على مدار الساعة

 للإصلاح كلمة: توضح خصائص الإنفاق في سبيل الله وتأكد في رمضان

21 مايو, 2019 - 14:52
بقلم الأستاذ / محمدو بن البار

الحلقة الأولى

كلمة للإصلاح بعد إلقائها نظرة بسيطة في شأن وجود الإنسان في هذه الدنيا ـ فقد اتضح لها أن الإنسان موجود داخل الدنيا في سجن إجباري دائما من غير أن يشعر، فهو قبل وجوده لا يستطيع الامتناع عن هذا الوجود وبعد ذلك لا يستطيع أن لا يموت: أما بعد الموت فقد أخبر الله عن تفصيل ما بعد الموت وهو عاجز عن تغيير ذلك التفصيل، ونحن نتيقـنه وهو مكان مدح إيماننا بالغيب تيقنا بما نشاهده من كيفية خلق الإنسان وحتمية موته بعد هذا الوجود المشاهد.

 

ومشاهدتنا هي أن من منّ الله عليه بالإيمان منا لا يستطيع أن لا يؤمن ومن لم يرد الله له الإيمان فلا يستطيع أن يؤمن يقول تعالى {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن} والقرآن هنا استعمل الفاء التعقيبية الدالة على قرب المباشرة للفعل فبعد الولادة يكون الإنسان كافرا أو يكون مؤمنا.

 

ويمكن أن يقال هنا أن حديث: كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه حديث صحيح ولكن الجواب أن معنى ذلك الحديث يوجهه الحديث الآخر الصحيح أيضا وهو قوله صلى الله عليه وسلم: اعملوا فكلكم مسير لما خلق له، بمعنى أن من خلق ليكون حطبا للنار فسيكون من ميلاده وهي ولادته في بيئة تـغيره عن فطرته الإيمانية أي بمثابة تيسره لما خلق له كما قال تعالى {إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا}.

 

فهذا السجن الإجباري للإنسان ينقسم الإنسان بعده إلى قسمين: قسم يخرج منه الإنسان إلى مساكن طيبة خالدا مخلدا فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله.

 

وقسم آخر من أهل هذا السجن إلى سجن آخر يتـلقي فيه العذاب الأليم خالدا فيه كلما نضج جلده من العذاب يبدل له جلد آخر يعذب فيه من جديد وهكذا إلى ما لا نهاية.

 

هذه الحقيقة المسطرة في القرآن والتي ستقع قطعا على كل الإنسان ذكرا كان أو انثى كما جاءت مفصلة في القرآن يجب على الإنسان أن يفكر فيها ما زال فكره مأذون له في استعماله ليرشده هذا الفكر عند البحث في القرآن ــ المصدر الوحيد لمصير الإنسان بعد الموت ــ فكما أنة المصدر الوحيد للإنسان قبل الموت كما شاهدنا فهو كذلك بعد الموت كما سنشاهده بإذن الله.

 

وعليه فإن وجود الإنسان داخل الفئة الأولى التي منّ الله عليه أولا بوجوده مولودا في بيئة الإيمان التي يتوفر له فيها البحث عن سبب وجوده الدنيوي وعن مصيره الأخروي، وبذلك يطلب هداية الله له إلى أحسن طريق تجعله يسلك فيها الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما

هذا وإن الباحث في القرآن عن أحسن طريق تجعله من الخارجين من السجن الدنيوي إلى النعيم الأبدي فسيجد أن الإنفاق في سبيل الله هو أحسن وأقصر وأظهر طريق إلى جنة الخلد التي وعد بها المتـقون بعد الإيمان بالله ورسالة نبيه صلى الله عليه وسلم.

 

فهذه الشعيرة التي خصها الله بخصوصية من الترغيب فيها لم تصل إليها أي شعيرة غيرها، فهي من أهم وأعظم ما يتقرب به إلى الله ولاسيما إن كانت في شهر رمضان ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث هو أجود ما في الكون وكان أجود من الريح المرسلة في رمضان، لأنه صلى الله عليه وسلم كان وقافا ومنفذا لأوامر القرآن كما أوضحت عنه عائشة رضي الله عنها في حديثها عندما سئلت عن خلقه صلى الله عليه وسلم قالت: "كان خلقه القرآن" بمعنى كان منفذا لأوامر الله في القرآن ــ والقرآن كانت أوامره كثيرة في الحث على الإنفاق فكان هو صلى الله عليه وسلم كثير الإنفاق عندما يسمع من القرآن تلك الأوامر.

 

فهذه أول خصائص الإنفاق في رمضان وهي إتباع الإنسان بها فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان.

 

- ومن خصائصه أنه الشعيرة التي يعذب الكافر بعدم أدائها مع عذاب كفره يقول تعالى {وويل للمشركين الذين لا يوتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون}.

- ومن خصائصه أنه هو الشعيرة أيضا التي يعذب الإنسان على مجرد عدم الحض عليها وعلى المؤمن أن يحافظ ألا يعلم الله أنه لم يحض على طعام المسكين فالله يقول في كتابه للكافر الذي لم يحض على طعام المسكين {أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين} {كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحضون على طعام المسكين} ويقول تعالى {ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين} إلى قوله تعالى {وكنا نكذب بيوم الدين}.

