على مدار الساعة

حصاد العشرية(4).. تصفية الشركات الوطنية وتمليك المستقبل للمقربين والأجانب*

31 يوليو, 2019 - 13:13

الأخبار (نواكشوط) ـ عرفت عشرية الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز تحولات هائلة على مستوى الشركات الكبرى بموريتانيا، بل تكاد تكون خارطة هذه الشركات قد تغيرت تماما خلال عهده.

 

ولا يتوقف الجدال حول الجدوى الاقتصادية من تغييرات قضت على شركات ذات رمزية تاريخية ترتبط ببواكير عمر الدولة، وجاءت بشركات أخرى، معظمها أجنبي الهوى ورأس المال، لكن بعقود طويلة الأمد أشبه ما تكون بتأميم أجنبي إلى حين.

 

الموت الجماعي

مع نهاية العشرية الأخيرة اختفت من على الخارطة الاقتصادية شركات ظل الموريتانيون يحسبونها جزءا لا يتجزأ من تكوين المشهد الاقتصادي، أبرزها شركة "سونمكس"، التي نشأت في ستينات القرن الماضي لفرض توازن أسعار المواد الغذائية ومحاربة الاحتكار.

 

 ومع صعود الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز إلى سدة الحكم للمرة الأولى عبر انقلاب 6 أغسطس 2008، كانت "سونمكس" في حالة اقتصادية مكنتها من امتلاك 17 مليار أوقية، من بينها مخزون بقيمة 9.3 مليار أوقية، إضافة لديون تبلغ 6.2 مليار، و2 مليار ودائع في الحسابات البنكية.

 

لكن الشركة التي نيفت على نصف قرن سلكت طريق الإفلاس سريعا؛ فبيع مخزونها الغذائي بنصف ثمنه، وتحولت إلى "بقرة حلوب" لمقربين من رأس النظام، سرعان ما جف ضرعها بعد ما تحولت إلى زبون لمن يفترض أن يكون أكبر منافس تجاري لها.

 

وكشفت تحقيقات صحفية نشرتها "الأخبار إنفو" في نوفمبر 2018، عن فساد كبير في الشركة أدى إلى خسارتها مليارات من الأوقية خلال سنوات قليلة، وكانت نتيجة الخسارات التي تتعرض لها الشركة تميل الكفة لصالح مجموعة أهل غده التجارية، أو لشركات أسرة أهل ودادي.

 

وفي 31 من يناير 2018 وافقت الجمعية العامة للشركة على قرار تصفيتها، لتنتهي بذلك واحدة من قصص التاريخ الاقتصادي الموريتاني، وهي نهاية درامية لم تكن – ربما – في حسبان مؤسسيها أيام كان كل شيء يبدأ من مرحلة الصفر.

 

ودون مكانة "سونمكس" صُفيت الشركة الوطنية لصيانة الطرق "ENER"، وأدمجت مع شركة النظافة والأشغال والنقل والصيان (ATTM)، وذلك في شهر أكتوبر 2017.

 

واعترف وزير النقل الأسبق محمد عبد الله ولد أوداعه، أمام البرلمان في مايو 2018، أن "ENER" عانت من مشاكل أساسية أثرت على وتيرة إنجازها للمشاريع وأشغال صيانة الطرق وقد خلصت لجنة متخصصة إلى أنها في "وضعية سيئة".

 

وطال مسلسل تصفية الشركات وكالة النفاذ الشامل، وهي هيئة أنشئت عام 2001 تتولى تنفيذ مشاريع تتعلق بالخدمات الأساسية، وقد اتخذ القرار في اجتماع مجلس الوزراء فاتح فبراير 2018.

 

وقال وزير الاقتصاد والمالية المختار ولد أجاي، في تعليقه على ذلك الاجتماع، إن الحكومة قررت إلغاء الوكالة مع الاحتفاظ بصندوق التمويل التابع للهيئة على مستوى وزارة المالية، كما سيتم توزيع المشاريع حسب اختصاص الوزارات ما بين وزارات المياه والطاقة والتقنيات الجديدة.

 

شركات ضرار

بالتوازي مع حالات الإفلاس التي عرفتها بعض الشركات الوطنية الكبرى بموريتانيا، شهدت السنوات العشر الماضية تنازلات مجحفة لشركات جديدة منافسة، إضافة إلى الدخول في شراكات وعقود طويلة الأمد مع شركات قيد التأسيس وأخرى عديمة الخبرة.

