على مدار الساعة

نص مرافعة الأستاذ محمد ولد أحمد مسكه

15 نوفمبر, 2023 - 16:39
المحامي محمد ولد أحمد مسكه (يمين) خلال مؤتمر صحفي سابق حول ملف موكله ولد امصبوع (الأخبار - أرشيف)

نص مرافعة الأستاذ محمد ولد أحمد مسكه أمام المحكمة الجنائية المختصة بالجرائم المتعلقة بالفساد

 

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبيه الكريم والحمد لله رب العالمين

 

{رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي}

 

السيد الرئيس،

السادة أعضاء المحكمة الموقرة،

اسمحوا لي بادئ ذي بدء أن أستفتح هذا المرافعة بالوصية الخالدة التي أوصى الله بها نبيه داوود عليه السلام باعتبار التقيد بمقتضاها يشكل أساسا لمرتكزات المحاكمة العادلة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}.

صدق الله العظيم وبلغ رسوله الكريم ونحن على ذلك من الشاهدين.

 

السيد الرئيس،

السادة أعضاء المحكمة الموقرة،

مراعاة مني لظروف المحكمة، ونظرا لاستحالة التهم في حق موكلي محمد الامين ولد بوبات ومحمد ولد امصبوع وانعدام الأدلة المتعلقة بها، فإنني لن أطيل على محكمتكم الموقرة وسأقتصر في مرافعتي على ثلاثة محاور فقط هي على التوالي:

 

أولا: مدخل تمهيدي،

ثانيا: دفوع حول التهم وأدلة الإثبات،

ثالثا وأخيرا: رأي الشريعة الإسلامية حول الكيفية الأعدل لتعامل القضاء الجزائي مع أدلة الاتهام، لأخلص إلى طلباتي بأسلوب وطريقة سأحاول قدر الإمكان أن تكون بعيدة عن الإسهاب الممل والإيجاز المخل:

 

المحور الأول: مدخل تمهيدي

السيد الرئيس،

السادة أعضاء المحكمة،

كنا نحسب أن عهد المحاكمات السياسية قد ولى إلى غير رجعة، غير مأسوف عليه، لما يحمله من طابع انتقائي ومن بعد انتقامي، لكن يبدو أن التاريخ يعيد نفسه كما يقال، فما أشبه الليلة بالبارحة!

 

غير أنه في العهود السابقة كانت المحاكمات السياسية تقتصر على الخصوم السياسيين وحدهم، دون غيرهم، أما أن تتجاوز ذلك إلى بقية أفراد العائلة، فهو منعطف لم يسبق له مثيل.

 

أن تصبح القرابة جناية والمصاهرة جنحة، فهذا أمر عجاب، ولو كان أبو العلاء المَعَرِّيُّ موجودا معنا بهذه القاعة لأضاف هذه التهم إلى تهمه الغريبة والمستحيلة ولأنشد قائلا:

إذا وصف الطَّائِيّ بِالبُخْلِ مَـــــــــادِرٌ *** وَعَيَّرَ قِسًّا بِالفَــــــــــــــــــهَاهَةِ بَـــاقِلُ

وَقَالَ السُّهَى لِلشَّمْسِ أَنْتِ خَــــــفِيَّةٌ *** وَقَالَ الدُّجَى ياصــــــــبْحِ لَوْنـكَ حَائِلُ

وَطَاوَلَتِ الأَرْضُ السَّمَاءَ سَفَاهَـــــةً *** وَفَاخَرَتِ الشُّهْبَ الحَـصَا وَالجــــنَادِلُ

وقيل لزيد إنـــــــــــك اليوم مفســد *** لأنك صهر لا لأنك فاعـــــــــــــــــــــل

وقيل لعمر انت موضع تهمــــــــة *** لقربك من زيــــــــــــــــد فانت مساءل

فَيَا مَوْتُ زُرْ إِنَّ الحَيَاةَ ذَمِيْمَــــــــةٌ *** وَيَا نَفْس جِدِّي إِنَّ دَهْــــــــــــرك هَازِلُ

 