 

فـنلاحظ في هذه الآيات أن المعذب فيها على عدم إطعام المسكين أو حتى عدم الحض على هذا الإطعام هم الكافرون المكذبون بالدين "فما بالك بالمسلم إذا لم يحض على إطعام المسكين".

 

- ومن خصائصه أنه الشعيرة التي فصل الله في آياته القرآنية ما يتفضل به على من قام بهذا الإنفاق بتجسيم الأجر الذي يحصل لهذا المنفق بالمثل الذي ضربه والذي يمكن للعقل الإنساني أن يتبعه بذهنه حتى يصل إلى منتهى عجزه عن تكييفه لكثرته وتضاعفه يقول تعالى {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة} فهذا المثال أنزله الله في كتابه ليستأنس به المنفق ولكن سوف لا يدرك أبدا منتهاه لأن الله قال في آخر الآية {والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم}.

 

فمثلا لو أراد الإنسان أن يأخذ كيل واحد من الزرع أو القمح أو أي مادة تتركب من الحبوب وبذر هذا الحب وكل حبة منه نبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة وقدرنا أن الحبة تساوي وزن مثاقيل من الذرة التي أوضح الله أن من عمل مثقال ذرة من الخير فسوف يراه فكم سيصل عدد هذا الكيل من مثاقيل الأجر.

 

وعلى كل أجور الله المقدمة لعباده الممتـثـلين لأوامره لا تقدر إلا من الله جل جلاله لأنها تنمى وتكثر عند الله حسب النية وحسب احتياج المعطى له وحسب قربه من المتصدق إلى آخر ما هو مسطر في هذا الصدد الذي لا يعلمه إلا الله المعطي للأجر.

 

وكذلك من خصائص الإنفاق أن الله فرق بين علانيته وإخفائه فأعطى لعلانيته الدرجة الأعلى من المدح عند العرب وهي "كلمة نعم" وعندما لم يبق للتفصيل كلمة تقولها العرب للإفضال فوق كلمة "نعم" قال الله تعالى إن إعطاء الصدقة خفية خير من العطاء الذي قيل فيه "نعما هي" أي إعطاء الصدقة علانية يقول تعالى مخاطبا فيه المسلمين {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتوتوها الفقراء فهو خير لكم ونكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير}.

 

- ومن خصائص الصدقة أيضا أنها يحصل أمرها في كل حي ولو لم يكن إنسانا فضلا أن يكون إنسانا حتى ولو كان كافرا محتاجا لأن الله أوصى بالإحسان على الجار ولو غير مسلم، وقد وردت أحاديث كثيرة في الغفران للمحسن على الطيور والكلاب كما في الحديث الذي غفر الله فيه لباغية سقت كلبا عاجزا عن سقاء نفسه وكاد أن يهلكه العطش.

 

وعلى كل حال فإن من أراد أن يرى ويستمع مباشرة لما أعده الله للمنفق في سبيل الله فعليه أن يقرأ القرآن، فالمولى عز وجل أكثر شعيرة في الإسلام فصل أمرها في القرآن هو الإنفاق في سبيله.

 

ففي آخر سورة البقرة ورد القرآن عشرات الآيات متتابعة في قضية الإنفاق بدأها بقوله تعالى {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله} رأس الثمن الثالث من حزب "تلك الرسل" إلى آخر آية من آخر الثمن الخامس من نفس الحزب أي ثلاثة أثمان متتالية خاصة بالإنفاق، إلا أنه يوجد في هذه الآيات التحذير من تدخل الشيطان بأمره للإنسان بارتكاب الفواحش وهو أن يحول بين الإنسان وهذا الإنفاق سواء كان واجبا كالزكاة أو تطوعا كما قال تعالى من ضمن هذه الآيات {وما تنفقوا من خير فلأنفسكم} {وما تـنفقون إلا ابتغاء وجه الله} {وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون}.

 

أما التحذير من أوامر الشيطان فيقول تعالى {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم} ــ وهنا يقول المفسرون أن لفظ الفحشاء لم يـرد في القرآن إلا مرادا به الزنا ـ إلا في هذه الآية فالمراد بها هنا عدم الإنفاق في سبيل الله ولا سيما الواجب منه

ومن جهة أخرى فليعلم المسلم المنفق في سبيل الله أنه من الفواحش إعطاء المال لمن لا يستحقه أي لم يكن من بين من نص القرآن على إعطائه لهم ويكون مرادا به وجه الله.

 

فالحديث الصحيح ينص على أن أول ما يسأل عنه الشخص عندما تزول قدمه بالموت هو فيم أنفق ماله ومن أين اكتسبه.

 

فالله قد أتى بلفظ الحصر في تعيين المنفق عليهم في سبيل الله يقول تعالى {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} إلى آخر الآية وفي آية أخرى وهي كالحصر لأنها جواب عن سؤال {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقـتـم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل}.