على مدار الساعة

إلى أين ينحرف الصيد البحري؟

6 مارس, 2017 - 12:07
سيد محمد ولد محمد الشيخ - خبير في الشؤون البحرية  

إن ممارسة أي نشاط في البحر كالصيد مثلا بجميع أنواعه التقليدية الشاطئية والاصطناعية يتطلب التطوير المتزامن لأربعة عناصر أساسية هي: المصادر البشرية - بحارة مؤهلة - آليات الإنتاج - سفن مؤمنة - المخزون السمكي ـ السمك ومنشئات التفريغ ـ الموانئ ـ عندما يتم إهمال أي من هذه العناصر الأنفة الذكر أو يكون دون مستوي النظم البحرية فإن النشاط يكون معرضا للخطر أكثر وغير مجد اقتصاديا، وهو ما حاصل للأسف في هذا القطاع الحيوي. كان قطاع الصيد يشتكي أساسا من تهالك سفن الصيد الصناعي وهشاشة أمن سفن الصيد التقليدي وقلة منشئات التفريغ وكذلك ضعف تثمين المنتجات السمكية.

 

فبالرغم من الجهود الجبارة التي بذلها فخامة رئيس الجمهورية في السنوات الأخيرة في سبيل تطوير هذا القطاع عن طريق متابعته الشخصية لانجاز عدة مشاريع بحرية عملاقة كالشركة الوطنية لصناعة سفن الصيد التقليدي والشاطئي المؤمنة وميناء الصيد التقليدي والشاطئي تانيت وكذلك تقوية وسائل الرقابة... وخاصة الانجاز الاجتماعي الكبير المتمثل في توفير وتوزيع الأسماك على امتداد التراب الوطني والذي سيظل يميز بلا شك تاريخ هذا القطاع. بالرغم من كل تلك المشاريع فان الإجراءات المتخذة لتطبيق إستراتجية الصيد 2015 ـ 2019 تبدوا عاجزة تماما عن مواكبة واستدامة هذه الانجازات التي تم إنشاءها في زمن قياسي ـ والتي تستحق اتخاذ إجراءات مصاحبة أكثر تلاءما مع واقع المجتمع الموريتاني وحقيقة القطاع التي تتطلب توجيه جميع الجهود في سبيل تأهيل العنصر البشري و توفير آليات مناسبة للإنتاج ـ

 

يعتبر السماح للسفن الأجنبية الولوج المباشر إلى النظام الوطني من دون تغيير دولة العلم الأجنبية من الإجراءات التي تتنافي مع مضمون النظرة الشمولية لتنمية مستديمة لهذا القطاع. لأن هذا الإجراء لا يأخذ بعين الاعتبار الدور الاقتصادي الذي يمكن أن يوفره منح دولة العلم الوطني من فرص اقتصادية وتشغيلية لليد العاملة الوطنية حيث إن نظام منح دولة العلم الوطني وتسجيلها في سجل السفن الوطنية له تأثيرا اقتصاديا إيجابيا على كافة المنظومة البحرية للدولة ـ

 

فمهما كانت نوعية الصيد التقليدية الشاطئية والاصطناعية وتطبيقا لمدونة البحرية التجارية المتخصصة في هذا المجال فإن مرتنة السفن الأجنبية تعد الطريقة الوحيدة المباشرة لتحقيق مرتنة الطواقم. وكذلك فإن فرصة تجديد الأسطول الوطني المتهالك كانت سانحة وفي متناول الفاعلين في مجال الصيد لو اتخذت لها إجراءات تحفيزية لاقتناء دولة العلم الوطني من ضمنها شرط الولوج إلى النظام الوطني الخاص بالسفن الوطنية. بينما يعتبر عدم تشجيع تغيير دولة العلم الأجنبية للسفن العاملة في مياهنا الوطنية والولوج إلى دولة العلم الوطني تسريحا ضمنيا للعمالة الوطنية المؤهلة وكذلك تقليصا للكثير من المزايا المادية الواردة من مداخل السفن على كافة مستويات الاقتصاد الوطني ـ

 