السيد الرئيس،

ها هما موكلاي يقفان اليوم أمامكم بعد مسار عصيب، تجرعا خلاله مرارة الظلم في النفس والعرض والمال، كل ذلك وهما صابران محتسبان ولسان حالهما يردد:

وما من يد إلا يد الله فوقها *** ولا ظالم إلا سيبلى بظالم

 

أما اليوم فإنهما يتوقان لمحاكمة عادلة ترفع الظلم وتكرس العدل، تتصف بالاستقلال وتستعصي على الاستغلال، تستشعر في هذا الظرف قول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

 

السيد الرئيس،

لا ضير في أن نذكر النيابة الموقرة بأن الدور الأساسي للادعاء العام هو الدفاع عن المجتمع وبما أن الفرد هو نواة المجتمع، فإنه يفترض في النيابة العامة أن تكون بمثابة الظهير الحامي لكل فرد يتم استهدافه ظلما وعدوانا كما هي حال موكلي.

 

"وإذا كـــــــــــــان القلـــــــم أســـــــيرا فإن اللـــــــــــسان حـــــــــــــــــــر Si La plume est serve, la parole est libre"

 

وعلى الكل برلمانا وشرطة ونيابة وتحقيقا ومحكمة أن يستشعر الوعيد الشديد الوارد في قوله تعلى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَـــفِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّــــلِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَــــرُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ}.

 

فمن يتحمل هذا الموقف العصيب إنه موقف ومنقلب لا محيد منه للظالم مهما كان وكيف ما كان {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقبلون}.

 

المحور الثاني: دفوع حول التهم وأدلة الإثبات

أولا: حول التهم:

السيد الرئيس،

السادة أعضاء المحكمة الموقرة،

إنه بالعودة إلى قرار الاتهام وأمر الإحالة وطلبات النيابة العامة نلاحظ أنه تم توجيه ثلاثِ تهم لموكلي محمد الأمين ولد بوبات وخمسِ تهم لموكلي محمد ولد امصبوع كل ذلك بدون أي أساس قانوني.

 

وقبل تناول هذه التهم بشكل مفصل نشير إلى أنه لا بد لقيام الجريمة أيا كانت من توافر ثلاثة أركان رئيسية:

1. ركن مادي يتجسد في واقعة تم القيام بها من طرف المتهم،

2. ركن معنوي يتجسد في قصد إجرامي لدى المتهم،

3. ركن قانوني يتجسد في نص قانوني سابق يجرم تلك الواقعة،

 

ولكل من هذه الأركان شروط تخصه، فأين هي هذه الأركان والشروط من تلك التهم؟

 

أولا: بالنسبة للتهم المشتركة بين موكلي: ويتعلق الأمر بتهمتين هما:

1. إخفاء عائدات إجرامية بناء على المادة: 17 من ق م ف:

 

وهنا نتساءل ما هي هذه العائدات الإجرامية؟ ما هو الإجرام الذي تحصلت منه؟ كيف ومتى وأين أخفيت؟

 

أسئلة لا تستساغ التهمة – قانونا - بدون الإجابة عليها من طرف النيابة العامة وبأدلة قاطعة ولا يوجد في هذا الملف أي جواب مقنع عنها، مما يعني أنه لا معنى ولا مبنى لهذه التهمة.

 

2. المساهمة في التستر على إثراء غير مشروع على أساس المادة: 16من ق م ف:

إن هذه التهمة كسابقتها لا وجود لها أصلا ولا دليل عليها فرعا، لكن يبدو أن إضافتها كان استهدافا مكشوفا للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في إطار تصفية حسابات سياسية لا ناقة لموكلي فيها ولا جمل.

 

أما التهمة الخاصة بموكلي محمد الامين ولد بوبات فهي إعاقة سير العدالة على أساس الفقرة الأخيرة من المادة: 18 من ق م ا، لكن بالرجوع إلى نص هذه الفقرة نلاحظ أنها تشرط للتجريم أن يرفض المتهم، عمدا دون تبرير، تزويد سلطات الرقابة والبحث والمتابعة والتحقيق بالوثائق والمعلومات المطلوبة.

