على مدار الساعة

الكونغو.. مخاض الانتقال الديمقراطي العسير

24 نوفمبر, 2018 - 11:09
محفوظ ولد السالك - صحفي مهتم بالشؤون الإفريقية.

نحو انتقال ديمقراطي لا يبدو سلسا، تخطو الكونغو الديمقراطية، "زائير" سابقا، خطوات حثيثة، نحو لحظة الخلاص من حكم أسرة كابيلا، القائم منذ عام 1997، حين تولى لوران ديزيري كابيلا السلطة، واضعا الحد لحكم موبوتو، الذي استمر 32 عاما.

 

لكن ذلك لم يسهم في وضع حد للحروب والصراعات، في البلد الإفريقي الثاني من حيث المساحة، والحادي عشر على مستوى العالم، فقد ظل الاضطراب قائما، واغتيل ديزيري على يد أحد حراسه الشخصيين عام 2001، ليرث نجله جوزيف كابيلا السلطة، وهو اليوم بات يحسب فترته المتبقية على كرسي الرئاسة، بالأيام.

 

الكونغو الديمقراطية، المثخنة بجراح غائرة منذ عقود، تتجه نحو لحظة تاريخية، تؤسس فيها لأول انتقال ديمقراطي، ستعرفه، يحاول خلاله كابيلا، أن يغادر ويترك ظله بالسلطة، فقد اختار وزير الداخلية السابق في حكمه، إيمانويل رامازاني شاداري، كمرشح للموالاة الداعمة له، في خطوة قد يكون الهدف منها العودة للسلطة مجددا.

 

أما المعارضة فقد انقسمت على نفسها في اللحظة الأخيرة، وفشلت في حذو بعض المعارضات ببلدان غرب القارة، حينما التفت نحو مرشح موحد، وتخلصت من رؤساء جثموا طويلا على كرسي أرادوه أبديا.

 

فقد انفرط عقد اتفاق 7 من أحزابها، بعدما اختارت مارتن فيولو، وهو خبير في النفط، تخرج من الجامعات الفرنسية، والأمريكية، وقاد عدة احتجاجات مناهضة لكابيلا، اعتقل على إثرها مرات عدة، غير أن تراجع اثنين من قادة الأحزاب السبعة، المجتمعة بجنيف، عصف بوحدة المعارضة، وقررت المشاركة بعدة مترشحين.

 

ويتنافس على خلافة كابيلا 21 مترشحا، يعدون ناخبي بلد الثمانين مليون نسمة، بإصلاح ما أفسده عقدان ونيف، من حكم رجل وابنه، وما عبثت به عقود الحروب والصراعات.

 

لكن الأهم بالنسبة للكونغوليين بات هو التخلص من كابيلا، رغم ضعف ثقتهم في المتنافسين على خلافته، وقد كسر التوق إلى الديمقراطية، وجعل الكرسي دولة بين الساسة، صمتهم، وخرجوا إلى شوارع كينشاسا لأشهر، وقرر كابيلا تحت تأثير ضغط الشارع، وتضييق الخناق الخارجي، عدم الترشح.

 

وإذ تعيش الكونغو،  أول أيام حملة التمهيد للإطاحة عبر صناديق الاقتراع، برئيسها الحالي، نشوة القطيعة مع توريث السلطة، فإن سياق النشوة هذا، مشوب بالاحتقان، فقد سقط ثلاثة قتلى بمدينة كاساي وسط البلاد، على أيدي بعض الميليشيا، بالتزامن مع انطلاق الحملة الانتخابية.

 

كما أن الجزء الشرقي الشمالي من البلاد، يلعلع فيه السلاح، حيث المجموعات المسلحة، ووباء الإيبولا، الذي يختفي تارة، ويظهر أخرى، مخلفا المزيد من الضحايا. 

 

وتصنف الكونغو، كدولة فقيرة، حيث تصدر خام المعادن إلى الصين، وتقتل المجاعة أبناءها، وترغم الأوضاع الأمنية الأطفال فيها إلى حمل السلاح، والتوجه إلى ساحات القتال، بدل حمل الكتب والتوجه إلى المدارس.

 

إن ما بعد 23 دجمبر القادم، بالكونغو الديمقراطية سيكون مختلفا، عن باقي غابر وحاضر تاريخ البلاد، لكن الطريق نحو التغيير، قد لا يكون سالكا، ومسار المخاض سيكون عسيرا، في بلاد ألفت تغيير رؤسائها عبر المدافع، والرصاص، ولم تتصالح بعد مع صناديق الاقتراع، والتبادل السلمي على السلطة. 

 

وفيما تأمل المعارضة أن تنصفها الصناديق، وتصل سدة الحكم، يسعى النظام إلى إحداث تداول من داخله، يستمر من خلاله في السلطة.

 

وسيرث خليفة كابيلا القادم، تركة ثقيلة، فالوسط والشمال الشرقي، يعيش على صفيح ساخن، والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية صعبة، حيث تصنف البلاد في مراتب متأخرة على مؤشر التنمية البشرية، والفقر يضرب بأطنابه فيها، والإيبولا ظهرت أزيد من 8 مرات، وزهقت العديد من الأرواح.

 

كما سيرث خليفة كاببلا ضغوطا خارجية، واحتقانا داخليا، كانت الكنيسة فيه تصطف ضد النظام، بعد أن حاولت أن تلعب دور الوسيط بينه وبين المعارضة الثائرة ضد سياساته، واستمرار حكمه، الوراثي.

 

الكونغو كينشاسا، إن نجحت في القطيعة مع كابيلا، وسيرت مرحلة انتقالية، يعلو فيها الاستقرار والهدوء، على الاضطراب والتأزيم، ستخطو رويدا نحو التأسيس للديمقراطية، ووضع الحروب أوزارها.