ويعد هذا الإجراء كذلك الذي يسمح للسفن الأجنبية العاملة في قطاع الصيد بالولوج البسيط والمباشر إلى النظام الوطني من دون قيد أو شرط سلبيا حيث إن جميع الكميات المصطادة من مخزوننا الوطني السنوي المعلن عنه دوليا تحسب من طرف كافة منظمات الصيد الدولية المانحة والمهنية وذلك حسب الأعراف والنظم العالمية المعمول بها لحساب دولة العلم الأجنبية التي تحملها السفينة فترة عمليات الصيد وليس لحساب ميناء التفريغ ولا منطقة الصيد. وبالتالي فإن هذا الإجراء ينعكس سلبا انعكاسات بالسياسات الاقتصادية المستقبلية وتحريفا لسيادة لكمية وقيمة المخزون الوطني المتعارف عليه دوليا والذي تمنح على أساسه تمويلات المانحين الموجهة لتنمية هذا القطاع الحيوي ـ

 

وفي الحقيقة هذا الإجراء يتنافا تماما مع مبدأ مرتنة الطواقم ـ ولا يمكن أن يكون هدفه إلا على المستوي القريب والبسيط جدا ولم يكن المراد منه سوى فرض إتاوات جزافية لملئ خزينة الدولة بصفة مؤقتة عبر مداخل مثيرة للتميز السريع ربما عن كافة المسيرين السابقين لهذا القطاع في نظر أصحاب القرار ـ فعلا فعدم تشجيع الولوج للنظام الوطني والتراخي في تطبيق القوانين والنظم البحرية وتوزيع حصص افتراضية غير قابلة للمراقبة يعتبر اقصر طريق لتحقيق هذا الهدف قصيرالمدى!!

 

من جهة أخري فان أزمة رحيل الصيادين السنغاليين العاملين في قطاع الصيد التقليدي والشاطئي كان بالإمكان تجاوزها وتفادي نتائجها السلبية على الإنتاج لو أن القانون المتضمن لمدونة البحرية التجارية الوطنية طبق. ففي الجزء الثاني والكتاب الرابع المتعلق بالنظام الأساسي للسفينة والعنوان الأول من النظام الأساسي الإداري للسفن وبالتحديد المادة: 52 "يمكن أيضا مرتنة السفن الأجنبية المستأجرة (هيكل عاري) من قبل مجهز سفن موريتاني أو من قبل شركة خاضعة للقانون الموريتاني وتتولى رقابتها وتجهيزها واستغلالها وتسييرها في البحر" حيث كان من المفروض فرض تقديم شهادة التخلي عن دولة العلم الأجنبية قبل توقيع أي رخصة استئجار للسفينة وذلك لضمان حق المستأجرين الوطنيين وكذلك رسم خطة لاستبدال العاملين الأجانب بالوطنيين بعد اكتساب الخبرة اللازمة ـ

 

 

إذا وبعد كل هذه الإجراءات السلبية في تسيير هذا القطاع الحيوي الذي يعتمد عليه الاقتصاد الوطني نعود لبداية التسعينات وسياسة مرتنة الصيد التقليدي تماما كما قيم به للصيد الصناعي ومع ذلك تم تكوين أكثر من 15000ضابط وبحار مؤهلين لكي يتم تسريحهم ـ فالي متى سيظل الرجوع إلى الوراء هروبا من الواقع؟

 

 

لا أظن حسب رأيي الشخصي أن الحملات الإعلامية تفيد في الدفاع عن إجراءات لم تأخذ بعين الاعتبار حقيقة أنشطة تزاول في وسط موحش ظل يعاني من عدم فهم ضوابطه ونظمه الموحدة دوليا. بل أقترح اتخاذ إجراءات عملية سريعة أكثر ملائمة للقوانين والنظم البحرية الوطنية حسب المعايير الدولية المعمول بها لتصحيح مسار تنمية هذا القطاع الحيوي على المدى المتوسط والطويل.

 

 

وفي هذا الإطار فإنني أدعوا فخامة رئيس الجمهورية الضامن الأول للمصالح العليا للبلد إلى افتتاح أيام تشاوريه فنية ومهنية لتنظيم سير المهن والخدمات البحرية التي تعتبر مصدرا مدرا للدخل ورافدا للعمالة وركيزة أساسية من دعائم التنمية المستديمة.