على مدار الساعة

نص الدستور .. أم مقرر الوزير؟!

17 سبتمبر, 2019 - 17:27
موسى محمود - نقابي طلابي

تستمر معاناة الطلاب في موريتانيا مع استمرار الوزير الحالي للتعليم العالي في تطبيق سياسة حرمان  جزء كبير من حملة شهادة البكلوريا  من مواصلة التعليم.

 

ولئن كان من السهل تبرير موقف الوزير منطقيا  لدرجة ما،  ومن صلاحياته في حدود ما خوله له القانون رقم 043-2010 الصادر بتاريخ 21/7/2010 المتعلق بالتعليم العالي، فإن ذلك التبرير والمخرج القانوني الذي وفره قانون 21 يوليو يتنازع ميدان التطبيق مع الدستور في بعض الحيثيات ويتنافى مع المعاهدات الدولية في أخرى.

 

ففي حين ينص الدستور الحالي للجمهورية الصادر 1991 والمراجع سنوات 2006، 2012 و 2017 في ديباجته والفقرة الثانية من المادة 19 من الباب الأول على أنه "يتمتع المواطنون بنفس الحقوق ونفس الواجبات تجاه الأمة"، ويواصل النص في تكريس العدالة مؤكدا عملية التمسك  "بالدين الإسلامي الحنيف وبمبادئ الديمقراطية الوارد تحديدها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 10 ديسمبر 1948 والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الصادر بتاريخ 28 يونيو 1981 وفي الاتفاقيات الدولية التي وافقت عليها موريتانيا"، وفي المادة 80 ينص المشرع على أن (للمعاهدات أو الاتفاقيات المصدقة أو الموافق عليها كذلك، سلطة أعلى من سلطة القوانين وذلك فور نشرها...).

 

ولن يفوت على القارئ بل من الملاحظ أن المشرع لم يحدد أي قانون ذاك الذي تعلوه الاتفاقيات، لكن الخلاف هنا يوف يكون حول شمول المفهوم في المادة  (القوانين) لنص الدستور أم لا، أما عن شموله للقوانين العادية والمقررات الوزارية - محل الحديث - وغيرها فمفروغ منه.

 

وفي هذا الإطار يتنزل التطرق لإشكالية التعارض بين مقرر فخامة الوزير والنصوص الأعلى منه رتبة كتلك الدستورية،  وما تنص عليه المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث تؤكد  أن "لكل شخص الحق في التعليم .. وأن ييسر التعليم العالي على قدم المساواة أمام الجميع على أساس الكفاءة"، وينحو ذات المنحى؛ الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب في مادته 17 حيت ينص أن  "حق التعليم مكفول للجميع".

 

هذا بالإضافة إلى نصوص المعاهدات والاتفاقيات الدولية في مجال التعليم وضمان نفاذ المواطنين للخدمات في سبيل تكريس العدالة والمساواة بين أبناء الشعب والرقي بالمجتمعات.. في ظل وجود هذه النصوص وعلويتها في هرم التطبيق والقوة؛ أوْجد المشرع الوطني 2010 تعديلا جديدا على نص القانون الأصلي للتعليم العالي، كرس فيه سعة سلطات الوزير ومنحه كامل الأهلية في عملية وضع سياسة التعليم العالي، وكذلك التصرفات التنظيمية والإدارية الأخرى ذات الصلة، مما سمح له بموجب القانون أن يصبح الكل في الكل وبحماية القانون.

 

هذا وبعد محاولة سرد الأساس القانوني لمقرر الوزير محل التعليق؛ يتضح مدى التعارض القائم بين المقرر  المانع للطلاب من حق أقره الدستور والمعاهدات الدولية، وبين قواعد المجموعة القانونية التي تعلوه رُتبة، ويظهر كذلك  الفرق بين نصوص  قانون التعليم العالي  المؤصلة لممارسة السلطات القانونية في الحيز المتاح بتوزيع الطلاب وتحديد السقف الاستيعابي لكل كلية وجامعة ومعهد..، وبين عملية المنع من حق أصيل في تصرف  مخل بقواعد دستورية ومواد صريحة من المواثيق والمعاهدات الدولية.

 

هذه الإشكالية التعارضية الملغية دستوريا لمقرر الوزير والمبطلة لما تضمنه من قرارات؛ قليلون منهم مستعدون للمواصلة في المسار القانوني ضدها من أجل إنصاف أنفسهم، وأخذ حقوقهم استنادا على النص، ووفق السلم المحدد قانونيا، وحتى من قام بالمسطرة القانونية ضد هذا الإجراء لن يجد قضاء منصفا إلا نادرا، وعند الوجود سيكون قرار المحكمة كسابقه ... هل تتذكرون قصة الطلبة المهندسين وامتناع معالي الوزير عن تنفيذ حكم المحكمة حول قضيتهم؟، هل تتذكرون حديث الوزير عن توقيف العمل بنص قانوني يلزمه بإجراء انتخابات في الجامعة بقوله للنائب زينب التقي قبل أشهر في البرلمان بالحرف: السيد النائب "الانتخابات في الجامعة الا يغنيني ويغنيك ..." وكأن تطبيق القانون مسألة راجعة لتقدير ذاتي من معاليه ولا قيمة لتأشيرة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء على القانون،  ولا لتصويت نواب الشعب ولا حصانة للنص أمام إرادته الذاتية ..؟!

 

هي نفس الحكاية ستتكرر مع الطلاب - كجزء من القطاع - كل مرة، وبتجليات مختلفة، وفي ميادين شتى .. ما لم تتخذ السلطات العليا  إجراء تشعر الجميع فيه بأن المادة 4 من الدستور لا تزال على قيد الحياة.