على مدار الساعة

شركة تازيازت: "ميفرما" الذهب الموريتاني

11 مارس, 2017 - 14:58

الأخبار (نواكشوط) – يقارن عدد من الموريتانيين، وخصوصا من الجيل الذي عايش تأميم "شركة ميفرما" الفرنسية التي كانت تعمل على استخراج الحديد من ولاية تيرس الزمور، والأجيال التي تلت ذلك، بين شركة "ميفرما"، الفرنسية، وشركة "تازيات" الكندية العاملة في استخراج الذهب شمالي نواكشوط، وذلك من حيث كمية المعادن المستخرجة، وقلة العائدات على الاقتصاد الموريتاني.

 

وترتفع وتيرة المقارنة المصحوبة – أحيانا - بالمطالبة بـ"تأميم شركة الذهب"، كما وقع مع "شركة الحديد"، التي تحولت 1974 إلى الشركة الوطنية للصناعة والمعادن "اسنيم" مع كل تطور على مستوى هذه الشركة، أو حدث مرتبط بمجال عملها، كموجة التنقيب عن الذهب التي بدأت في موريتانيا صيف العام الماضي، وما تزال مستمرة إلى اليوم، حيث تتولى كتيبة من الدرك تأمين المناطق القريبة من "تازيازت".

 

كما يرتفع الحديث سنويا مع إعلان الشركة عن حجم أرباحها السنوية، وكذا عن مشاريعها التطويرية، والتي تسعى من خلالها لأن تكون ثاني أكبر منتج للذهب في إفريقيا، في حين أن حصة موريتانيا من الذهب المستخرج من أراضيها لا تتجاوز وفقا للاتفاقية مع الشركة 4%، في حين أن حصة موريتانيا في "ميفرما" التي أنشأت قبل الاستقلال كانت تبلغ 5%.

 

ولـ"تازيازت" ميدان آخر يدفعها إلى واجهة التناول لدى الرأي العام الموريتاني من حين لآخر، وهو موضوع تهم الفساد، حيث اتهمت أكثر من مرة بتقديم رشى وعمولات لمقربين من النظام، وتجاوزت تهمها الداخل الموريتاني، ووسائل الإعلام المحلية إلى القضاء الأمريكي، ووسائل الإعلام الأجنبية.

 

وتأسست شركة "ميفرما" التي يقارن الموريتانيون بينها وشركة "تازيازت" قبيل استقلال البلاد بثماني سنوات (1952)، وذلك بشراكة بين المستعمر الفرنسي، وتجار غربيين، وكانت حصة الحكومة الموريتانية – بعد الاستقلال – لا تتجاوز 5%، وأعلن الرئيس الموريتاني المختار ولد داداه تأميمها في العام 1974، وسبقت التأميم احتجاجات عديدة لعمال الشركة شمالي البلاد.

 

ويؤكد عدد من الموريتانيين أن حصة الحكومة التي لم تكن تتجاوز 5% في ميفرما، ونسبة 4% الممنوحة لها من أرباح تازيازت تجعل الأخيرة تتفوق على الأولى في وجه المقارنة، رغم الأرقام الكبيرة لأرباح الشركة.

 

أرباح بـ180 مليون دولار

الرئيس المدير العام لشركة "تازيازت – موريتانيا" ريت مارشل أعلن في مذكرة فصلية له الأسبوع الماضي عن وصول أرباح شركة تازيازات موريتانيا الصافية للعام 2016 إلى 180 مليون دولار أمريكي، مشيرا إلى أن الشركة خلقت "تدفقا ماليا عملياتيا قدره 1.1 مليار دولار أمريكي لسنة 2016 أي زيادة 32% مقارنة بالسنة السابقة 2015".

 

وأكد مارشل في المذكرة التي حصلت صحيفة "الأخبار إنفو" على نسخة منها أن شركة "تازيازت – موريتانيا" حافظت على صلابة حصيلتها المالية "بواسطة سيولة قدرها 2.3 مليار دولار أمريكي وعدم وجود أي دين مستحق حتى 2020"، مشيرا إلى استفادة الشركة من ارتفاع أسعار الذهب.