 

ولم تدع النيابة العامة امتناع موكلي من تسليم أية وثيقة طلبت منه، كما أن جميع المحاضر تثبت أنه أجاب على كافة أسئلة تلك السطات دون استثناء، مما يعني استحالة التهمة في حقه وبنص نفس المادة التي اتهم على أساسها وهو ما يجعل هذه التهمة ساقطة شرعا وقانونا ومنطقا.

 

أما التهم التي تخص موكلي محمد ولد امصبوع فهي ثلاث، نتناولها تباعا:

1. استغلال النفوذ على أساس المادة: 13 من ق م ف:

إنه بالرجوع إلى نص هذه المادة نلاحظ أنها تشترط للتجريم أن يكون المتهم موظفا عموميا أو متواطئا مع موظف عمومي أو وسيطا بينهما، مستغلا نفوذا فعليا أو مفترضا وذلك بهدف الحصول على منفعة غير مستحقة لنفسه أو لغيره، في حين أن موكلنا ليس موظفا عموميا، سواء بالمفهوم القانوني العام لأن "سنيم" ليست مؤسسة عمومية وعمالها كما تعلمون يخضعون لقوانين الشغل وليس لقوانين الوظيفة العمومية، أو بالمدلول الاصطلاحي الخاص الوارد في المادة: 2 من ق م ف التي تشترط للتجريم أن يكون المتهم صاحب منصب أو وظيفة بما تستلزمه من إدارة وتسيير لميزانية عمومية.

 

موكلنا لم يدر أية إدارة لم يسير أي ميزانية، ولم تدع النيابة العامة أنه تواطأ مع أي موظف عمومي ولا أي وسيط مهما كان.

 

أما المنفعة غير المستحقة فلا وجود لها على الاطلاق، مما يعني أن شروط التجريم منعدمة في حقه وبالتالي تنتفي هذه التهمة لأن الشرط يلزم من عدمه العدم والمنعدم شرعا كالمنعدم حسا أحرى إذا كان منعدما حسا في الأصل.

 

2. إساءة استغلال الوظيفة بناء على المادة: 14 من ق م ف:

وبالرجوع إلى نص هذه المادة نجدها أيضا تخص الموظف العمومي الذي يستغل وظيفته بهدف الحصول على منفعة غير مستحقة لنفسه أو لغيره.

 

وبما أن موكلنا، لم يدر أي وظيفة مهما كانت، فإن التهمة مستحيلة في حقه، إذ كيف يتأتى أن يقوم بإساءة استغلال وظيفة لم توجد أصلا؟!

 

وكيف يعقل أن يحصل على منفعة لا وجود لها على الإطلاق؟!

 

مما يعني أن اتهامه على أساس هذه المادة هو اتهام أقرب إلى الهزل منه إلى الجد وكما يقول المثل: (إذا حدثت بما لا يكون أنه يكون فلا تصدق).

 

3. الإثراء غير المشروع على أساس المادة 16 من ق م ف:

وبالرجوع الى نص هذه المادة نلاحظ أنها تشترط للتجريم أن يكون المتهم موظفا عموميا وأن يكون مصدر ثرائه عائدات استولى عليها من خلال تسييره لثروة تحت سلطته الإدارية، وبما أن موكلنا ليس موظفا عموميا كما بينا سابقا، ولم يسير أي ميزانية، فإن التهمة مستحيلة في حقه.

 

كما أن هذه المادة كما تعلمون لا تنطبق إلا على الموظفين الملزمين بالتصريح.

 

وزيادة على ذلك، فإننا سنقدم للمحكمة لائحة بممتلكاته مبررة شرعا وقانونا وعندها سيضمحل الباطل ويعلو الحق مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: "الحق يعلو ولا يعلى عليه وإن للباطل صولة ثم يضمحل".

 

السيد الرئيس،

السادة أعضاء المحكمة الموقرة،

هنالك بعض الحقائق القانونية والواقعية التي تمت محاولة طمسها، سواء من قبل الطرف المدني أو من طرف النيابة العامة، لذلك فإنه يتعين توضيحها إحقاقا للحق من جهة، ولكونها هي مناط تحقيق العدالة في حق موكلي من جهة أخرى، ومن أهمها:

1. أن محاولة كل من النيابة العامة والطرف المدني تمييع وتمطيط تعامل موكلنا محمد الأمين ولد بوبات مع كل من المرحوم أحمدو ولد عبد العزيز والسيدة / ليلى بنت عبد العزيز بغية ربطها بالتهم الهشة الموجهة للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز لا تستقيم شرعا ولا قانونا ولا حتى منطقا لأن هذين الشخصين إبان تعاملهما مع موكلي، كانا بالغين راشدين غير متابعين.

