على مدار الساعة

قبل فوات الأوان!

31 أغسطس, 2018 - 15:48
بقلم عبد القادر ولد الصيام - ouldsiyam@gmail.com

تقترب الحملةُ الانتخابية لعام 2018 من وضعِ أوزارها ومنحِ المواطنين "صمتا انتخابيا" - عند منتصف هذه الليلة - يُعيد لهم بعض الهدوء الذي فقدوه خلال الأسبوعين الماضيين، و هي راحة ضرورية للاستعداد ليوم "الحسم" والاختيار بين لوائح وطنية بلغت سبعة وتسعين (97) لائحة مختلطة، وسبعة وثمانين (87) بالنسبة للائحة الوطنية للنساء، كما بلغ عدد اللوائح المترشحة للمجالس الجهوية مائة وتسعة وخمسين (189) لائحة، ويبقى أكبر هذه الأعداد هو العدد المتعلق بالانتخابات البلدية حيث يبلغ عدد اللوائح المترشحة لها ألفا وخمسمائة واثنين و خمسين (1552) لائحة!!

 

سيحتاجُ كل ناخب إلى بذل جهد كبير في الوصول إلى اسم وصورة مرشحه وحزبه في كل بطاقة تصويت من بطاقات التصويت الخمسة، حيث يبلغ طول بطاقة التصويت في اللائحتين الوطنيتين و في لائحة انواكشوط النيابية ستين (60) سنتمترا لكل لائحة، ويبلغ طول بطاقة التصويت في المجلس الجهوي لنواكشوط عشرين (20) سنتمترا، أما بقية اللوائح فتتراوح بين خمسة عشر (15) وثلاثين (30) سنتمترا بحسب عدد اللوائح المتنافسة.

 

سيكون من التحديات الهامة التي يجب على كل ناخب مواجهتها - كما ذكرتُ - الوصولَ إلى اسم مرشحه / حزبه، والتأكّدَ من التصويت له في الخانة الصحيحة ووضع "الباء" حيث يجب أن توضَع، ومن المعروف أن مجتمعنا يعاني من ارتفاع نسبة الأمية (حيث ارتفعت نسبة الأمية سنة 2014 إلى 42%، بعد ما كانت 35.6% 2008، وتبلغ نسبة النساء 65% من الأميين، بينما تعتبر نسبة الأميين من ساكني الريف 75%.

 

وقد ورد في "التقرير الختامي لمنتديات التعليم في موريتانيا" أن من بين كل عشرة أشخاص في موريتانيا هناك أربعة غارقون في جهل مطبق لا يقرأون و لا يكتبون!! و هو ما سيؤدي إلى ارتفاع نسبة الأصوات اللاغية –أحيانا -، أو التصويت -خطأ- لمرشح غير مقصود - أحيانا أخرى -!!.

 

لكن هذه العقبات كلها ليست ذَا بالْ مقارنةً مع الضغوط التي استخدمتْها السلطة وحزبها الحاكم ورجال أعمالها وأمنها وبعض فقهائها الذين ساروا في عرض البلاد وطولها مبشّرين ومنذرين، وقد تعزّز ذلك بتحرّكات سياسية لرئيس الدولة دعما لحزب الإتحاد من أجل الجمهورية في خرقٍ سافرٍ لنص وروح المادة: 27 من الدستور التي تقول بأنه: "تتعارض مهمة رئيس الجمهورية مع ممارسة أي وظيفة عمومية أو خصوصية ومع شغل منصب قيادي في أي حزب سياسي"، كما أن غيابَ مراقبين دوليين مستقلين وعدمَ دمج مكاتب تصويت المؤسستين العسكرية والأمنية مع المدنيين زاد من قلق قادةٍ سياسيين ونشطاءَ مهتمّينَ بالموضوع وجعلهم يخافون من تزوير شامل ومُمنهَج يعيد الجميع إلى فترة "كوبنّي"!!