 

وأشار الرئيس المدير العام لـ"تازيازت"إلى أن إنتاج شركة "تازيازت" خلال العام 2016 بلغ 2.79 مليون أوقية ذهب، مع الإبقاء على التكاليف عند 984 دولارا أمريكيا لأوقية الذهب وتكلفة إنتاج المبيعات عند 712 دولارا أمريكيا لأوقية الذهب".

 

ولم يتطرق الرئيس المدير العام لشركة "كينروس" الكندية لاستفادة موريتانيا من هذه الأرباح، في حين أن الاتفاقية الموقعة مع موريتانيا لا تمنحها سوى 4%.

 

وتعود ملكية شركة "تازيازت – موريتانيا" لمجموعة "كينروس" الكندية، والتي اشترتها في شهر أكتوبر من العام 2010، من شركة "ريد باك ماينينغ red back mining"، وتجاوز سعرها 7 مليارات دولار.

 

إخلال بالاتفاق

وكانت الحكومة الموريتانية قد كشفت شهر يونيو الماضي عن إخلال شركة "تازيازت" بالاتفاق الموقع معها، وخصوصا في يتعلق بمرتنة الوظائف فيها، وذلك إثر تفتيش وصفته وزارة التشغيل بأنه روتيني، وأكدت أنه كشف "خروقات بالغة للتشريعات الاجتماعية منها تشغيل يد عاملة أجنبية في مخالفة صارخة لترتيبات المرسوم: 224/2009 الصادر بتاريخ 29 أكتوبر 2009 المحدد لشروط تشغيل اليد العاملة الأجنبية والمنشئ لرخصة العمل للعمال الأجانب".

 

وقالت الوزارة إنه "تم إبلاغ إدارة شركة كينروس تازيازت بهذه الخروقات، وطلب منها الامتثال للنظم والمساطر المعمول بها"، مشيرة إلى أن مفتشيها تفاجؤوا "بشروع الشركة في حملة تسميم غايتها الاستمرار في التنصل من واجباتها. حيث هددت مرة بالإغلاق الجزئي ومرة بالإغلاق الكامل للمنشأة قبل شروعها في ترحيل العمال إلى كل من انواكشوط وانواذيبو"، واصفة هذه الخطوة بأنها "مخالفة سافرة وممنهجة للتشريعات والنظم".

 

واعتبرت الوزارة أن بعثتها قامت بتفتيش شركة "كينروس تازيازت" في "إطار المراقبة المنتظمة لتطبيق التشريعات الاجتماعية المعمول بها في موريتانيا حيث تقوم وزارة الوظيفة العمومية والعمل وعصرنة الإدارة من خلال مصالحها المخولة بزيارات مراقبة دورية للمنشئات الخاضعة لمدونة الشغل والاتفاقية الجماعية العامة".

 

وقد أغلقت الشركة "الكندية" منجمها في موريتانيا بشكل طوعي احتجاجا على الإجراء الموريتاني، قبل أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق نقلت بموجبه الشركة إدارتها إلى موريتانيا بدل أسبانيا، كما وعدت بالعمل على مرتنة المزيد من الوظائف.

 

وقد أخلت الشركة بهذا الاتفاق الموقع العام الماضي مع الحكومة الموريتانية، حيث أعادت خلال الأشهر الماضية حوالي 30 من العمال الذي طردتهم موريتانيا العام الماضي بسبب عدم حصولهم على رخص، وذلك من خلال إعادتهم لنفس الوظائف عبر شركات وسيطة، كما قامت الشركة باستبدال عمال موريتانيين بآخرين استقدمتهم من تونس، وبلغ عددهم العشرات، في حين تتجاهل الحكومة هذه الإجراءات المخلة بالاتفاق، وتلتزم الصمت حتى الآن. يقول أحد مناديب عمال الشركة.

 

تمييز واضح..

وظهر خلاف الحكومة وإدارة الشركة بالتزامن مع إضراب خاضه عمال الشركة واستمر من 24 مايو وحتى 11 يونيو 2016، وانتهى بتراجع الشركة عن تقليص رواتب العمال وهو القرار الذي أصدرته منتصف مايو 2016.