 

كما شهدت هذه الفترة تقديم قروض ميسرة وتسهيلات تجارية من قبل الشركة الوطنية للصناعة والمناجم ومن قبل الشركة الموريتانية للإيراد والتصدير "سونمكس"، ما جعل هذه الشركات تواجه مصاعب مالية متجددة.

 

فقد شاركت الشركة الوطنية للصناعة والمناجم SNIM في إنشاء مصنع خصوصي ينافس جزئيا إحدى الشركات التابعة لها في الشامي، وفي إقامة مصنع آخر في ألاكـ قبل التنازل عنه، كما تم التنازل عن شركة التضامن للتأمين.

 

آخر هذه التنازلات المجحفة للشركات المحظوظة ما أعلن عنه في بيان مجلس الوزراء فيي 6 يونيو 2019، حيث تمت المصادقة على مشروع مرسوم يتضمن المصادقة على اتفاقية تأسيس بين الحكومة وشركة NOUAKCHOTT MEDICAL CENTER (N.M.C.).

 

ويهدف المرسوم إلى إحداث تغييرات غير معروفة على نظام التأمين الصحي، و(N.M.C.) ، وهي شركة قيد الإنشاء، حيث تتخذ من منطقة محاذية لقصر المؤتمرات القديم مقرا لها، ولم يسبق لها القيام بأي مهمة عمل على الإطلاق،

 

وتؤكد مصادر الأخبار وجود صلة قوية بين القائمين على هذه الشركة ومقربين من الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز، وستحتكر NMC بموجب هذه الاتفاقية توفير الخدمات الصحية للصندوق الوطني للتأمين الصحي CNAM، وهو ما سيعود عليها بعشرات المليارات سنويا ولمدة عشر سنوات.

 

وكان من اللافت أن الشركة التي سارع مجلس الوزراء إلى المصادقة على مرسوم الاتفاق معها شهرين قبل انتهاء مأمورية ولد عبد العزيز، لم يكتمل بناء مقرها كما لم تنجز أي مهمة تثبت كفاءتها لتولي المهام المنصوص عليها في الاتفاق.

 

المنافذ يتقاسمها الأجانب

تزامن موسم إفلاس واختفاء الشركات الكبرى مع دخول شركات أجنبية ومحلية جديدة على الخط، في صفقات شابها كثير من الغموض، وأحاطت بها أسئلة شائكة تتعلق بالجدوى وبالسياسة وبالمستقبل.

 

ففي 20 مارس 2018 وقعت الحكومة الموريتانية اتفاقا مع  شركة "مطارات أبو ظبي" لاستلام مطار نواكشوط الدولي "أم التونسي"، ولهذا الغرض أنشأت الشركة الإماراتية  - على عجل – شركة  باسم"AFROPORT"   للقيام بهذه المهمة.

 

وبموجب الصفقة يضع الإماراتيون يدهم على المطار لمدة ربع قرن، أي 25 سنة كاملة، وستخسر شركة مطارات موريتانيا عوائد مالية معتبرة، وهو ما وضعها فعلا على السكة نفسها التي سارت عليها الشركات الوطنية التي أصبحت أثرا بعد عين.

 

كما يتهدد نفس الخطر شركة "الموريتانية للطيران"، التي ستكون مطالبة بدفع 100 مليون أوقية قديمة شهريا للشركة الإماراتية.

 

وفضلا عن ما تثيره الصفقة من مخاوف سياسية وأمنية، خاصة في ظل سعي الإمارات الدؤوب لبسط نفوذها، فإن عشرات العمال الموريتانيين وجدوا أنفسهم أمام مصير مجهول، فالشركة الإماراتية ترى أنه "لا شيء يلزمها باكتتابهم".

 

أما المنفذ البحري الأبرز في البلاد فقد هيمنت عليه شركة هندية يمثلها مقرب من رأس النظام، وفي 14 نوفمبر 2018، أمرت وزيرة النقل السابقة آمال بنت مولود بإخلاء جزء من الميناء والتنازل عن محطة الحاويات ومركز للهيدروكربون، لصالح شركة "PANPA"  الهندية.

 

كما وقعت الحكومة في اكتوبر 2018 اتفاقا مع شركة هندية أخرى هي " اولام "، ستتولى بموجبه تشييد توسعة لميناء نواكشوط المستقل، مع منحها حق تسيير التوسعة لثلاثين عاما.

