تَتَابَعَ على موريتانيا منذ استقلالها قادة ترك كلٌ منهم بصمته الخاصة على قرارته وأسلوب حكمه. إلا أن الرئيس الحالي، محمد ولد الشيخ الغزواني، يمثل نموذجاً قيادياً يثير تساؤلات حول التوازن بين عمق الرؤية وقوة التنفيذ، ليُصنَّف في نظر البعض أقرب إلى رئيس مُنظِّر ومُراقب منه إلى رئيس فاعل ومُنفِّذ.
السمات المشتركة: بساطة المدني وفلسفة التدرج
يُبدي الرئيس الغزواني تشارُكاً في السمات مع قادة سبقوه، أبرزهم الرئيس المؤسس المختار ولد داداه والرئيس المدني سيد ولد الشيخ عبد الله. هذا التشارُك يتمثل في:
- البساطة والميول لترسيخ القيم: حيث يولي أهمية قصوى للأخلاق والعادات الحميدة، ويُلم بتفاصيل حال البلد الإدارية والاجتماعية بعمق.
- فلسفة الصبر والتدرج: وهي منهجية واضحة في الحكم عبَّر عنها بصراحة بـ"الصبر والتدرج والتفهم".
- تصفير المشكلات: حرصه على عدم الاستثمار في العداوات، وتكريس جهده لتصفير المشكلات مع خصوم الحكم داخلياً وخارجياً، مما وفَّر مناخاً سياسياً راغباً ومساعداً للنهوض بالبلد.
هذه السمات، وإن كانت أساساً متيناً للبناء الهيكلي، إلا أنها تجعله في نظر الجمهور الواسع قائداً يركز على تهيئة المناخ أكثر من التركيز على تسريع الإنجاز.
السمة المميزة: ميزة العسكري غير المُفعلة
يتميز الرئيس الغزواني عن الرئيسين سيد والمختار بخلفيته العسكرية، وهي ميزة حاسمة ومريحة تُوفِّر له منسوباً عالياً من الأمان والقبول داخلياً والثقة والتصَدُّر دولياً. نظرياً، تُمكّنه هذه الميزة من الجمع بين:
مرونة وشمول ودراية المدني (في الرؤية وبعد النظر).
حسم ونفوذ وقوة العسكري (في القرار والتنفيذ).
إلا أن هذا الجمع لم يُفعَّل بالقدر المطلوب حتى اللحظة. ففي ظل التوقعات الضخمة والمناخ السياسي الجاهز، لا يزال الحكم يجري في مناخ يسوده الفساد والتسيُّب الإداري، وبدرجة تصل إلى مغالطته شخصياً في المعطيات المقدمة إليه. هذا الواقع هو ما يضع الرئيس في موقع المراقب الذي يرى ويحلل، بدلاً من المنفِّذ الذي يغير ويحاسب.
خلاصة القول: دعوة إلى الحسم التاريخي
لكي يتخلص الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من مسألة التأرجح في نظر البعض، ويُحوِّل رؤيته التنظيرية إلى إرث خالد، آن له أن ينتقل من التفهم إلى الحزم والفاعلية.
إنَّ مسؤولية القائد لا تقتصر على حسن النية والإلمام، بل تتعداها إلى قوة القرار وتحمُّل تبعاته. فثمن المجد والخلود يكمن في استخدام كامل نفوذه وقوته لوضع بصمة لا تُمحى في أهم وأدق محطات موريتانيا بعد ما يزيد على ستة عقود من عمر الدولة.
إن استمرار الاعتماد على التدرج المطلق قد يُضيِّع على الرئيس فرصة المجد والخلود كقائد مُصلح حاسم، وعلى بلاده فرصة المزيد من الاستقرار والتنمية والنهوض الذي طال انتظاره.

.gif)
.gif)













.png)