 

ومع اقتراب ساعات الحسم تبقى قلوب الكثيرين معلقة في انتظار ما ستسفر عنه نتائج الانتخاب - والتي قد لا يتم معرفتها - بشكل نهائي - إلا بعد يومين من الاقتراع نظرا لتعقيد العملية الانتخابية وكثرة اللوائح والمترشحين، ولكنّ ما ينبغي التأكيدُ عليه هنا - قبل فوات الأوان - هو أننا أمام لحظة تاريخية فارقة سترسم ملامح البلد للسنوات القادمة وربما لعقود قادمة؛ ذلك أن التصويت لمرشحي الحزب الحاكم ومَن يَدور في فلكه من المسبّحين بحمْدِ السلطة والسائرين في رَكْبِها يعني التصويت لصالح استمرار تدهور الأوضاع وارتفاعِ الأسعار والتضخّم وزيادة الدَّيْن الوطني وكثرة ضحايا حوادث السير والإهمال الطبي وزيادة نسبة الفقراء والأميين والعاطلين عن العمل.

 

كما سيؤدي التصويتُ لمرشحي الحزب الحاكم – والأغلبية - للنواب إلى المساهمة في تشكيل برلمان "ما قال لا قط إلا في تشهده" وقد يقوم بتعديل الدستور حتى يُحكِم الرئيس الحالي والجيش قبضتهم على السلطة ويَقضون على كل أمل في التبادل السلمي على السلطة والمشاركة السياسية لكافة الأطراف في صُنع القرار وتسيير الشؤون العامة للبلد، والشيء نفسه يصدق على مرشحيه للمناصب الأخرى، حيث يُعتَبَرُ التصويت لها تكرارا للفشل والفساد والنهب والضرائب المجحفةِ بالمواطنين والتي تذهب إلى جيوب السياسيين والمفسدين!!

 

لقد جَرّب شعبنا هذا النظام - خلال "العشرية الضائعة" - والتي لاحظ الجميع فيها خلْقَ النظام لطبقةِ رجال أعمالٍ جدد، ومحاربة آخرين والتضييق عليهم بحجة "محاربة الفساد"، كما اتضح للجميع تدخّل السلطة في القضاء وخضوعه المطلق لها وعدم استقلاليته، وحرمان الكثيرين من حقوقهم وتحريك الدعوى ضد آخرين لإسكاتهم أو معاقبتهم - إن لم يتراجعوا - وهو أمر حدث مع رجال أعمال فُرضت عليهم ضرائب كبيرة أرغمت بعضهم على الرجوع عن المعارضة بينما أفلس بعضهم ممن لم يغيروا مسارهم السياسي!

 

إن سوء وتدهور الخدمات العمومية في البلد وتقاعس الحكومة عن مُساعدة المنمّين والمزارعين وما نتج عن ذلك من جوعٍ مشهود ونقصٍ معلوم في الثمرات وتناقص واضح في الثروة الحيوانية وازدراء بيّنٍ لأرواح ضحايا حوادث السير جَعَلَ الكثيرين يَنقمون على السلطة الحاكمة حتى في مناطق - مِن "موريتانيا الأعماق" - مَرَدتْ على الولاء المجاني للسلطة وتقديسها.

 

لقد بدى لمعظم السكان زيفُ الشعارات التي ترفعها الحكومة الحالية ورئيسها، ورأوْا من فسادهم ومحسوبيتهم وتقاعسهم عن خدمة الوطن والمواطنين وانشغالهم بـ"مصالحهم الذاتية" ما يُحتّم عليهم التصويت ضدهم تنبيها على رفضهم لسياسات الظلم والقهر والتهميش، ولِسانُ حالهم -:

 

فَهَل مِن العدل أن ترضى "دَمَقرطَةً" ***  تُدارُ بالظلم والتزوير والحسد؟!!

و هل مِن العدل أن ترضى "دَمَقرطة" *** تقول: لا لخيار الشعب في البلد؟!!

كلا! (........) ***** (............)

وعند يوم الترامي سوف نُشعلها ** حربا على الغش في بَسالة الأسد

حتى يكون خار الشعب محترَما ** ويَذْهَب الغيرُ في الأدراج كالزبد!

 

آن الأوان لنا أن نتخذ قرارا شجاعا نختار فيه الأفضل من بين مترشحي الأحزاب المعارضة ممن لم تتلطخ أيديهم بالمال العام ولم يطبّلوا لسلطانٍ، ومِمّن يعيشون آلام الشعب ويحسّون بمعاناته، من الشباب والنساء والرجال الذين عُرفوا بالنضال والصبر على الحرمان واللأواء والسعي في مصلحة الشعب، فهل نفعل ذلك قبل فوات الأوان؟ أم أننا سنضيّع هذه الفرصة كما أضعنا فرصة ذهبية سابقة؟!

 

حفظ الله موريتانيا و أهلها.