 

ويتهم العمال الموريتانيون إدارة شركة "تازيازت" بممارسة تمييز ضدهم، ومنح الأجانب امتيازات خيالية، مؤكدين أن عدد العمال الموريتانيين في الشركة حوالي 2600 ويصل سقف رواتبهم إلى 30 مليون دولار، في حين أن عدد العمال الأجانب لا يتجاوز 130 شخصا، ويصل سقف رواتبهم إلى 43 مليون دولار.

 

ويؤكد مناديب العمال أن الأجور – في عمومها - لا تمثل سوى 9% من تكاليف الإنتاج، مشددين على أنه هذا يقلص بشكل كبير من تأثيرها على الشركة.

 

تهم الفساد

وواجهت شركة "تايازت – موريتانيا" خلال الأعوام الماضية تهما متتالية بالفساد، ومن بينها تحقيق نشرته "لوموند إفريقيا" اعتمادا على وثائق حصلت عليها، وأكدت أنها تدين الشركة، وهو ما دفع القضاء الأمريكي لفتح تحقيق في الموضوع.

 

واقتصر رد الشركة على موضوع التحقيق الأمريكي بإصدار بيان أكدت فيه أنها ستتعاون بشكل كامل مع السلطات والمحققين وأنها لن تصدر بيانات أخرى، كما كشفت عن فتحها لتحقيق داخلي.

 

وتتحدث الوثائق عن امتيازات تقدمها الشركة لمقربين من الرئيس ولد عبد العزيز، تمثلت في مبالغ مالية وسيارات، ومنح، وغير ذلك من الامتيازات المالية، إضافة  لاختفاء عشرات الملايين من اليورو، استفادت منها طبقة من رجال الأعمال المقربين من الرئيس.

 

ومن بين هذه الامتيازات التي ذكرتها صحيفة "لموند إفريقيا" دفع الشركة لرسوم دراسة نجل الرئيس محمد ولد عبد العزيز، مردفة أن عشيرة الرئاسية تسيطر على جميع أنواع النشاط الاقتصادي في البلاد.

 

ومن بين حالات الفساد التي كشفتها الوثائق مبالغ وسيارات مقدمة للجمارك، وأخرى للدرك الذي يتولى تأمين المنجم في أعماق الصحراء، حيث وافقت إدارة الشركة على توفير المواد اللازمة لضمان ظروف عمل لائقة للدرك الوطني في المنطقة، بما في ذلك: تلفزيونات ملونة ومكيفات هواء وثلاجات وصيانة المساكن والماء والغذاء، والهواتف المحمولة، والخيام، والديزل، والعلاج وذبائح في المناسبات وصيانة المركبات، إضافة لمبالغ مالية شهرية وصلت إلى مليون أوقية تعطى مباشرة لقائد الوحدة.

 

ومن بين الملفات التي أثارتها الصحيفة تعيين الشركة لإسماعيل ولد حسنة مستشارا مكلفا بالعلاقات مع الحكومة بعيد لقاء لها مع المدير العام للأمن اللواء محمد ولد الهادي، وكلف ولد حسنة بمهمة حل مشكلة طلبات التأشيرات لموظفي كينروس لدى السفارة الموريتانية في واشنطن، قبل أن يتحول إلى المورد شبه الحصري للشركة.

 

كما تتحدث الوثائق عن تأجير الشركة لعدة مبان مملوكة لقائد أركان الدرك انجاكا جينك، وتوظيف ابنته، وكذا توظيف نجل وزير الإعلام رغم كونه لا يحمل أي شهادة.

 

قادة المعارضة: الموريتانيون مصدومون

قادة عدة أحزاب معارضة بعثوا برسالة للرئيس المدير العام لشركة "كينروس" الكندية المالكة لشركة تازيات، وذلك عقب كشف حالات الفساد في الشركة، أكدوا فيها صدمة الموريتانيين من أن "نظام الحكم الرشيد في الشركة قد لا يكون مثاليا، وأنه لم يتم احترام  المبادئ التي تحكم سياسة المسؤولية المجتمعية فيها، وأن محاكم في نيويوركـ، وتورنتو تتهم الشركة بالتضحية بحقوق ومصالح الشعب الموريتاني مقابل مصالح بعض قادته الحاليين".