 

والقاعدة الشرعية والقانونية هي استقلال الذمم بين البالغين.

 

2. أن محاولة النيابة العامة تطبيق وتطويع مقتضيات قانون مكافحة الفساد الصادر 2016 على عقود بيع أبرمها موكلنا محمد الأمين ولد بوبات مع المرحوم أحمدو ولد عبد العزيز سنة 2014 مستحيلة قانونا، طبقا لمبدأين قانونيين معروفين هما: "مبدأ عدم رجعية القوانين" المكرس في المادة: 2 من ق ا ع .

 

ومبدأ: "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني سابق على ارتكابها" المكرس في المادة: 4  من ق ع.

 

ومن المعلوم بداهة أن البيوع تعتبر من الوقائع الآنية وليست من الوقائع المستمرة كما تدعي النيابة العامة.

 

3. أن محاولة النيابة العامة والطرف المدني اختلاق حجة ضد موكلنا محمد الأمين ولد بوبات من خلال تضخيم ظاهرة تخفيض الثمن عند ترسيم عقود البيع التي عمت بها البلوى في بلادنا وأصبحت عرفا لدى الناس، لا تجدي نفعا في هذا المقام، خصوصا أنها ليست محل متابعة.

 

ولو كانت النيابة العامة جادة في ذلك لتابعت جميع الموريتانيين!

 

4. أن الوقائع المنسوبة لموكلنا محمد الأمين ولد بوبات تنحصر في قيامه بعقود بيع لا أقل ولا أكثر، والله تبارك وتعلى يقول في محكم كتابه: {وأحل الله البيع} فمن يتجرأ على تحريم أحرى تجريم ما أحله الله بنص قرآني محكم صريح!

 

5. أن موكلنا محمد ولد امصبوع ولد وترعرع في أحضان أسرة ميسورة الحال ما شاء الله، توارثت الغنى أبا عن جد وبسواعد أبنائها وممارستهم للتجارة منذ عقود، حيث بلغ رأس ماله التجاري الناتج عن نشاطه التجاري الخاص - سنة 2007 حوالي مليار أوقية وذلك قبل تكوين أسرته وقبل اكتتابه في شركة "سنيم" بعدة سنوات، وظل يستثمر هذا المال الحلال بطرق شرعية وقانونية حتى اليوم، فلا غرابة إذن ولا شبهة في أن يكون ميسور الحال وإن كان وضعه المادي بعيدا عما تم الترويج له في الإعلام وما تم اعتماده في الاتهام.

 

6. أن ما ورد في ص: 35 من أمر الإحالة وتلقفه الطرف المدني وتبنته النيابة العامة، من أن لدى موكلنا محمد ولد امصبوع من السيولة النقدية في البنوك الوطنية مبلغ 86.787.421 أوقية جديدة لا أساس له من الصحة، إذ ليس لديه من السيولة النقدية سوى مبلغ 240.000 أوقية جديدة، وذلك في حسابه بالبنك الموريتاني للاستثمار(BMI) وقد تحدى من يثبت غير ذاك!

 

كما أن حسابه في فرنسا لم يسجل فيه أي مبلغ زائد على مستحقاته من عمله في شركة "سنيم"، عكس ما ادعته النيابة العامة وكشف الحساب برهان ملموس ولا مناكرة في محسوس.

 

7. أن ما ورد في الصفحات: 35 – 36 - 37 من أمر الإحالة وروج له الطرف المدني واعتمدته النيابة العامة من أن لدى موكلنا محمد ولد امصبوع، حوالي 158 عقارا لا أساس له من الصحة، إذ لا يملك سوى بضع وعشرين عقارا فقط، أغلبها قطع أرضية لا بناء عليها وأكثر من ثلثها في مناطق شعبية كـ"امكيزيرة" ودار النعيم.

