختم بما قاله الله عن قول مؤمن آل فرعون: {فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد}.