على مدار الساعة

مهنة التوثيق بين الواقع وحتمية مواكبة التطور التكنولوجي!

27 أبريل, 2022 - 14:51
ذ. محمد ولد حويه - موثق مساعد محلف من الدرجة الأولى

تعتبر مهنة التوثيق من أعرق المهن القضائية في العالم، وأكثرها احتراما وخصوصية ومكانة بين المهن بصورة عامة، باعتبار تلعب دورا بالغ الأهمية في ضبط المعاملات، وتوثيق وتنظيم وأرشفة الحقوق والواجبات بين الأفراد والمؤسسات على اختلافها، كذا جميع أشكال العقود التي يريد لها أطرافها أن تكتسي طابعا رسميا..

 

وبما أن عقود التوثيق على اختلاف أشكالها، تكتسب أهميتها وقوتها بقوة القانون، فهي تعد الملاذ الآمن لكافة المتعاقدين في مختلف المجالات، لضمان حقوقهم العينية والمعنوية..

 

ومن المعروف أن هذه المهنة تعتبر فتية لحد ما في بلادنا، بموجب القانون رقم: 019 -97 الصادر بتاريخ: 16يوليو 1997 المنظم لمهنة التوثيق.

 

ومنذ ذلك التاريخ، وهي تشهد اهتماما متسارعا من قبل الجميع، وللأمانة فقد كانت الجهود حثيثة من أجل توسيع دائرة عملها ونطاقها، حتى تصل إلى أكبر عدد ممكن من المستفدين في العاصمة ومختلف ولايات الوطن، ولا أدل على ذلك من الانتشار الكبير الذي عرفته أخيرا على مستوى كبريات المدن وعواصم الولايات على الأقل…

 

وبالنظر لعمر هذه المهنة الشابة نسبيا في بلادنا كما ذكرنا، وكونها ظهرت بشكلها الجديد في عصر التكنولوجيا الحديثة، فقد صار لزاما علينا مواءمتها مع هذا العصر ومتطلبات الحياة اليومية، ومع تنامي نسبة الوعي والاستجابة للمطالبات المستمرة بالمواكبة والحداثة في شتى المجالات..

 

ومن المؤكد أن العمل على ذلك يتطلب تحيين وتعديل النصوص والقوانين المنظمة لها، وهيكلة القطاع الوصي والتطوير والتكوين المستمر للكادر البشري المرتبط بالمهنة، وتطوير البنى التحية الرقمية والخدمية..

 

وبما أن التوجه العام يسعى في جوهره إلى تقريب الخدمات على اختلافها من الجميع، تسهيلا لحياتهم وتوسيعا لخياراتهم، لما لذلك من أثر بالغ على مخرجات التنمية بصورة عامة ..

 

ومعلوم كذلك أن الخطابات الأخيرة لصاحب الفخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، دعت إلى ذلك حرفيا، وبشكل صريح وواضح وعلى شكل تعليمات، نظرا لبعد نظرته الاستشرافية للمستقبل، فقد باشرت وعلى الفور العديد من القطاعات الحكومية والخاصة، العمل على تذليل كافة الصعاب التي تقف أمام تقريب خدماتها من المرتفقين، مستخدمة الوسائط الإلكترونية المتعددة كحلول مبتكرة للعمل على تعزيز القدرات البشرية وترشيد وعقلنة الموارد المادية..

 

وبما التكنولوجيا الحديثة وتطبيقات التواصل والذكاء الاصطناعي والرقمنة والحوسبة وغيرها من المفاهيم والمصطلحات التي تصنع مستقبل العالم، كلها أمور فرضت نفسها على غالبية بل وإن لم نقل جميع المجالات الاقتصادية في العالم اليوم، عالم السرعة والرقمنة والابداع..

 

وبالنظر إلى ما تقدم، فإن مهنة التوثيق، وباعتبار الموثقين مأمورين عموميين، فينبغي أن تجد نصيبها كغيرها من المهن من التفكير والعصف الذهبي، حتى نستطيع جميعا الارتقاء بها وتطويرها وتقريبا من جميع المستفيدين منها، فقد آن الأوان لتعديل القانون المنظم لها، استجابة وتمشيا مع الرؤية الاستشرافية لصاحب الفخامة النابعة من سعيه الحثيث للرقي والازدهار بالبلد في مختلف الميادين..

 

وفي هذا الاطار وباعتباري أحد العاملين في هذه القطاع، ورجوعا إلى خبرتي المتواضعة فيه، فإنني اقترح على القائمين على القطاع الوصي مجموعة من المقترحات، أرجو أن تجد آذانًا صاغية، وسأتقدم بها على شكل نقاط كالتالي:

- إنشاء ادارة جديدة في وزارة العدال خاصة بالموثقين

 

- تنظيم ورشات من قبل القطاع الوصي من أجل تجسيد الفكر التشاركي، لإصلاح المهنة وتطوريها، اعتمادا على مختلف خبرات كافة الفاعلين فيه، من أجل تقديم توصيات ومقترحات تساعد في صياغة وتعديل القوانين والنصوص المنظمة لهذه المهنة.

 

- إلزام الموثق باعتماد نظام ضبط واستقبال إلكتروني، من تحرير  - توقيع ونزع بصمات، بالإضافة إلى أرشفة الكترونية دقيقة لكافة العقود، حيث يسمح هذا النظام بتطوير خدمات المهنة، وبإنشاء قاعدة بيانات شاملة ورصينة متوفرة على مدار الساعة لدى القطاع الوصي، يستفاد منها وقت الحاجة بيسر تام، وبنقرة زر..

 

- اعتماد نظام إلكتروني متكامل يطور خدمات التوثيق، ويسهل ويسرع التعاقد، ويربط الموثقين في البلاد في فضاء رقمي واحد تفاعلي ذكي، يضمن الوقوف أمام التزوير والتلاعب بالوثائق..

 

- اعتماد الموثق الإلكتروني، وهي خطوة صارت واقعا لا أمرًا افتراضيا في العديد من بلدان العالم، تضمن توفر خدمة التوثيق على مدار الساعة، وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن الاقتباس من العديد من التجارب الرائدة في المجال، على سبيل المثال تجارب الدول العربية والإسلامية..