 

وسنقدم للمحكمة لائحة بوثائقها وما عداها محض زور وبهتان، ومن قال بذلك، فلا غرابة إن صدر عنه ذلك التقييم المالي الخيالي الذي نسف جدية هذا الملف.

 

8. أن ما ورد في الصفحة 37 من أمر الإحالة وشهر به الطرف المدني واستساغته النيابة العامة من أن لدى موكلنا محمد ولد امصبوع منزلا وواحة نخيل في مدينة أطار لا أساس له من الصحة، إذ ليست لديه أي ممتلكات مهما كانت هناك.

 

9. أن ما ورد على لسان كل من الطرف المدني والنيابة العامة من ربط خاطئ متعمد، بين موكلنا محمد ولد امصبوع والمدعو/ اعل اب لعبيد فيما يتعلق بقطع أرضية في نواذيبو لا أساس له من الصحة، إذ لا علاقة له بتلك القطع ولا بصاحبها.

 

عجبا لهذا التسلط!

 

10. أن الحوانيت الثلاثة التي يمتلكها موكلنا محمد ولد امصبوع في سوق المرابطين بالعاصمة تم احتسابها في أمر الإحالة بالطريقة الغريبة التالية التي تستر عليها الطرف المدني وتغاضت عنها النيابة العامة، وهي:

- أنها ثلاثين حانوتا في سوق المرابطين كما ورد في ص: 35 من أمر الإحالة.

- أنها ثلاث حوانيت تحت اسم سوق العاصمة كما ورد في ص: 36 من مر الإحالة.

- أنها ثلاث قطع أرضية ضمن لائحة السندات العقارية، ص: 37 من أمر الإحالة.

أي أن الحوانيت الثلاثة توالدت أو ولدت حتى صارت 36 حانوتا.

 

ماذا تفهمون من ذلك السيد الرئيس، السادة أعضاء المحكمة الموقرة؟

هل هذا بحث شفاف؟

هل هذا تحقيق جدي؟

هل هذا اتهام مؤسس؟

لن يفوت ذلك على جنابكم الموقر، فاللبيب تكفيه الاشارة!

 

بذلك تتهافت أركان الجريمة في مختلف تلك التهم لتنهار برمتها فتصبح خاوية على عروشها.

 

ثانيا: حول الأدلة:

السيد الرئيس،

السادة أعضاء المحكمة الموقرة،

أما أدلة الاتهام التي يشترط لإمكانية الإدانة أن تكون دامغة، جازمة وحاسمة، فإنها منعدمة على الإطلاق، إذ لا توجد اعترافات ولا شهادات ولا حتى قرائن.

 

أ. أما محاولة النيابة العامة وقبلها الطرف المدني، توليد شبه اعترافات من غوامض المحاضر الأمنية، فإنها محاولة يأباها الشرع والقانون، لأن الاعتراف الذي يعتبر دليل إثبات هو الاعتراف القضائي ولا توجد لموكلي أي اعترافات قضائية.

 

ولا شك أن المحكمة الموقرة تعي جيدا أن من شروط صحة الاعتراف المجمع عليها شرعا وقانونا ما يلي:

1. أن يكون وليد إجراءات صحيحة، لا أن يكون وليد إجراءات باطلة، أعدت بليل في مخافر وصل التعذيب في بعضها درجة إزهاق الروح كما حدث في دار النعيم وفي وضح النهار.

2. أن يصدر عن إرادة حرة، لا أن يكون مجرد إملاءات تمت صياغتها تحت الإكراه بنوعيه المادي والمعنوي.

3. أن يكون واضحا لا لبس فيه، لا أن يكون مجرد تأويلات بتكلف وصل حد الاختلاق.

4. أن يكون متواصلا في جميع مراحل التحقيق لا أن يكون مدركه الوحيد محاضر أمنية باطلة.

 

 وحتى على افتراض صحتها وسلامتها فإن المادة: 389 من ق ا ج قد أخرجتها واستبعدتها من دائرة الأدلة القانونية وحصرتها وحشرتها في دائرة الاستئناس البسيط!