 

واعتبر قادة المعارضة في الرسالة الموجهة لـ"بول رولنسون" الرئيس المدير العام لشركة "كينروس" أن "عقود التوريد والخدمات في السنوات الأخيرة تُمنح فقط لصالح مقربين جدا من أول مواطن في البلد، وسياستكم لإدارة الموارد البشرية تعكس انحيازكم لمصالح بعض كبار مسؤولينا، وبناءً على هذا الواقع، تم تعديل وفائكم بواجباتكم اتجاه الدولة والشعب الموريتاني".

 

وسرد القادة المعارضون في رسالتهم بعض الأرقام المتعلقة بالشركة ومنجمها في موريتانيا، حيث يشكل أقل من 10% من إنتاج الشركة الحالي، لكنه يشكل حوالي 25% من احتياطي مجموعة كينروس من الذهب وبأعلى درجة مقارنة مع كل المناجم التي تستغلها هذه الشركة عبر قارات العالم، حيث تعمل في أربع قارات.

 

وأضاف القادة أن يدركون ما تمثله تازيات لموريتانيا إذا توفر "بالفعل حوالي 2600 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في بلد سكانه أقل من 4 ملايين نسمة، وهي ثاني أكبر مشغل غير الدولة في موريتانيا، وتمثل متوسط رقم أعمال في السنوات الأربع الماضية بلغ 430 مليون دولار سنويا في دولة بلغ فيها متوسط إجمالي الصادرات خلال نفس الفترة حوالي 2.500 مليون دولار".

 

وشدد قادة المعارضة على أنهم يشعرون "بالغضب لأنكم وزبناءكم قد لطختم صورة بلادنا من جديد أمام العالم، ولأنكم - مرة أخرى - قد ضحيتم بمصالح الخزينة العامة الوطنية وعملتنا الوطنية، و- مرة أخرى - سيلحق الضرر الأكبر بعائدات العمال الموريتانيين المباشرين وغير المباشرين".

 

وأعلن القادة للرئيس المدير العام لكينروس أن "الشعب الموريتاني على استعداد لفتح ذراعيه لتسهيل إقامتكم وعملكم ومواكبة تطور شركتكم في بلادنا"، وذلك "في مقابل نزع الثقة الفاسدة التي منحتموها للبعض منا، نقدم لكم الثقة الصادقة والكريمة لموريتانيا والموريتانيين في عظمتهم وتنوعهم وفخرهم واستقامتهم وتحضرهم"، مطالبين بإثبات الشركة أنها قامت "بعملية التنظيف الأخلاقية اللازمة لهذا الغرض، وأنكم جاهزون للحُظوة بهذه الثقة".

 

ووقع الرسالة كل من الرئيس السابق اعلي ولد محمد فال، والرئيس أحمد ولد داداه رئيس حزب تكتل  القوى الديمقراطية، والرئيس الدوري لمنتدى المعارضة صالح ولد حننا رئيس حزب حاتم.

 

توقعات مستقبلية

ويتوقع الرئيس المدير العام لشركة "تازيات – موريتانيا" ريت مارشل أن تكون سنة 2017 "سنة أخرى للإنتاج الصلب، مع تكاليف متماشية مع مستويات 2016"، متوقعا "إنتاجا في حدود 2.5 إلى 2.7 مليون أوقية ذهب، مع إبقاء التكاليف عند 925 – 1025 دولارا أمريكيا لأوقية الذهب وتكاليف إنتاج المبيعات عند 660 – 720 دولارا أمريكيا لأوقية الذهب".

 

وتوقع مارشل في المذكرة التي حصلت الأخبار إنفو على نسخة منها "أن يصل مجموع نفقات الاستثمار إلى حوالي 900 مليون دولار أمريكي (+/ - 5%)"، مشيرا إلى أنه "سيتم استخدام نفقات الاستثمار لدفع مشاريع التنمية، بما في ذلك تازيازت، من أجل الاستثمار في شركتنا".

 

وختم مارشل رسالته بالتأكيد بأنه سنة 2016 "كانت  سنة جيدة بالنسبة للشركة"، شاكرا العمال على "مساعدتكم لنا في تحقيق أهدافنا"، ومشيرا إلى أنهم بدؤوا "2017 بأداء صلب، وأعول عليكم جميعكم للمساعدة في مواصلة هذا المنحى الإيجابي على مدار السنة". حسب نص الرسالة.