على مدار الساعة

كشكول الحياة (6).. هل يشوه فيسبوك وأمثاله عقولنا؟!

28 سبتمبر, 2019 - 13:46
محمد ولد إمام - إعلامي ومترجم

إن مسألة مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيرها فينا نفسيا أصبحت مسألة بادية للعيان، ومن أهم مظاهرها هذا الجوع والنهم للإطراء وإدمان المجاملة من الطرفين المُجامِل والمجامَل، حتى أضحى السكوت عن منشور ما وكأنه خيانة لصاحبه! كيف لم يُعجب فلان بمنشوري؟ كيف لم يعلق!

 

ولعل من أخطر الظواهر المرتبطة بالتواصل الاجتماعي هي المقارنات الظالمة، Unfair comparison، حيث نرى المنشورات الرائعة ونرى حياة المشاهير ونقارن أنفسنا بهم أو بالصورة – المزيفة غالباً – التي يصنعونها لأنفسهم، وهي صورة مثالية غير واقعية، كما أننا نهمل الجوانب الأخرى الغائبة من الصورة..

 

وأحب أن أعطي مثالا شهيرا على هذه المسألة، فلو أخبرتكم أن صديقي عبد الله مميز فهو يقرأ مدة ربع ساعة كل أسبوع، لكن أحمد أكثر تميزا بكثير فهو يقرأ ساعة كاملة كل يوم بانتظام، من الواضح أن أحمد أكثر تميزا ونجاحا من عبد الله في هذه الصورة، لكنها صورة ناقصة كثيرا فقد أغفلتُ تفاصيل حياتيهما الأخرى..

 

فانظر إلى التفاصيل الآن:

عبد الله عمره 20 عاما، هو المعيل الوحيد لأخواته يعمل بدوام كامل، ويعاني من ضعف النظر.

أحمد تجاوز الثلاثين! من أسرة ميسورة الحال، يعمل في شركة والده بدوام مرن flexible hours،      سليم الجسم.

 

فانظر كيف اختلفت الرؤية لديك عنهما! وكلما زدنا التفاصيل كلما اتضحت الصورة أكثر وأكثر، فالمرة القادمة التي ترى فيها أحدهم بصورة مثالية على مواقع التواصل وتحس بأنك فاشل أو جاهل أو فقير أو تعيس.. فتذكر أنك ترى جزءاً صغيراً فقط من الصورة، وهناك تفاصيل مُغفلة لا تعرفها وربما غيرت الصورة تماما.

 

فاحذروا من فخ المقارنة، فالمقارنة الوحيدة المطلوبة هي أن تقارن نفسك بماضيها فقط، كيف كنت في الماضي وكيف أصبحت اليوم، فهذا يدعوك للتحسين والتطوير الذاتي بعيدا عن الإحباط وتبخيس نفسك بمقارنتها بآخرين يختلفون عنك في ظروف حياتهم وتنشئتهم وحتى جيناتهم.. إلخ.

 

فكم أثرت هذه الوسائل على ثقة الشخص بنفسه self-esteem وقيمته في الحياة self-worth، وكثير منا يعرض نفسه فيما يسمونه في الغرب العملة الاجتماعية social currency، أي أنك تقيم صورك ومنشوراتك وشكلك بعدد الاعجابات أو التعليقات التي تحصد، فكلما زادت زادت القيمة وكلما نقصت نقصت القيمة! وكأننا نعرض أنفسنا في المزاد! فكم منا نشر صورة أو منشورا ولما لم يلق الإعجاب المتوقع أحبط وحذفها من حسابه؟ وهذا اعتراف ضمني بأن قيمة ما ننشره – وبالتالي قيمتنا نحن – تتحدد بعدد الإعجابات والتفاعل معها من طرف أناس لا نعرف أغلبهم، ومستوياتهم متفاوتة معرفيا وأخلاقيا.. إلخ ومع ذلك نسمح لهم بتقييمنا بل نقيم أنفسنا اعتمادا على آرائهم! إنه لشيء عجاب!