 

ومن الغريب هنا أن تحاول النيابة العامة – وبحجج واهية - التملص من واجب متابعة ممارسي التعذيب، الذين أبلغت عنهم وسجل إبلاغها في محاضر قضائية طي الملف، رغم أن القانون يلزمها بتحريك الدعوى العمومية بمجرد حصول العلم بالتعذيب.

 

أوردها سعد وسعد مشتمل *** ما هكذا يا سعد تورد الإبل

 

ب. كما أن محاولة كل من النيابة العامة والطرف المدني، اقتلاع شهادة إدانة ضد موكلي محمد ولد امصبوع مما عرف بمهزلة التهريب التي استحيت النيابة العامة من إثارتها إبان استنطاق موكلي، فإنها إن دلت على شيء فإنما تدل على انعدام الأدلة لا أكثر، لكون هذا الشخص ولا أقول الشاهد اعترف على نفسه بقيامه وحده بجريمة تهريب متكاملة الأركان، لكن النيابة العامة لم تصدقه فيما اعترف به على نفسه بدليل أنها لم تتابعه عليه، وفي نفس الوقت صدقته في ادعائه على موكلي واتهمت موكلي بدلا منه في أغرب اتهام، على حد قول الشاعر:

كما ضرب اليعسوب أن عاف باقر *** وما ذنبه أن عافت الماء باقر

 

كما أنه من المعلوم شرعا وقانونا أن الشهادة إذا قابلتها أبسط استفادة أو منفعة للشاهد سقطت.

 

وأي استفادة فوق أن يعترف المرء بجرمه أمام النيابة العامة وفي جلسة جنائية ثم يخرج من القاعة معززا مكرما وكأن شيئا لم يحدث!

 

وكما أن النيابة العامة لم تصدق هذا الشخص في اعترافه على نفسه فإنها أيضا لم تصدقه في ادعائه مرافقة أفراد من الحرس الرئاسي، بدليل أنها لم تعتبرهم لا في خانة المتهمين ولا في خانة الشهود، فاختفوا كما اختفى قبلهم جمارك المحاضر الأمنية.

 

ج. أما شهادة السيد / حسن ولد اعل المدير السابق لـ"سنيم" التي عكس مضمونها كل من النيابة العامة والطرف المدني، فان كلمته المشهورة أمام المحكمة الموقرة التي قال فيها: "إنه محدور درجة إن أثر عليه محمد ولد امصبوع" تكفي بل تعتبر أبلغ تعبير للدلالة على نفي تهمة استغلال النفوذ، وبالتالي فهي شهادة نفي وليست شهادةَ إثبات.

 

د. أما ما نسب للمدير السابق لـ"سنيم" السيد / إبراهيم ولد امبارك، فانه لا يرقى لمستوى الشهادة، إذ لم يستطع زاعمه تسمية أي شركة بعينها تم ادعاء التدخل لصالحها، والشهادة لا بد فيها من الدقة والتحديد والبيان.

 

وأظن أن ما نسب له في تلك المحاضر شبيه بما نسب للسيد / الناجي ولد محمد الصغير "ولكلام ما ينكال كامل".

 

السيد الرئيس،

السادة أعضاء المحكمة الموقرة

لا يسعنا في هذا المقام إلا أن نشكر المحكمة الموقرة، إذ بتحقيقها الهادئ والمتوازن وبإعادة استماعها للشهود من جديد قد أسقطت أربعة أوراق اتهامية في حق موكلنا محمد ولد امصبوع، كانت ملغمة على مستوى البحث والتحقيق ومفخخة على مستوى طلبات الطرف المدني والنيابة العامة وهي:

1. ورقة اكتتابه في شركة "سنيم": حيث تبين بما لا يدع مجالا للشك أنه اكتتب ضمن 782 عاملا تم اكتتابهم بطرق قانونية شفافة وبناء على مؤهلاته العلمية المتميزة، كما تثبت ذلك محاضر الاكتتاب طي الملف.

 

 ولم تسند له أي وظيفة طيلة عمله بـ"سنيم"، كما لم يحصل على أي ترقية رغم ترقية بعض من اكتتبوا معه في نفس الظروف.