 

ويصل استثمار الشركة الهندية حوالي 390 مليون دولار، وعلى لسان وزير الاقتصاد والمالية فـ"إنها على حساب المستثمر مائة في المائة، والدولة الموريتانية لن تدفع في المشروع أوقية واحدة".

 

الأرض للإمارات

في اجتماع مجلس الوزراء 1 فبراير 2018 منح المجلس شركة "إيليت أجرو" الإماراتية، التي تعمل في مجال إنتاج وتوزع الخضروات الطازجة، قطعا أرضية في كرمسين والركيز بولاية الترارزة، كما حصلت بعد أسبوعين فقط من ذلك الاجتماع على قطعة أرضية في ولاية نواكشوط الجنوبية.

 

ولم تحدد أي من بيانات الحكومة مبرر منح هذه القطعة الأرضية، ولا مجال استخدامها.

 

حينها كشفت صحيفة "الأخبار إنفو" أن فرع الشركة الإمارتية في موريتانيا مسجل باسم رجل الأعمال الإماراتي صادق العمري صافد البحري سالم، وتقول وثائقها إن لرجل الأعمال الإماراتي شريك موريتاني، لكنها تغفل اسمه بشكل كلي.

 

ولم يتوقف سيل الشركات الإماراتية عند ذلك الحد، فقد منحت الحكومة في اجتماعها يوم 8 مارس 2018 قطعتين أرضيتين في ولاية ترارزة لشركة إماراتية أخرى تحمل اسم "أثمار أجرو"، المملوكة لرجل الأعمال الإماراتي حمد عبد الله راشد الظاهري.

 

وفي ذات الاجتماع الوزاري، صادقت الحكومة على منح قطعة أرضية زراعية لشركة إماراتية ثالثة، هي "ريجيونال انفستمنت"، وتقع القطعة الأرضية الممنوحة لها في مقاطعة كرمسين بولاية الترارزة.

 

البحر للصين

في يونيو 2011 أقرت الحكومة اتفاقية للصيد مع شركة "بولي هوندون بلاجيك فشري السمكية" تستمر ربع قرن، أي 25 عاما، وتتضمن الاتفاقية إعفاءات ضريبية وجمركية كبيرة لصالح الطرف الصيني وتسهيلات جمة فيما يخص استيراد العمالة الأجنبية، كما تضمن لها استقرار النظام القانوني طيلة مدة تنفيذ الاتفاقية.

 

 وبعد جلستي نقاش أقر البرلمان الاتفاقية التي اشتملت على 24 بندا، قال الفريق المعارض حينها إنه لا يوجد من بين بنودها سوى بند واحد لصالح موريتانيا يتحدث عن خلق نحو 2500 فرصة عمل.

 

وفي 7 سبتمبر 2018، زار الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز مقر "هوندونغ" بالصين وتجول في أقسام الشركة، كما عقد اجتماعا مع مسؤوليها خصص لبحث أفق استثماراتها في موريتانيا.

 

 المناجم.. تنازل من لا يملك

وبعيدا، في شمال البلاد، تنازلت الشركة الوطنية للصناعة والمناجم "اسنيم" في مايو 2019 عن منجمها في مدينة افديرك لشركة "BCM International Group"، التي يقع مقرها في العاصمة الغانية أكرا.

 

وكشفت المصادر حينها عن تدخل نافذين مقربين من الرئيس ولد عبد العزيز في اتفاق التنازل بين الشركتين، دون علم مجلس إدارة "اسنيم".

 

وبموجب الاتفاق يتنازل عملاق الاقتصاد الموريتاني عن المنجم للشركة الأجنبية مدة 20 عاما، فضلا عن استفادة الأخيرة من خدمات السكة الحديدية لتصدير خامات الحديد بعد استخراجها.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

* يدخل هذا التقرير ضمن سلسلة تقارير تنتجها وكالة الأخبار المستقلة عن حصاد عشرية الرئيس محمد ولد عبد العزيز، من بينها: 

الأمن خلال العشرية: مقاربة وإعادة هيكلة وإنشاء وتجميد

حصاد العشرية السياسي.. أزمات متتالية وحوارات ناقصة

حصاد العشرية: تزايد المؤسسات المالية وارتفاع الأسعار وتدهور الأوقية