على مدار الساعة

إلى من سنكل كتابة تاريخنا: تعقيب من خارج القاعة

12 مايو, 2019 - 18:24
الأمين بن محمد بابه - قسم التاريخ - جامعة نواكشوط العصرية

يقول بعض الساخرين من جاك شيراك إنه يحسن الجواب ولكن بعد مدة. وأنا كذلك لم يتبادر إلى ذهني التعليق على ما دار في ندوة كتابة تاريخ موريتانيا إلا بعد انقضاء ساعات على نهايتها.

 

نظمت هذه الندوة مساء السبت في فندق وصال، وقد دعي إليها أعضاء لجنة كتابة "موسوعة تاريخ موريتانيا" التي نصّبت في يوم الثامن من مارس الماضي من قبل وزير الثقافة والصناعة التقليدية وعهد إليها بتأليف تاريخ البلد.

عند افتتاح هذه الندوة قدم الأستاذ الدَدود ولد عبد الله محاضرة ذكر فيها بعض الشروط الموضوعية لكتابة التاريخ الموريتاني، وعدّد المسائل التي ينبغي التقيد بها في ذلك المسعى، كما أنه قام بتصنيف المصادر وعرَج على علاقة الذاكرة العامة والذاكرة الجزئية، وضرورة التوازن الجغرافي والمعرفي، أما الدكتور محمد المختار ولد سيدي محمد فقد سرد في تعقيبه علي المحاضرة بعض العوائق الاجتماعية التي لا بد من تجاوزها لكي تتوفر ظروف الكتابة التاريخية.

 

لقد تناول الزميلان بكثير من الموضوعية والمهنية إشكالية كتابة التاريخ عندنا غير أنني كنت أود أن يتطرقا لعامل جوهري في مسألة الكتابة التاريخية وفي منهجيتها ألا وهو المرجعية العلمية التي ستستند عليها العملية.

 

إن التراكم المعرفي وبروز هامات علمية تفرض أحكامها بقوة العلم من شروط هذا العمل ولذلك فعلينا أن نتساءل هنا عن كم الباحثين في علم التاريخ والعلوم المساعدة وعن حجم المنشورات العلمية وعن عدد المؤرخين عندنا إذ لا بد لهذا النوع من المشاريع من جيش من العارفين.

 

إن الشفيق مولع بسوء الظن وأنا لا أحسب أن المؤرخين في بلادنا يزيدون علي الثلاثة ومع الاعتذار عن التعميم لا ألاحظ كذلك في الساحة إنتاجا معرفيا يذكر ولا بحوثا متميزة ولا باحثين أكفاء ولا حراكا يناسب ما نتوق إليه من تدوين رصين وموضوعي لتاريخ بلدنا وإذا كانت هذه وضعيتنا فعلى من سنكل تاريخنا؟ هل سنعوَل على الثلاثة في كتابة تاريخنا ونقيل بقية اللجنة أم هل سيعود إليهم أمر مراجعة ما سيكتبه الآخرون وهو ما سيؤدي إلى إرهاقهم وتأخر إنجاز العمل.

 

إن مشروع كتابة التاريخ أمر خطير ولا تنبغي المجازفة في أمره ولا أظن أن الإقدام عليه دون تملك الوسائل العلمية لتحقيقه على الوجه الصحيح إلا ضرب من المغامرة.