 

فلو كان هنالك أبسط استغلال للنفوذ لكان وزيرا للطاقة والمعادن أو على الأقل مديرا عاما لـ"سنيم"، خصوصا أن مؤهلاته العلمية تؤهله بجدارة لشغل تلك المناصب السامية.

 

ومما يؤكد نفي تهمة استغلال النفوذ أن موكلنا لم يشارك في مسابقة "سنيم" إلا بعد أن يئس من التوظيف في البنك المركزي الذي كان يتدرب فيه بناء على اتفاقية تدريب بين ذلك البنك وجامعة لوهافر الفرنسية.

 

سقطت تلك الورقة.

 

2. ورقة استفادته من الدعم الذي تقدمه "سنيم" لدراسة أبناء عمالها: حيث ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن هنالك صندوقا، منذ الثمانينيات، بغلاف مالي يتجاوز مبلغ خمسمائة مليون أوقية قديمة سنويا، وهو مخصص لدراسة أبناء عمال "سنيم" وقد تخرج عن طريقه الكثير من الكوادر والأطر في مختلف التخصصات، في حين كان موكلنا هو الأقل استفادة، لكونها اقتصرت على رسوم روضة الأطفال.

 

ومن الغريب في هذا المقام أن تحتج النيابة العامة بالقول إن هذ الدعم إذا كان مكلفا لـ"سنيم" أي على المستوى الجامعي، فإنه يكون مباحا وتسييرا حسنا، أما إذا كان رمزيا كرسوم روضة أطفال، فهو جرم وفساد واستغلال للنفوذ، وكأن الأطفال لا حق لهم في التعليم! أي منطق هذا!

 

سقطت تلك الورقة

 

3. ورقة علاقته المزعومة بالشركة الهندية كالباترو:

حيث أسس هذا الزعم في الصفحة: 34 من أمر الإحالة وفي طلبات كل من الطرف المدني والنيابة العامة على شهادة السيد / سليمان ولد داداه، في حين أن هذا الشاهد - خلال أدائه لشهادته أمام محكمتكم الموقرة - قال بالحرف الواحد: "لا اعرف محمد ولد امصبوع ولم أر أو أسمع أنه تدخل لصالح تلك الشركة".

 

وإذا كانت شهادة النفي التي أداها السيد / سليمان ولد داداه أمام محكمتكم الوقرة قد تم تحريفها بذلك الشكل الذي سمعنا فما بالكم بالسائق المزعوم المجهول الذي يذكر ولا يرى.

 

سقطت تلك الورقة.

 

4. ورقة شرائه لقطعتين أرضيتين من المنطقة الحرة التي أثار حولها الطرف المدني ضجة كبيرة كما لو كانت جرما فظيعا وقلدته النيابة العامة في ذلك، رغم علمهم جميعا بقرار قضائي نهائي يؤكد أحقيته بتلك الأرض وأن أرض خصمه في مكان آخر.

 

سقطت تلك الورقة

 

بذلك يتجلى تهافت أدلة الاتهام، لتسقط بدورها ويصدق عليها قول القائل:

القول دعوى وفعل المرء بينة *** ولا سماع لدعوى دون بينة

وكم دعاوى على الإنسان هينة *** تـــــــطلبت بينات غيرَ هينة

 

المحور الثالث: رأي الشريعة الإسلامية حول الكيفية الأعدل لتعامل القضاء الجزائي مع أدلة الاتهام

السيد الرئيس،

السادة أعضاء المحكمة الموقرة،

بما أن الشريعة الإسلامية هي المسلك الفريد للوصول إلى العدالة وتكريسها بين الناس، وبما أنها هي المصدر الوحيد للقانون في بلادنا طبقا لديباجة الدستور، فانه من الوارد أن نتساءل عن رأيها حول الكيفية الأعدل والطريقة الأمثل لتعامل القضاء الجزائي مع أدلة الاتهام؟

 

وقد وضعت في هذا المجال كما هي حالها في كل المجالات حلقة نيرة ضمن سلسلتها الذهبية الشاملة وذلك باعتمادها لمبدإ فريد من نوعه تم اعتماده أخيرا من طرف الأمم المتحدة كأهم مبادئ ومرتكزات المحاكمة العادلة فما هو هذا المبدأ؟

 

إنه المبدأ الذي يقول: "رفض الاتهام برمته كلما شابت الدليل أدنى شبهة".

