على مدار الساعة

نحن وأغسطس

1 أغسطس, 2019 - 08:10
إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا

في عز الصيف تجري الانتخابات الرئاسية الموريتانية وفي عز الصيف يدور تنصيب الرئيس الجديد.

 

والصيف حيز زمني صادق وثقيل؛ فيه يجف الضرع ويسيل العرق وتخرج الشمس عن مسارها ويختفي الغطاء النباتي بالكامل.

 

وفي الصيف تتلاشى المحسنات وتخف الثوابت ويتوقف الغناء إلا ما كان من سامرين يغالبون الشجن في تلك الوقفات الليلية المكابرة في الصحراء الكبرى. حتى الجميلات هنا يفرحن في الصيف أربع ساعات فقط بين السرى والكرى.

 

ومن حيث لا ندري فإن الموريتانيين الأوائل كانوا يرتبون لبقية السنة من خطط رحيل وانتجاع وتدبير للماشية والأفراد والحي والقرية والرتق والخيط والبيع والشراء في الصيف، وهكذا نستنسخ في عهد الدولة الوطنية أفعالهم.

 

في بلادنا وفي عز الصيف انقلب العسكر على الرئيس الراحل المختار ولد داداه وانقلبوا على الرئيس المنفي معاوية ولد الطايع.

 

وفيه ساقوا الرئيس المعتزل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله إلى قرية ذويه. وفيه عُزل وانقلب واستقال وانتخب وأعيد انتخابه وسلم السلطة الرئيس الأسبق بعد يوم محمد ولد عبد العزيز؛ في أكبر رزنامة أفعال لغوية تجتمع في شخص واحد في التاريخ السياسي الموريتاني.

 

وفي عز الصيف انتخب الرئيس القادم بعد يوم محمد ولد الشيخ الغزواني في يونيو وسينصب في أغسطس.

 

وفي هذا الصيف أزعم أن أشياء كثيرة تستحق الاستدراك من قبل العهد المزمع. من ألحان النشيد الوطني الجديد إلى طريقة الاقتراع مرورا بالنقل والعدل والزرع.

 

وفي ساعات التنصيب في شهر أغسطس 2019 أقترح على الرئيس المنصب أن يستغل وقته للتأمل.

 

فاليد الموريتانية غائبة عن كل ما يدور حوله؛ طعامه وشرابه (على الأقل في جانب التعليب) وثيابه ونياشينه والأوراق التي كتب فيها خطابه والحبر الذي سيستخدمه والسيارة التي تقله ونوافذ وأبواب قصره والأجهزة والأدوات المحيطة به وحتى الأسلحة التي يحمل حراسه وملابسهم والإسفلت الذي يمشي عليه والمعزوفات التي سترافق تنصيبه؛ إلا ما كان من إبداع ضابط في الموسيقى العسكرية (من أصول فنية) استطاع أن يكتب للفرقة ترنيمات في مقام لكحال يكررونها عند الاقتضاء؛ وأخشى أن تكون تلك الصرخات القادمة من القاهرة جبَّتها.

 

وبعد التنصيب أقترح عليه أن يقوم بجولة في تاكسيات نواكشوط وشوارعه ثم يصحبها بأخرى في النقل العمومي إلى النعمه والزويرات وانجاغو وكيهيدي ونواذيبو ليرى البؤس والشقاء وسوء التنظيم وهشاشة الطرق وضعف المنظومة المالية واللوجستيكية والقانونية التي تلفنا.

 

تلك المقترحات وغيرها من التي يكون فيها الصمت أبلغ من الكلام وحدها ستجعل صاحب أكبر مقام دنيوي في أغسطس وفي بلاد أغسطس يدرك أين وضع نفسه.

 

سنصبر على ولد عبد العزيز الرئيس الأسبق حتى نرى ما الذي يريد منا بعد أن صار أحدَنا. وسنصبر على ولد الغزواني الرئيس للخمس سنوات القادمة حتى نرى كيف سيخطط لتنفيذ تعهداته في الأشهر الثلاث الأولى من حكمه.

 

وفي كل الأحوال تبقى موريتانيا العزيزة تعيش حالة من لم الشتات والإصلاح تحتاج لمكنسة ومسبحة ومخرز وعقل أكثر من مجرد احتفال وخطاب ومدعوين وتبادل للأدوار.