Ça veut dire:"Rejeter l’accusation dans son intégralité, lorsque la preuve est entachée du moindre soupçon"

 

وقد تم تكريس هذا المبدإ سواء على مستوى النص التشريعي أو على مستوى التطبيق الميداني، فعلى مستوى النص التشريعي يقول صلى الله عليه وسلم كما جاء في سنن الترمذي وصححه الحاكم: "ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم لمسلم مخرجا فخلوا سبيله فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة".

 

هذا بالنسبة للحدود التي هي أخطر الجرائم، فما بالك بغيرها!

 

أما على مستوى التطبيق الميداني فاسمحوا لي يا سيادة الرئيس أن أسوق هنا أحداث محاكمة تاريخية، بسيطة في شكلها عميقة في أبعادها ومراميها لما اشتملت عليه من دلالات وعبر، تنير الطريق أمام أي محكمة عادلة، ونحسبكم كذلك ولا نزكي على الله أحدا.

 

تتلخص وقائع هذه القضية في أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يوما يسير على فرسه وفجأة سقط كساؤه من على متن فرسه فرآه يهودي كان يسير خلفه، فسارع  إليه وأخذه.

 

فرجع إليه الإمام علي وقال له: هات كسائي، فقال اليهودي: بل الكساء لي ولا شأن لك به، فشكاه إلى القاضي وعند بداية الجلسة حاول أمير المؤمنين أن يجلس إلى جانب القاضي فقال له القاضي: اجلس إلى جوار خصمك يا علي ولم يقل يا أمير المؤمنين، خشية الإخلال بمبدإ المساواة بين الخصوم، فرجع الإمام وجلس إلى جانب خصمه وبعد افتتاح الجلسة خاطب القاضي أمير المؤمنين قائلا: يا علي ما هو اتهامك لهذا الرجل وما هي طلباتك؟

فقال الإمام على: سقط كسائي من على متن فرسي فأخذه هذا اليهودي ومنعنيه ظلما وعدوانا، فأنا أطالب بمعاقبته وباستعادة كسائي، فالتفت القاضي إلى اليهودي وقال: ما هو ردك على هذه التهمة؟

فقال اليهودي: متاعي وبيدي.

فالتفت القاضي إلى الإمام علي وقال: أين البينة والدليل على هذا الاتهام يا علي؟

فقال الإمام علي: هذان سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين يشهدان على ذلك.

فقال القاضي في تكريس فريد من نوعه لهذا المبدأ: "لا تقبل شهادة الولد لوالده لشبهة تأثير الأبوة" ثم التفت إلى اليهودي وقال: "أنت بريء أد اليمين وخذ الكساء".

فقال اليهودي: إن دينا هذا قضاؤه لهو دين أحق أن يتبع وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أشهد أن محمدا رسول الله، وخذ كساءك يا أمير المؤمنين.

 

هكذا رفضت شهادة الحسن والحسين وهي أقوى دليل لأبسط شبهة يعرف القاصي والداني أنها لا تؤثر على صدقية الدليل، وذلك في مواجهة يهودي ظالم من ألد أعداء الإسلام.

 

وبما أن الدليل هنا ليس شهادة الحسن والحسين وبما أن المتهمين هنا ليس يهودا وبما أن المدعي هنا ليس الإمام علي ابن أبي طالب، فإننا نطالبكم بما يأمركم به الخالق من رفع للظلم وتكريس للعدل وذلك بالحكم ببراءة موكلي: محمد الأمين ولد بوبات ومحمد ولد امصبوع لاستحالة التهم في حقهما وانعدام الأدلة المتعلقة بها وبرفض طلبات الطرف المدني لانعدام أساسها القانوني.

 

ولا تنسوا وأنتم تراجعون أنفسكم حول منطوق حكمكم وفي صمت مداولاتكم أنكم ستوقفون وعنه تسألون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم فاتقوا الله في خلقه وأقسطوا إن الله يحب المقسطين.

 

أشكركم

بتاريخ: 14/11/2023